رئيس الفلبين وشهر العسل السياسي الطويل

الآمال لا تزال تحيط بأكينو بعد 8 أشهر في الحكم رغم أنه يواجه معارضة من الكنيسة

TT

تعرض للتوبيخ بسبب لينه في التعامل مع أخلاقيات العمل ولسيارته «بورشه» الجديدة الفاخرة، ومع ذلك، فإنه على الرغم من مرور أكثر من 8 شهور على توليه الرئاسة، لا يزال بنينيو إس. أكينو الثالث يحمل معه بارقة أمل ورث جزءا كبيرا منها من اسم عائلته.

في بلاد يعتبر النسب واحدا من الأصول السياسية الرئيسية، تبدو مؤهلات أكينو أعلى من أي منافسة. وعندما وضع توقيعه مؤخرا على فاتورة جديدة بقيمة 500 بيسو، جاء التوقيع على خلفية صورة لوالديه، الرئيسة السابقة كورازون سي. أكينو وزوجها بنينيو إس. أكينو، الذي تحول إلى رمز وطني عندما اغتيل عام 1985.

وقال في يناير (كانون الثاني) في يوم ميلاد والدته، التي توفيت في أغسطس (آب) 2009: «أحب أن أنظر إلى ذلك الأمر باعتباره الفصل الأخير في هذه المسرحية تحديدا». وباعتبارها وريثة وحاملة لواء زوجها زعيم المعارضة، نجحت كورازون في الإطاحة بالرئيس السابق فيرديناند ماركوس عام 1986 بعد ثورة شعبية، لتنطلق بشائر حقبة جديدة من الآمال التي لم تتحقق بعد ولا تزال قائمة حتى اليوم. وأشار أكينو إلى أن والدته لم تحمل معها، لدى توليها الرئاسة، خطة واضحة المعالم، وإنما كان كل ما لديها مجموعة من المعتقدات والقيم. وأضاف: «وسأتبع هذا النهج إلى حد كبير».

وقد حدد أكينو عددا من الأولويات: تضييق الخناق على الفساد، وتوفير إعانة مالية نقدية لدفع عجلة الاقتصاد، واتباع توجه أكثر ليبرالية حيال تنظيم الأسرة واحترام حقوق الإنسان.

إلا أنه يواجه معارضة تتزعمها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية صاحبة النفوذ القوي لمشروع قانون من شأنه تحسين مستوى القدرة على الاطلاع على المعلومات المرتبطة بمنع الحمل، وتقوضت صورته على صعيد الالتزام بحقوق الإنسان عندما قرر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عدم إرسال ممثل إلى أوسلو لحضور حفل تسليم جائزة نوبل للسلام إلى المنشق الصيني ليو تشياوبو.

وأعرب رينيه ساغويزاغ، السيناتور السابق الذي كان مستشارا مقربا من الرئيسة كورازون أكينو خلال الشهور الأولى العصيبة لها في الرئاسة، عن اعتقاده أن «الشهور الستة الأولى أشبه بفترة مخصصة للهواة. وهذا أمر لا بأس به، لكنه الآن أصبح من العناصر السياسية الأساسية التي تخوض اللعبة السياسية الكبرى». إلا أنه بالنظر إلى مستوى الفساد في الفلبين والمصالح القوية وما وصفه بـ«فرقة إطلاق» للكراهية العامة، قال ساغويزاغ: إن المساحة السياسية المتاحة أمام إقرار تغيير حقيقي محدودة، مستطردا بأن «هذه بلاد يتعذر حكمها».

ومع ذلك، فإنه بنهاية العام الماضي، كانت إدارة أكينو قد حصدت مستوى قبول شعبي بلغ 64%، وهي أعلى نسبة يحصل عليها أي رئيس منذ بدء العمل باستطلاعات الرأي في عهد رئاسة والدته، وذلك طبقا لمسح نشرته الشهر الماضي «سوشيال ويثر ستيشنز»، أكثر وكالات استطلاع الرأي العام التي تحظى بتقدير على مستوى البلاد. وقد أجري الاستطلاع في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) عبر عقد مقابلات وجها لوجه مع 1200 من البالغين وحمل هامش خطأ يبلغ 3%.

والواضح أن الرئيس، الذي يُعرف باسم تدليل نوينوي أو بي نوي، يستفيد، ليس من شعبية والدته فحسب، وإنما أيضا من افتقار سلفه، الرئيسة غلوريا ماكاباغال أرويو، إلى الشعبية، التي تواجه تحقيقات محتملة بشأن اتهامات بالفساد ومزاعم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع.

أما التعبير عن الأمل فانطلق من اليسار؛ حيث صرح نائب رئيس مجلس النواب لورنزو آ. تانادا بأن «الشعب أصبح بإمكانه التقاط أنفاسه مع تولي بي نوي القيادة، ونأمل أن نتمكن من العمل معا لوقف جميع حوادث الاختفاء المتعمدة والقتل خارج نطاق السلطة القضائية».

وصدرت أصوات مشابهة من اليمين أيضا، فمثلا، قال السيناتور أنتونيو إف. تريلينز، لفتنانت البحرية السابق الذي قاد تمردا عام 2003 إنه لم تعد هناك حاجة اليوم لانقلاب عسكري لتصحيح مسار البلاد؛ لأن الأمة «تتحرك في الاتجاه الصحيح». وقال إن آماله، مثلما الحال مع الكثيرين غيره، تعتمد بدرجة كبيرة على الخلفية الأسرية للرئيس. وأضاف تريلينز: «أعتقد أنه باعتباره عضوا من عائلة أكينو فإنه في موقع يؤهله للمضي لإكمال الطريق نحو إنجاز الوعد الذي قطعته والدته. لقد كان جزءا من هذا الوعد». يُذكر أن تريلينز انتخب عضوا بمجلس الشيوخ في مايو (أيار) الماضي أثناء قضائه عقوبة السجن لمشاركته في انقلاب.

في الوقت ذاته، سلطت فرقة الهجوم الإعلامي الضوء على قضية «أخلاقيات العمل» التي دارت حول فكرة شائعة ترى أن أكينو لا يقضي ساعات طويلة في العمل ويعقد اجتماعات قليلة مع مجلس وزرائه. من جانبه، كتب أماندو دورونيلا، صحافي بارز في صحيفة «فلبين ديلي إنكوايرر»، في وقت سابق من هذا الشهر: «بدأت بعض التساؤلات تُثار حول ما إذا كان جادا في توفير نموذج قيادي ملهم ليحول منصب الرئيس لمحرك نحو الإصلاح السياسي، أو حتى حول ما إذا كان يبذل جهودا جادة بما يكفي لتحقيق هذه النتيجة».

ودار كثير من الجدل حول شرائه ما قال إنه سيارة «بورشه» مستعملة، وأضاف الرئيس أنه يأمل أن يتفهم الناس أن السيارة الجديدة ساعدته في «الابتسام في وجه المشكلات الكثيرة التي يتعين عليَّ التعامل معها». وفي تناول أقل إيجابية لخلفية الرئيس العائلية، قال دورونيلا: «القضية أن إجراءات الشراء تلك كشفت عن أن أكينو لا يعدو كونه ابنا مدللا لعائلة ثرية تعيش حياة بلا معنى حقيقي».

وبصورة عامة، يتم النظر إلى أكينو باعتباره شخصا نقيا وأمينا يسير على نهج والدته، ويثق الكثير من الفلبينيين في وعوده بمحاربة الفساد الذي استعصى على الكثير من الجهود الإصلاحية السابقة. من ناحيته، قال والدين بيلو، عضو البرلمان والمعلق السياسي البارز: «هناك شعور عام بأنه غير فاسد».

وفيما يخص قضية حقوق الإنسان، أظهر أكينو جانبا براغماتيا عندما أصبحت الفلبين واحدة من 18 دولة فقط وافقت على طلب الصين مقاطعة احتفال تسليم جوائز نوبل. ويرى محللون أنه بإصداره هذا القرار، ركز أكينو على قضيتين بالغتي الأهمية بالنسبة للفلبين: عاملوها في الخارج، البالغ عددهم 8 ملايين نسمة والذين يبعثون للبلاد 17 مليار دولار أو أكثر سنويا، والعلاقات الاقتصادية مع الصين، وهي ثالث أكبر شريك تجاري للفلبين، وبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين قرابة 30 مليار دولار، العام الماضي، علاوة على مليارات الدولارات سنويا في صورة قروض ميسرة.

وخلال وقت انعقاد الاحتفال، كان 3 فلبينيين يواجهون عقوبة الإعدام في الصين، بناء على اتهامات بتهريب المخدرات. ويعتقد محللون أن الرئيس سعى إلى الفوز بمعاملة لينة لهؤلاء المتهمين. وعلى الرغم من أن جهوده بدا أنها نجحت بصدور قرار بإرجاء تنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم الشهر الماضي، أعلن السفير الصيني لدى الفلبين ليو جيانتشاو، الخميس الماضي، أن أحكام الإعدام ستنفذ «عاجلا أم آجلا».

وبالإضافة إلى ذلك، اشتعل غضب الصين في أغسطس (آب) الماضي، عندما قتل 8 سائحين في حادث إطلاق نار على حافلة في مانيلا. وأوضح بيلو، عضو البرلمان، أنه جرى النظر داخل بعض الدوائر إلى قرار عدم إرسال ممثل لحفل توزيع جوائز نوبل في بعض الدوائر باعتباره «تراجعا عن موقف التمسك القوي بدعم حقوق الإنسان، وأيضا باعتباره يضع الدبلوماسية الفلبينية في مكانة خادمة للصين».

من جهته، قال راندي ديفيد، بروفسور علم الاجتماع بجامعة الفلبين: إن القرار انطلق من حسابات سياسية، وليس من مبادئ. وأضاف: «أعتقد أن نوينوي براغماتي للغاية. إنه يعرف، إلى حد ما، أن يكسب شعبية بين الأفراد وما لا يلقى رواجا شعبيا. إنه لا يفكر في القرارات من هذا النوع بجدية كبيرة، وإنما يمضي قدما بناء على شعوره الداخلي».

* خدمة «نيويورك تايمز»