مصادر: تباين كبير بين حماس الداخل والخارج حول مبادرة أبو مازن

الضفة توافق وتدعم.. والخارج يرفض.. وغزة مع وضد

TT

عندما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الأربعاء الماضي استعداده للذهاب إلى قطاع غزة، لتشكيل حكومة مستقلين محايدة، تحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية، بدا أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح لإنهاء الانقسام، خاصة أن الإعلان جاء بعد دعوة رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية.

رحبت حماس (الداخل) فورا بالزيارة، فاجتمع رئيس الوزراء المقال في غزة إسماعيل هنية بمستشاريه للتحضير لها، بينما تمنى عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي في الضفة مرافقة الرئيس داعيا أعضاء التشريعي وحماس للخروج إلى استقباله في القطاع.

لكن بعد 48 ساعة، تغير كل شي، فقد هاجمت حماس (الخارج) أبو مازن بعنف غير مسبوق، وتصدى له أعضاء المكتب السياسي في دمشق، مشككين في نواياه ورافضين لمبادرته.

وربما لأول مرة تظهر حماس بلغتين مختلفتين بهذا الوضوح، بعدما حرصت دوما على أن تظهر كموحدة وتخضع لنظام شورى لا غلبة فيه للخارج على الداخل أو غزة على الضفة وهكذا.

وأكدت مصادر مقربة من حماس في الضفة الغربية، لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة تباينا كبيرا في الآراء داخل حماس حول مبادرة أبو مازن. وبحسب المصادر فإن حماس في الضفة وافقت فورا وما زالت تدعم باتجاه الاستجابة لمبادرة أبو مازن، بينما تعارض حماس في الخارج ذلك بشدة، في حين تنقسم غزة بين المؤيد والمعارض. وأكدت المصادر أن حماس في الضفة التي تنتظر اللحظة التي ينتهي فيها الانقسام بفارغ الصبر، «نظرا لما يعانيه كوادرها هناك»، فوجئت بموقف حماس في الخارج. وأضافت «حماس في الضفة تتمنى اللحظة التي يذهب فيها أبو مازن لغزة لينتهي كل شيء».

والخلاف بين الداخل والخارج يوازيه خلاف أيضا بين حماس الضفة وغزة، وهو خلاف قديم، قدم الانقسام، ويتركز حول كيفية تعاطي حماس في غزة مع ملفات مختلفة، تنعكس سلبا على الحركة في الضفة.

وقالت المصادر «حماس في غزة أكثر تشددا، لكن فيما يخص زيارة أبو مازن كانوا مستعدين قبل أن يظهر موقف الخارج».

وكانت حماس الخارج قد شنت هجوما عنيفا على أبو مازن، بدأه عضو الكتب السياسي محمد نزال، الذي قال إنه «وبطانته» لم يفهموا أو يستوعبوا الدرس بعد، شأنهم شأن كثير من «الطغاة والمستبدين»، معتبرا أن «الحديث عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، والدعوة إلى الانتخابات، لن ينهي هذا الانقسام، بل سيزيده اتساعا» داعيا إلى «حوار فلسطيني شامل وجاد على أرضية سياسية واضحة تكون المقاومة ضد الاحتلال ركيزتها، وتنهي التنسيق الأمني الذي يحاصرها ويقمعها، على أن يتم تحديد سقفه الزمني».

أما الموقف الثاني، فجاء من مسؤول العلاقات الخارجية في حماس، أسامة حمدان، الذي قال إنه «إذا كان (أبو مازن) يريد المصالحة، فعليه إيقاف التنسيق الأمني، والاعتقالات السياسية والإقرار بنتائج انتخابات عام 2006»، متهمه بالانطلاق من منطلق «شخصي وفئوي» و«يناور ويستعين بالإسرائيليين من خلال التصعيد العسكري ضد القطاع». بل ذهب حمدان للقول إن أبو مازن «ليس موضع ثقة، ليستقبل في غزة كما يريد ويقرر كونه طعن المؤسسات الفلسطينية وعمل على إغلاق المجلس التشريعي ولا يزال يلاحق المقاومين ويفكك المؤسسات التي دعمت الشعب».

ويدعم هذين الموقفين موقف ثالث من عضو المكتب السياسي، عزت الرشق، الذي قال إن أبو مازن «يريد من خطوة الذهاب إلى غزة أن تكون خطوة احتفالية وكأنه (الفاتح)»، داعيا إياه إلى أن لا يذهب إذا لم ترد فتح حوارا مع حماس والفصائل.

ويظهر حسب هذه التصريحات أن حماس في الخارج حسمت موقفها تماما بالرفض، وعلى الأقل يدعم هذا الموقف بوضوح كتائب القسام الجناح العسكري، التي يعتقد على نطاق واسع أن ولاءها لحماس في الخارج أكثر منه للداخل.

وكانت هذه الكتائب قد شنت هجمات صاروخية على إسرائيل بعد يومين من مبادرة أبو مازن، رغم التزامها في أوقات سابقة بالتهدئة، بل أجبرت فصائل عليها.

وفسر ذلك في إسرائيل ورام الله على حد سواء أنه تصعيد يهدف للهروب من المصالحة.

وزادت الكتائب على لسان أبو عبيدة، الناطق باسمها، أن مبادرة أبو مازن ستبقى فقط مجرد فقاعات وحبر على ورق إذا لم تكن مصدقة ومشفوعة بأداء وطني على الأرض من خلال «وقف الاعتقال السياسي والملاحقة الأمنية للمقاومين ووقف التنسيق مع الاحتلال».

كل هذه المواقف، بينما قادة حماس في غزة كانوا يلتزمون الصمت، السياسية في غزة تقول حتى أول من أمس إنها ترحب بزيارة أبو مازن، لكن هذا الترحيب كان واضحا أنه يخفت يوما بعد يوم.

وكانت حماس في غزة قد قالت بعد دقائق من كلمة أبو مازن إنها ترحب، بل أصدرت للحكومة أوامر بالتجهيز لزيارته، ثم عادت وقالت إنها لا تريدها إعلامية بل ناجحة، ثم طالبت بتهيئة الأجواء قبل الزيارة، ثم قالت إنها ترفض اشتراطات فتح المسبقة، وأخيرا قالت إنها مستعدة لاستقباله فقط بناء على مبادرة هنية التي تدعو أبو مازن للحوار.

وقال هنية نفسه أمس «إن النداء الذي وجهه أبو مازن ما زال قائما». وأضاف «لكن أؤكد أن الإطار والقاعدة التي انطلقت منها الدعوة هي قاعدة الحوار الشامل الذي يتناول كل الملفات وينطلق من حيث انتهينا ونبحث في القضايا التي ما زالت عالقة ونضع حدا زمنيا لهذا الحوار».

وعلى ما تقدم فإن زيارة أبو مازن لغزة أصبحت محل شك كبير، إذ لا ينوي الرجل الذهاب إلى هناك من أجل بدء حوار جديد أو استكمال حوار قديم، بل لتشكيل حكومة تنهي الانقسام وتحضر لانتخابات رئاسية تشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير.