باحث عراقي: المظاهرات كشفت انفصاما في ممارسات حكومة المالكي

يحيى الكبيسي: الاحتجاجات تشكل تغيرا نوعيا في تاريخ العراق الحديث

TT

اعتبر الدكتور يحيى الكبيسي، باحث زائر في المركز الفرنسي في الشرق الأدنى، المظاهرات التي خرجت في عموم العراق أنها «تشكل تغيرا نوعيا في تاريخ العراق الحديث، فنحن ومنذ منتصف الستينات فقدنا في العراق ثقافة الاحتجاج المدني السلمي، لأن كل المعارضات كانت مسلحة وعنفية»، مشيرا إلى أن «هذه المظاهرات وطنية شملت جميع أنحاء العراق من السليمانية (شمال) إلى البصرة (جنوب) مرورا بالعاصمة بغداد، وهي كذلك مظاهرات شعبية لم تنظم من قبل أي طرف أو حزب سياسي، صحيح أن بعض الأحزاب دخلت كمشاركة فيها، لكن تنظيمها وخروجها إلى الشرع كان شعبيا».

وأضاف الكبيسي في حديث لـ«الشرق الأوسط» خلال وجوده في لندن مؤخرا أن «سقف مطالب المتظاهرين تحدد بالخدمات وتوفير فرص عمل ومحاسبة الفاسدين وإصلاح النظام والمطالبة بالحريات والحقوق العامة وسيادة القانون، ولم يرتفع إلى إسقاط النظام، والجميع متفق، بما فيهم الحكومة والبرلمان، على أحقية المطالب»، منوها إلى أن المتظاهرين «لو طالبوا بإسقاط النظام لكانت احتجاجاتهم قد أجهضت، بينما كانت الحكومة وحدها قد رفعت سقف المطالب عندما قالت إن المتظاهرين يطالبون بإسقاط النظام، لأن هذا الوتر يلعب على طبيعة الانقسام المجتمعي في العراق، وبالتالي قد يجهض المظاهرات، وفي اعتقادي أن بقاء مطالب المتظاهرين بهذه الحدود يمكن أن يتيح لها زخم الاستمرار».

وأوضح الباحث العراقي أن «من الصعب أن تحقق هذه المظاهرات مطلب تغيير النظام، بسبب طبيعة النظام القائم على الانقسامات الإثنية والمذهبية وحتى الحزبية، وخاصة أننا نتحدث عن نظام جاء بفعل صناديق الانتخابات وبأصوات الجمهور، ومن الصعب أن يطالب هذا الجمهور بإسقاط الحكومة بعد سنة من الانتخابات، لكن العراقيين يطالبون بإصلاحات حقيقية، فالنظام الحاكم أصبح عاجزا بعد ثمان سنوات عن هيكلة نفسه أو إعادة إصلاح نفسه، وبالتالي لا وجود لأي أمل في تغيير نوعي حقيقي في بنية السلطة في العراق، كما أن العراقيين وكذلك الحكومة واعون لهذه الحقيقة وهذا ما لاحظناه، وهو خوف الدولة من رد فعل الجمهور، وبالتالي فإن الحكومة لا تريد أن تسقط الجانب الاعتباري وهو أنها مقبولة من قبل الشعب، وخاصة أنها تتحدث باستمرار بأنها جاءت بفعل أصوات غالبية الناخبين وأن أعداءها هم القلة من أتباع النظام السابق، والإرهابيون، والتكفيريون، والقتلة كما سماهم نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، في خطابه يوم 24 فبراير (شباط) وقبل يوم واحد من مظاهرات (يوم الغضب)».

واعتبر الكبيسي أن المظاهرات في العراق «كشفت عن الانفصام الذي يمارسه النظام العراقي ما بين الشكل القائم على أسس ديمقراطية وما بين المضمون القائم على أسس غير ديمقراطية، وفي اعتقادي أن استمرار زخم المظاهرات سوف يكشف عن المزيد من زيف أشكال الديمقراطية في العراق ومن ضمنها إعلام الدولة على سبيل المثال، فما مارسته فضائية العراقية (الحكومية) من تزييف للحقائق ما قبل يوم 25 فبراير وخلاله وما بعده لا يختلف عن ممارسات التلفزيونيين الحكوميين التونسي والمصري خلال المظاهرات الشعبية في كلا البلدين»، مشيرا إلى أنه «كان يجب أن يكون الإعلام العراقي، إعلام دولة وليس إعلام حكومة، في حين تحول إعلامنا إلى إعلام حكومي صرف، لهذا نحن نعتبر أن المظاهرات التي خرجت يوم 25 فبراير مثلت لحظة الكشف عن انفصام بين الشكل الديمقراطي الذي تتمسك به الحكومة والممارسات غير الديمقراطية التي تقوم بها. وهذا ما كانت تخشاه حكومة المالكي من هذه المظاهرات».