الثورة اللبنانية «ضد النظام الطائفي ورموزه» متواصلة «حتى تحقيق التغيير»

لا يهابون مصادرة سياسية ومذهبية لثورتهم.. ويطالبون بدولة علمانية وتكافؤ الفرص

TT

لم ينكفئ المطالبون بإسقاط النظام الطائفي ورموزه في لبنان، بعد تظاهرة يوم الأحد الحاشدة.. فشباب لبنان يواجهون «النظام الطائفي» بصدور عارية. لا شخصيات سياسية تحميهم، ولا سلطة تؤازرهم. تقف الطائفية المستشرية في إدارات النظام قبالتهم. وفي الخلف، زعماء أوصلتهم هويتهم الطائفية إلى موقع السلطة. على الرغم من ذلك، ينطلقون في احتجاجهم على لحن «نحن الثورة والغضب» الذي يبث من خيمتهم قبالة وزارة الداخلية في منطقة الصنائع في بيروت، بصوت المغنية جوليا بطرس.

ولا يهاب الشباب تأييد الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لمطالبهم، وسط مخاوف من إضفاء صبغة سياسية أو مذهبية على التحرك: «مطلبنا واضح، والتحرك شبابي لبناني محايد بامتياز، ولا يمكن لأحد أن يصادره».. يقول المشارك في الاعتصام هادي رمضان لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أن التحرك لا يستهدف أشخاصا محددين، بل النظام ككل «ونحن مستمرون بتحركنا حتى تحقيق مطالبنا».

وإذ يرفض المعتصمون مشاركة حزبيين ينتمون إلى جهات سياسية حاكمة باسم أحزابهم، توضح ياسمين نور الدين (طالبة جامعية) أن «الحزبيين الذي يرفعون العلم اللبناني فقط، ويخلعون رداءهم الحزبي، مرحب بهم في التظاهرات»، مشيرة إلى أن هناك «شبه إجماع على رفض مشاركة ممثلين عن أحزاب حاكمة؛ لأن الهدف واضح، وهو إسقاط النظام الطائفي ورموزه».

ويشير المعتصمون إلى أن مطالبهم السياسية والاجتماعية جعلتهم في موقع متقدم عن ثوار «25 يناير» في مصر الذين «أسقطوا النظام من غير إعلان برنامج حكم واضح خلال الاحتجاجات». أما في لبنان، فحدد «الثوار الجدد» مشروعا سياسيا يبدأ من إسقاط النظام، ويصل إلى دولة علمانية «تحكمها الكفاءات، ويتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات»، على حد تعبير ياسمين نور الدين.

وانطلقت الثورة الاحتجاجية في لبنان قبل 4 أسابيع تطالب بإسقاط النظام الطائفي؛ حيث خرج المحتجون في 3 تظاهرات مركزية رفعوا فيها شعار «الشعب يريد..» الذي يعني «حصر التحرك بأبناء هذا الشعب، وليس بالسياسيين الذين أوصلتهم انتماءاتهم المذهبية إلى رأس السلطة»، على حد تعبير رمضان (طالب جامعي)، الذي يشارك في الاعتصام المفتوح أمام وزارة الداخلية في بيروت «حتى إسقاط النظام». مبادرة، برأي رمضان، أطلقت بمواجهة «الحالة السياسية التي وصل إليها اللبنانيون من انقسام بين فرق سياسية لا تجمعها المصلحة الوطنية»، فكان ذلك السبب، بالإضافة إلى الفساد والتحريض الطائفي والمذهبي «حافزا على جمع الشباب على فكرة المواطنة والانتماء للوطن فقط».

عند مدخل الاعتصام المفتوح، تستقبل الزائرين لائحة بمطالب الشباب، تشرح أن إسقاط النظام الطائفي «يعني إسقاط مجلس النواب الطائفي، والدين العام والسرقات، ومحاسبة المسؤولين عنهم، وإقرار حق انتخاب من هم في عمر 18 عاما، وإقرار قانون انتخابي يمثل الشعب، ووقف التحريض الطائفي والمذهبي، وتربية الأجيال على المواطنة والإنسانية». ولا يخلو الاعتصام من دعوة اللبناني إلى النهوض والدفاع عن لقمة عيشه ومستقبله. مطالب حددت شكل الاحتجاج ومستقبله، ويزداد وضوحا ببرنامجه السياسي.

غير أن التحرك الشبابي الصرف، المدعوم من الأحزاب العلمانية، يُنظر إليه على أنه «وهم، وحلم بعيد المنال». أصحاب هذا الرأي يستندون إلى تجربة قوى «8 آذار» التي اعتصمت 15 شهرا ولم تفلح بالتغيير. لكن الشباب المعتصمين في بيروت، وفي مناطق لبنانية أخرى، يرفضون مقارنة تجربتهم بتجربة أي طرف آخر. يقول بشار زعيتر: «خطابنا الوطني الذي نتوجه فيه لأنفسنا أولا ولسائر اللبنانيين، يميزنا عن الآخرين»، موضحا: «إننا لسنا طرفا سياسيا في الصراع الدائر بين الموالاة والمعارضة، فنحن نطالب بتغيير عام ينهي حالات الانقسام في البلد، ويمنح اللبنانيين كلهم حقوقهم على أساس ديمقراطي عادل».

وفي وقت تتبنى فيه أطراف سياسية مهمة التغيير، يحاول المحتجون إيضاح «المساوئ الكبيرة للنظام ورموزه»، حتى لو نادى بعضهم به. فالمساوئ تتمثل «بالقانون الانتخابي، وحرمان الشباب من الاقتراع، والتوظيف على أساس المحاصصة بين الطوائف وزعمائها، وقانون الأحوال الشخصية الذي أدى إلى الذبح على الهوية إبان الحرب اللبنانية».

وتطرح جملة أسئلة في هذا السياق عن مدى تقبل الشعب اللبناني فكرة تغيير عام في نظام تجذر في المواقع والنفوس. وتأتي الإجابة من زعيتر الذي أكد مراهنة المعتصمين على الشعب اللبناني نفسه وتفكيره المنطقي. يقول: «جميع فئات الشعب ستستفيد من التغيير الذي سيؤدي إلى تكريس الوحدة الوطنية أساسا لتحقيق العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن»، مشيرا إلى أن الاعتصام «لا يطالب بمنافع شخصية، ولا بمواقع للمعتصمين، بل بإنهاء حالات الصراعات المذهبية التي أدت وتؤدي إلى حروب وصدامات بين أبناء الشعب الواحد».

كرة الثلج المناهضة للنظام الطائفي ورموزه، تكبر يوما بعد يوم. فخيام الاعتصامات المفتوحة في الجنوب والشمال وبيروت، تستقطب يوميا الكثير من الزائرين «الذين يزداد عددهم يوميا»، ومن الواضح أن الاعتصامات المفتوحة باقية حتى تحقيق المطالب أو «تفريق المعتصمين بالقوة والاعتداء عليهم»، كما يؤكد أحدهم مازحا، في إشارة إلى استفزازات تعرضوا لها من حزبيين آخرين. ويواصل المحتجون ثورتهم في وجه «الاحتكار والمحاصصة والفساد»، بحسب نور الدين التي أكدت أن «هدفنا بث الوعي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في نفوس اللبنانيين، على أساس علماني لا طائفي»، لافتة إلى أن تعزيز دور الجامعة اللبنانية وحياديتها كجامعة وطنية «مطلب أساسي وملح، وأولوية بالنسبة إلينا».

شباب لبنان أيضا دخلوا عصر التغيير العربي بثورة سلمية ضد النظام الطائفي.. وسط تساؤلات عن مصير طوائف إذا حصل التغيير، ومصير ورثة سياسيين لمواقع من المستبعد أن تكون من نصيبهم بعد ثورة الشباب وكفاءاتهم.