البحرين: «السلمانية» أول مستشفى في العالم يحتله متظاهرون

أطباء لـ«الشرق الأوسط»: تسييس المرافق الصحية سابقة ومؤشر خطيران

طاقم طبي في مستشفى السلمانية بالمنامة خلال الفترة التي تقول السلطات ان المستشفى احتل فيها من قبل المعارضين (رويترز)
TT

قفز مستشفى السلمانية في البحرين إلى واجهة الأحداث إثر المظاهرات التي شهدتها البحرين خلال الأيام الماضية، وأصبح اسمه يتردد في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العالمية المختلفة.. وترددت في أوساط البحرينيين مفردات «احتلال» و«تطهير» ورعب وتهويل وخيام ومتظاهرين في الردهات والساحات والمواقف التي تقع في محيط المستشفى وكاميرات تصوير وأجهزة استقبال خاصة لبعض القنوات الفضائية، ويشير مراقبون إلى أن المستشفى تحول إلى ما يشبه غرفة العمليات للربط بين مواقع الاعتصامات والمظاهرات، واستقبال المصابين، إضافة إلى منبر لإلقاء الخطب ورفع الشعارات السياسية. وما عزز لفت الانتباه إلى المستشفى الذي يعتبر من أكبر المجمعات الطبية في الشرق الأوسط، هو انضمام الكثير من العاملين في المستشفى إلى المتظاهرين، وتقديم الخدمات اللوجيستية لهم من داخل المستشفى، بحسب عاملين في الموقع نفسه.

ويستشهد البحرينيون على ما يسمونه «الاحتلال» بالتحول الإداري الذي حدث داخل المستشفى لوجود أطباء، ناشطين في المعارضة الشيعية، تولوا إدارة تسيير الأمور في الحالات التي تتعلق بمعالجة المصابين من المتظاهرين، واصطفاف الكادر كله من أطباء وممرضين من الجنسين عند وصول أي حالة جديدة، من دون مراعاة للتخصص، بينما وصفوا إجراءات تفكيك المعتصمين بتطهير المستشفى.

وخلال زيارة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» للمستشفى، أمس، وصف أطباء عاملون في السلمانية، وهو المستشفى الحكومي الوحيد في البحرين، أن ما حدث يدون في تاريخ القطاع الطبي العالمي بأن مستشفى السلمانية أول مستشفى في العالم يتم احتلاله لعدة أيام قبل أن يتم «تطهيره» من الأجهزة الأمنية.

ويؤكد الدكتور وليد المانع، المدير التنفيذي لمستشفى السلمانية العام، أن الوضع داخل المستشفى عاد إلى وضعه الطبيعي «فالمستشفى يعمل بكامل طاقته، على الرغم من الغياب غير المؤثر في الأيام الأخيرة لبعض العاملين»، مبينا أن العمل لم يتوقف حتى خلال الأيام التي شهدت مظاهرات واعتصامات، وانضمام بعض منسوبي الكادر للمعتصمين والمتظاهرين في الساحات أمام بوابة الطوارئ. وقال: «كانت الأمور تسير بشكل طبيعي إلى حد ما في محاولة لمسايرة وتهدئة الأوضاع التي تمر بها البلاد، إلى أن تأججت الأحداث وتم تفكيك المعتصمين».

لكن عبد الجليل خليل، رئيس الكتلة النيابية في جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، كبرى الجمعيات الشيعية في البلاد، اعتبر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث في المستشفى «لا يمكن تأويله وكأنه انقلاب أو من هذا القبيل، لأن كل ما في الأمر، أنه بعد محاولة الجيش تفريق الاعتصام من دوار اللؤلؤة فجرا نتج عنه 4 وفيات ونحو 220 إصابة، وكان الطريق سالكا إلى مستشفى السلمانية لإسعاف المصابين الذين أطلق عليهم الرصاص المطاطي والطلقات الانشطارية باستخدام أسلحة (الساكتون)».

واضاف خليل أنه «كان من الطبيعي أن يذهب أولياء أمور المصابين وأقارب المتوفين إلى المستشفى إضافة إلى أصحابهم، واكتظ المستشفى بنحو 400 إلى 500 شخص، وكانوا في البداية يرددون هتافات ورفع شعارات، فخرجت لهم وقلت لهم هذا مستشفى وليس مكانا للشعارات، وتجاوب الجميع ولكنهم مع ذلك كانوا يكبرون مع دخول كل مصاب إلى المستشفى».

ومضى عبد الجليل خليل في تبرير ما حدث بالقول إن المتظاهرين كانوا يخشون من دخول قوات الأمن والقبض على المصابين، «وهو سبب اعتصامهم في المستشفى لمتابعة حالة المصابين وحمايتهم».

ولكن لماذا تم الاعتصام ونصب الخيام داخل المستشفى؟ يجيب المعارض البحريني بالقول إنه بعد طول فترة بقاء المحتجين داخل المستشفى «نصبوا لهم خياما يلتقون فيها، في حين أنه لم يكن هناك تأثير على سير العمل في المستشفى الذي ظل مفتوحا لاستقبال الحالات المرضية والمراجعين والزوار»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن وجود هذه المجموعة جعلهم يرددون هتافات للمطالبة بحقوق مشروعة، على حد قوله.

وحول سيطرة أطباء شيعة على سير الأمور في المستشفى خلال هذه الأثناء، قال خليل «كنت موجودا عند نقل المصابين من الدوار وشاهدت الأطباء يؤدون عملهم بكل مهنية وإنسانية لعلاج المرضى، ولكن هناك تهويلا لبعض الأمور إضافة إلى ترديد اسم الدكتور علي العكري وبعض الأطباء في هذه القضية»، مضيفا أن «عملية اقتحام الدوار الأخيرة نتج عنها أيضا وفيات وإصابات، وذهب الكثير من المتظاهرين لمستشفى السلمانية لحماية المصابين ولكن تدخل الجيش وطوق المستشفى وأخرج الجميع».

ويعتبر مجمع السلمانية الطبي أكبر مجمع طبي في البحرين ويتسع لنحو 1200 سرير، ويضم نحو 5000 موظف، ويستقبل في اليوم الواحد أكثر من 12 ألف شخص بين مريض ومراجع وزائر.

ويقول المدير الإداري للمستشفى: إن أحداث دوار مجلس التعاون الخليجي انعكست تأثيراتها على المستشفى؛ حيث شارك بعض منسوبي المستشفى المتظاهرين داخل المجمع «وبعد ذلك أصبحت الاعتصامات منتظمة ونصبت خيمة ومظلات وعرضت بعض الصور والهتافات منذ الاعتصام في الدوار إلى الأيام الأخيرة». ولم يخفِ الدكتور المانع حالة الارتباك التي كان عليها الجميع في المستشفى في هذه الأثناء، وانخفاض الحالات المستقبلة في قسم الطوارئ إلى نحو 50% لانعكاس حالة الاعتصامات والتخوف على المرضى.

من جهتها، تقول الدكتورة هالة عبد الوهاب، من العاملين بالمستشفى وشهود العيان لما يسمى بفترة «الاحتلال»: إن مظاهر الأحداث التي شهدها المستشفى منذ اليوم الأول لسقوط أحد المتظاهرين تحول الوضع داخل المستشفى إلى حقيقي «وذلك من خلال المسارعة في نصب الخيام في الساحات الداخلية ومنطقة المواقف، وعرض صور مسيئة، وسادت المكان أجواء مشحونة وحالة غضب عارمة من المتظاهرين، سواء الذين أتوا من خارج المستشفى أو الذين انضموا لتأييدهم من الكادر الطبي والعاملين في المستشفى».

وتضيف الدكتورة هالة أن الموازين اختلفت في ردهات المستشفى «واختلف التعامل من قبل الأطباء العاملين الذين يؤيدون ويؤججون الأوضاع، بل انقطعت لغة التفاهم والتخاطب معنا عن السابق، وأصبح المبدأ إما أن تكون معي وإما أن تكون ضدي»، مشيرة إلى ذهول منسوبي المستشفى جرَّاء لجوء المتظاهرين إلى تعليق الشعارات داخل حرم المستشفى، التي تحمل شعارات مضادة للوزير السابق فيصل الحمر، وعرض صور مروعة للجرحى، إضافة إلى استخدام جهاز استقبال لقناة «العالم» وبث ما تنقله القناة لمرتادي المستشفى. وتشير إلى أن المستشفى مركز رئيسي أصبح بمثابة غرفة عمليات لإدارة الأمور، وعقد المؤتمرات والخطابات لكثير من رموز المعارضة وفي مقدمتهم المعارض المتشدد حسن المشيمع، الذي أسس التحالف من أجل إسقاط الملكية وتأسيس جمهورية.

أما الدكتورة نورة اللوتي فترى أن اختيارهم لمستشفى السلمانية كمركز اتصال للمتظاهرين، حسب وصفها لموقعه المتميز والقريب من الدوار الذي كان مقرا للمعتصمين، ومحاولة التأثير على الرأي العام والبسطاء من جانب آخر باللعب على وتر تعرض البعض لإصابات جرَّاء المظاهرات وتضخيمها لاستعطاف الآخرين.

وبينت الدكتورة هالة أن الدكتور علي العكري، أحد النشطاء في المعارضة والعامل بالمستشفى، لم يكتفِ بتولي توجيه الأطباء لمعالجة المصابين ومتابعة حالة المرضى «بل عاد ليهددنا كأطباء ويطلب منا الاعتصام.. وطالب الجميع بالخروج للاعتصام»، وقالت إن جمعية الأطباء «التي ننتمي لها أخذت منحى سياسيا وأصدرت 5 بيانات من دون الرجوع لنا». ويصف أحد إخصائيي الطوارئ في مجمع السلمانية (طلب التحفظ على اسمه) بعض المشاهد والاضطرابات التي عاشها المستشفى خلال الأحداث، ولفت إلى التنظيم المحكم للعمليات التي يديرونها «والأجندة التي ينفذونها من خلال لجان تحمل على صدروها بطاقات، وأطلقوا على أنفسهم الثوار ويرتدون زيا موحدا وبطاقة مكتوبا عليها ثورة (14 فبراير) - اللجنة المنظمة - الحرم الطبي، مما يعني أن العملية ليست مجرد صدفة بقدر ما أنها مخطط لها، وهو ما أثار الريبة والخوف في نفوس العاملين والمرضى وزوار المستشفى».

وأشار إلى أن القيادة فقدت داخل المستشفى بعد أن سارع الأطباء في قيادة الأمور المتعلقة بعلاج المصابين، والتنسيق مع مصوري وسائل الإعلام، والتدخل في عمل الأطباء الآخرين، وتنفيذ ما يريدونه بعيدا عن مهنية الطب وأخلاقياته. وقال: «الغريب أن كلا منهم يريد أن يكون بطلا في هذا الموقف، بل تجرد البعض منهم من أخلاقيات مهنة الطب، سواء بالامتناع عن معالجة البعض أو التشخيص غير الصحيح لبعض المصابين في المظاهرات، أو الإساءة لبعض المرضى والمصابين من الجنسيات الآسيوية، مما دفع بمسؤولي المستشفى إلى تحويل كثير من الحالات إلى مستشفيات أخرى حفاظا على سلامتهم».

وأضاف: «بحكم خبرتي في مجال الطب إلا أنني لأول مرة في حياتي أشاهد وأسمع أن أطباء يحولون مستشفى إلى مكان للمظاهرات والاعتصامات والتهويل والترويع وتهييج الشارع، وتجمع الآلاف على بوابة المستشفى، من دون مراعاة للحالات الإنسانية والمرضى الذين يحتاجون للعلاج»، مؤكدا أن المستشفى تحول إلى غرفة عمليات حقيقية للمتظاهرين، وهناك تنسيق واتصال وتواصل محكم مع المعتصمين في الدوار، وتصلهم البلاغات قبل أن تصل البلاغات الرسمية عن قدوم مصابين «إضافة إلى الخدمات اللوجيستية التي يحصل عليها المتظاهرون والمعتصمون في المستشفى من مشرب ومأكل وخدمات خلال وجودهم. في حين تحول طبيب العظام الدكتور العكري إلى الشخصية الأولى في المستشفى، ينفذ ما يريده ويوجه من دون مراعاة للتخصص أو الإجراءات المتبعة في المستشفى».

من جهتها، قالت الدكتورة سباء العثمان، طبيبة عائلة في أحد المراكز الطبية إن العاملين في تلك المراكز من المحسوبين على مثيري الأحداث، كانوا على صلة بالمتظاهرين والمعتصمين،«وكانت تصلهم البلاغات، قبل أن تصل مسؤولي المراكز، وكانوا يخرجون جماعات قبل وصول الحالات، وندرك لحظتها عن بوادر وصول حالات إسعافية».