مكرم محمد أحمد: لم أكتب خطاب الرئيس في الأزمة.. وقرينته وابنه أهم أسباب الغضب

الأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب لـ«الشرق الأوسط»: توقعت سقوط النظام منذ 3 سنوات.. ومبارك لم يكن يرغب في سماع إلا ما يرضيه

TT

مكرم محمد أحمد نقيب صحافيي مصر، الأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب، من أكثر الصحافيين المصريين المقربين من الرئيس السابق حسني مبارك، وكان واحدا ممن يكتبون خطابات الرئيس السابق، حتى ظهر جمال نجل الرئيس مبارك، لكن مراقبين اعتقدوا أنه من كتب خطاب الأول من فبراير (شباط)، الذي كاد يبدل مصير الثورة المصرية، بعد أن كسب تعاطفا شعبيا. لكن مكرم نفى الأمر، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه توقف عن كتابة خطابات الرئاسة منذ 2004، بعد أن تم عزل الرئيس تماما.

ووصف مكرم محاولة الاقتراب من الرئيس خلال الفترة الماضية بـ«معركة موت»، من يقترب من الحلقة الأخيرة المحيطة بمبارك دونه الموت، مشيرا إلى أن مبارك لم يعد يتحسس نبض الشارع، ولم يعد يستمع كما كان، لافتا إلى أن الرئيس لم يعد يريد أن يسمع إلا ما يريد أن يسمعه. وقال مكرم إنه «أيقن حتمية سقوط النظام المصري قبل 3 سنوات.. فالمشكلة أن قيادات النظام كانت مسيّرة إلى قدر محتوم كأبطال التراجيديات اليونانية، وكأن أعينهم معصوبة، وهو يسيرون لأقدارهم دون تفكير أو مراجعة».

وحمل مكرم مسؤولية ما حدث لقرينة الرئيس المصري، وأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا)، ووصف عز بأنه «مقامر سياسي جلب الخراب والفساد على النظام، لم يعرف طبيعة الشعب، ولا الخارطة السياسية، وكان مزهوا بنفسه»، وإلى نص الحوار..

* هل كتبت خطاب التنحي أو أيا من خطابات مبارك في الأزمة، وهل استعان بك مبارك حينها؟

- ليس صحيحا، ولو أنني كنت كتبته لقلت ذلك، فخطاب الأول من فبراير الذي تم فيه تعيين نائب للرئيس والتخلي عن بعض السلطات كان مكتوبا ببراعة، وجعل الكثيرين يغيرون أفكارهم تجاه الرئيس، وربما يكون الدكتور مفيد شهاب هو من كتبه.

* لكنك ظهرت إعلاميا بعد خطاب الرئيس واستخدمت تقريبا فقرات من الخطاب، ربما أوحى هذا للمراقبين أنك من كتب ذلك الخطاب..

- منذ كنت محررا في «الأهرام» وحتى الآن أتابع وأحرر كل ما يقوله الرؤساء؛ الفترة الأخيرة لعبد الناصر وفترتي السادات ومبارك حتى 1981، عندما كنت مديرا للتحرير، فخبرتي في صياغة «المانشيتات» والمقدمة ولدت لدي معرفة جيدة بنيات هذا الرئيس وتوجهاته. وأقول لك.. أنا الوحيد في مصر الذي كشفت أن قصد الرئيس السادات في البرلمان بأنه مستعد أن يذهب إلى أي مكان من أجل السلام حتى لو «الكنيست» بأنه يقصد «الكنيست»، وعلق السادات وقتها بأني الوحيد الذي فهمت الخطاب. وأعتقد أنني أعرف طريقة تفكير الرئيس السابق مبارك. وعلى أي حال لم أكتب خطابات للرئيس منذ 2004.

* ربما يربط البعض بين هذا التاريخ وبداية نشاط «لجنة السياسيات» التي برز من خلالها نجل الرئيس..

- بعدها مباشرة، فعندما شكل جمال مبارك «لجنة السياسات» عرض علي أحمد عز أن أكون معهم ورفضت بهدوء، ربما لأنني انتظرت الدعوة من مبارك، لكن في النهاية كنت أرى أن الصحافي المحترم يكون بينه وبين الحاكم مسافة جيدة ليحافظ على استقلاليته.

* يتحدث البعض عن أن خطابات الرئيس مبارك خلال السنوات الأخيرة افتقرت إلى المصداقية بقدر ابتعادها عن نبض وهموم الشارع.. إلى أي حد تتفق مع هذه الرؤية؟

- الرئيس السابق كان حوله بطانة قامت بعزله، ووصلت المعركة في الدائرة المحيطة بالرئيس إلى «معركة موت»، من يقترب من الحلقة الأخيرة المحيطة بمبارك دونه الموت، تم عزل الرئيس تماما، ومنذ ظهور مشروع التوريث والرئيس مبارك لم يعد يتحسس جيدا نبض الشارع ولم يعد يستمع كما كان، حتى من يقترب منه، كما كنت أفعل لنقل هموم الشارع، لم يكن يعطيه الفرصة وكان يبادره بالكلام، فلم يعد يريد أن يسمع إلا ما يريد أن يسمعه.

* هل صارحت المسؤولين بمخاوفك وتصوراتك لمشهد نهاية النظام؟

- صارحت كثيرين منهم، وتحدثت مع وزراء، لكن المشكلة في نظام مبارك أنهم كانوا مسيّرين إلى قدر محتوم كأبطال التراجيديات اليونانية، وكأن أعينهم معصوبة، وهم يسيرون لأقدارهم دون تفكير أو مراجعة.

* هل تحولت هذه المخاوف إلى توقعات بحتمية انهيار النظام؟

- هذا صحيح، على الأقل منذ 3 سنوات، كنت أرى في تصرفات القصر الرئاسي والمحيطين به أنهم يسعون إلى هدف واحد لن يلتفتوا لأي شيء غير تنفيذه، وكنت أرى أن الأزمة ستبدأ من وزير الداخلية، أيا كان من يشغل المنصب، فهو - ولإثبات ولائه - كان عليه أن يقتل مزيدا من الضحايا، وهو ما يدفع لخروج الشارع عن السيطرة، لأن كمية الغضب المختزنة في الشارع وفي نفوس الشعب أكبر من إمكانية احتوائها، وكنت أحيانا أصحو من نومي فزعا من هول ما يمكن أن يحدث.

* لماذا لم تخبر مبارك بهول ما توقعت وكنت - على الأقل - مقربا منه؟

- علاقاته برؤساء التحرير كان ينظمها بطريقته، وكان يحاول أن يفهمني أنني أقرب الناس إليه، وهو ما كان يفعله مع آخرين، وهذا شأن الحكام في كل مكان، وكنت أحدث مبارك بما لم يستطع أحد أن ينقله له، ويعرف كثيرا من الوزراء والزملاء رؤساء التحرير السابقين هذا، وكنت لا أخفي عنه الحقيقة في أي يوم من الأيام حتى شعرت أنني سأكون كـ«غراب البين»، فتوقفت منذ عامين تقريبا، وأصبح الرئيس لا يسمع إلا ما يريد، وكلما حاولت أن أحدثه عن أزمة في الشارع كان من حوله يلاحقونني بكلمة «لا تعكننه يا أستاذ».

* وماذا عن جمال مبارك.. هل كان لك موقف واضح منه؟

- لم أستسغ «لجنة السياسات»، ولا تدخلات جمال ومن معه في كل شيء، لقد كذبوا على أنفسهم وعلى مبارك عندما قالوا إنه لا طلب على الديمقراطية في مصر، وإن الحكم آمن وقوي.

* وما تقييمك لدور قرينة الرئيس مبارك في ما جرى؟

- لم أكن قريبا منها، مصر كلها كانت تستشعر الخطر من النفوذ المتزايد لها، وكنت لا أستسيغ أن يكون لها وزراء مثل أنس الفقي وفاروق حسني وغيرهما.

* البعض يقول إن تدخل قرينة الرئيس مبارك فاق تدخل السيدة جيهان قرينة الرئيس الراحل أنور السادات..

- جيهان كانت لها علاقة جيدة بالمثقفين، وأعتز بعلاقتها جدا لأنها سيدة عظيمة، وتدخلت في موقفين لصالحي حيث كاد السادات يعاقبني عام 1976 بسبب حوار أجريته مع البابا شنودة، وعندما فصلت من نقابة الصحافيين قالت لي اطمئن إن لك محاميا قويا في بيت السادات، وكانت كافة مواقفها تحاول منع اتساع الفجوة بين السادات والمثقفين، وكانت في صف المجموعة المستنيرة، لكن السادات كان عنيدا، ورغم أنني لم أقترب يوما من قرينة الرئيس مبارك، فإنني أعتقد أنها سبب المشكلات وأنها من تشبث بالتوريث، ومبارك كان قلقا على جمال ولم يكن متحمسا من داخله لفكرة التوريث، خصوصا أن الاحتجاجات في السنوات الأخيرة شملت كافة القطاعات، ففي 3 سنوات فقط حدث طوفان وتزايدت مؤشرات الانفجار الشعبي، ولم يكن يخفى عليه هذا الأمر، ولم يكن سعيدا بهذا المشروع.

* هل يمكن الحديث عن دور لأحمد عز أمين عام تنظيم الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا) فيما جرى؟

- طبعا، فأحمد عز كان مقامرا سياسيا جلب الخراب والفساد على النظام، لم يعرف طبيعة الشعب، ولا الخريطة السياسية، وكان مزهوا بنفسه، وحذرت مبارك فور انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة منه، وحملته مسؤولية حالة الاضطراب الذي حدث في الصف الوطني بسببها.

* هل تنظر إلى ما حدث على أنه ثورة؟

- بالطبع ما حدث ثورة عظيمة لم تحدث وقد لا تتكرر في التاريخ، وقيمتها أنها فريدة بالفعل، وعلى غير توقع، فالنظام السابق كان يتصور أنهم 2000 أو 3000 وأن ساعتين كافيتان للسيطرة عليهم، كما أن هؤلاء الشباب صنعوا في 18 يوما ما لم يصنعه «الإخوان» ولا الأحزاب طوال تاريخهم، والغرب مندهش من الثورة لأنها جعلت فكر «الإخوان» و«القاعدة» والثورة الإيرانية في الخلف ومحكوم عليه بالإعدام أو الانسحاق، لذلك ننتظر أن يعاد تقييم الوزن النسبي للقوى السياسية في الشارع.

* لماذا في رأيك المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتعجل في تسليم السلطة؟

- المجلس العسكري متعجل وربما أكثر من اللازم، لأن وجوده في الشارع قد يؤدي إلى تغيير عقيدته العسكرية، بجانب التحديات الأخرى على الحدود مثل الثورة الليبية، وإسرائيل، وفي الجنوب الوضع السوداني، وتوقيع اتفاقية حوض النيل، وهو عمل ضد مصر، كل هذا تحديات أمنية تثير القلق في القوات المسلحة، خلافا إلى أن العالم كله يخشى أن يعود الحكم العسكري لمصر، وأصبحت أميركا أكثر سعادة الآن وكأنها وجدت «تاج الجزيرة»، فتغيير مصر يعني تغيير المنطقة العربية بالكامل شاء من شاء وأبى من أبى، لذلك تضع أميركا والغرب كل قدراتهم لتشجيع الديمقراطية المصرية وتمكينها من الوصول إلى غايتها، لأنه في نظرهم أقل الطرق تكلفة لتحقيق عالم عربي جديد، خصوصا أنهم يعتقدون أن الديمقراطية تحافظ على مصالحهم أكثر مما تحافظ عليها النظم الفردية.

* هل تخشى من وصول التيار الإسلامي إلى السلطة في مصر؟

- جماعة الإخوان المسلمين مدرسة لتربية كوادر قوية ولديهم القدرة على المزج بين العمل الاجتماعي والسياسي بمهارة فائقة، ومتمكنون من أن يكون لهم جذور في المجتمع، لكن القلق من حبهم لاحتكار العمل السياسي وتجاربهم في إصابة النقابات المهنية بالشلل وتحويلها إلى منابر لأفكارهم وإثارة الخلافات، لأنهم يريدون تولي كل شيء ويحبون المغالبة لا المشاركة كما يزعمون، لا نستطيع أن ننكر أنهم فصيل مهم ومن حقهم الوجود بقدر حجمهم الحقيقي، وإذا كانت رغبتهم في حكم مصر فليعلنوا بأي شكل سوف يحكمون، هل على نمط آية الله الخميني أم لهم طريقة أخرى.

* «الإخوان» يتحدثون عن المرجعية الإسلامية في برنامجهم؟

- صحيح لكنهم لم يوضحوا لنا كيف سيكون تطبيق المرجعية الإسلامية، فمن الذي بيده تطبيق النص الديني ووفق أي تفسير، فالقراءة للإسلام تجعل هناك إنسانا معتدلا وآخر متطرفا، وفي الدولة المدنية لا بد أن تكون الأمة مصدر كل السلطات، والدين قيم نزرعها في الناس، ولا نحكم به، عندما نحكم بالدين نقع في دائرة الخلاف التي لا يقبل بحل وسط، والسياسية دائما هي البحث عن الحل الوسط، أما الحكم بالدين فإما الإيمان أو الكفر، والسودان خير دليل على خطر الحكم بالدين في بلد متنوع الأعراق والعقائد.

* هل الأزمة في «الإخوان» وفقط؟

- لا، بل في التيار الديني بوجه عام، فالجماعة الإسلامية خالفت قواعد مبادرتها التي اتفق عليها عند إطلاقها للمبادرة على أنها لن تعمل بالسياسية، واليوم تأتي لتمارس السياسة وتعود للتنظيم بعد أن كانت قد أعلنت أن التنظيم انتهى وأن عملها الدعوي كأفراد، نسمع اليوم أنهم يريدون إنشاء حزب، وكذلك عبود الزمر يريد إنشاء حزب، مما يعني أن الإسلاميين يندفعون اندفاعا للخلط بين الدين والسياسة وهنا الخطر من الدخول في حرب مع الغرب والكنيسة كما حدث في السودان.