نجل وزير خارجية ليبيا الأسبق: كان على القذافي أن يبحث عن شرعية جديدة بديلة لثورة سبتمبر.. ومن سيقود البلاد في الفترة المقبلة شخص غير معروف

محمد صالح بويصير المتهم بالتحريض على الثورة الشعبية لـ«الشرق الأوسط»: سيف الإسلام يقلد موسوليني ويهدد الشعب بالجوع

محمد صالح بويصير («الشرق الأوسط»)
TT

قال محمد صالح بويصير، أحد المتهمين الليبيين بالتحريض على الثورة الشعبية التي تشهدها ليبيا حاليا، والابن الأكبر لوزير الخارجية الليبي في عقد السبعينات من القرن الماضي، صالح بويصير، إن القذافي كان يمكنه أن يسكت المحتجين بالاستجابة لبعض مطالبهم على الأقل، ولكنه أساء تقدير الموقف كالعادة، وأرسل مجموعات مسلحة بقبعات صفراء قامت بإطلاق النار عليهم بطريقة عشوائية مما أدى إلى سقوط شهداء.

وأضاف أن القذافي يظن نفسه «سوبرمان» وقد أصبح حوله مجموعة من القطط الشرسة التي تدين له بالولاء الشديد وهو ما يساعده في تنفيذ رغباته العدوانية. وتوقع بويصير أن من سيقود ليبيا في الفترة المقبلة هو «شخص غير معروف لنا يسير الآن في شوارع بني غازي أو طبرق حاملا السلاح مدافعا عن حرية بلاده».

ويعمل محمد صالح بويصير، 58 عاما، مهندس بترول، وأكمل دراسته بالولايات المتحدة وهو إضافة إلى كل ذلك كاتب سياسي معروف في ليبيا.

وأضاف بويصير أنه التقى سيف الإسلام حينما كان يدعو إلى مزيد من الحريات ويرفع شعار «ليبيا المستقبل»، قائلا إنه كان يرفع شعارات براقة «لكنها غير حقيقية فرفضت الانضمام إليه، حين عرض أن أكون من مستشاريه»، مشيرا إلى أن سيف الإسلام يحاول تقليد الزعيم الإيطالي التاريخي بينيتو موسوليني، وهو يهدد الشعب بالجوع والحرب الأهلية وهو ما يعكس أنه شخصية متسلطة وعنيفة. وفيما يلي نص الحوار الذي جرى في طبرق.

* كيف تصف ليبيا ما قبل الثورة؟

- الحقيقة أن ليبيا لم تكن دولة بالمعنى المتعارف عليه. وكان على العقيد معمر القذافي أن يبحث عن شرعية جديدة بديلة عن شرعية ثورة الفاتح من سبتمبر، فالقذافي يسيطر على البلاد والشعب بالخوف والقمع، بعد أن تآكل الأساس المؤسسي للدولة، وانخفض مستوى التعليم، وتقلصت تماما فرص التوظيف، وهو ما أفرز مشاكل اجتماعية وفراغا كبيرا لدى الشباب.

* لماذا تفجرت الثورة في رأيك؟ ومن يقف وراءها؟

- أولا، لا يمكن لأحد أن يدعي أنه وراء اندلاع الثورة في ليبيا. ومع إشارة النظام الليبي لاسمي كأحد محركي هذه الثورة فإنني أقول إنه شرف لا أدعيه، ولكن يمكنني التأكيد على أن فقدان الأمل والإحساس بالتهميش والإفقار، كانت من أسباب تفجير الثورة، بالإضافة إلى فشل النظام الليبي في توفير العمل والسكن والعلاج لملايين الشباب بالإضافة إلى طريقة حكم القذافي التي اتخذت أسلوب السيطرة بالقمع والتخويف. ولك أن تتخيل أن دولة في القرن الواحد والعشرين تعيش بلا دستور وبلا انتخابات وبلا برلمان وكأننا في القرون الوسطى، فالقذافي وأولاده السبعة يحكمون البلاد، وتلتقي تحت أيديهم خطوط السلطة والثروة، هم يملكون كل شيء ويسيطرون على كل شيء، والباقي خدم.

* لماذا ارتبطت الثورة بتاريخ 17 فبراير (شباط) تحديدا؟

- الحقيقة أن للتاريخ رمزية كبيرة في ليبيا، فـ17 فبراير هو ذكرى إطلاق النار على المتظاهرين في احتجاجاتهم على تصريحات وزير الخارجية الإيطالي ضد الإسلام (قبل نحو عامين)، وهي المظاهرات التي انتهت بهتافات ضد الدولة، وأسفرت عن سقوط ثلاثة قتلى، وهو ما شكل انتهاكا غير مبرر لليبيين لأن الموقف لم يكن يستدعي أصلا استخدام العنف.

* لم ترفعوا شعار «إسقاط النظام» منذ البداية، فإلى أي شيء كانت تهدف الثورة؟

- فعلا هي لم تكن ثورة في البداية، ولكنها كانت حركة احتجاجية. إننا أبدا لم نكن نهدف إلى إسقاط النظام، بل كانت طلباتنا بسيطة جدا وعصرية تتلخص في إقرار دستور، ومنح مزيد من الديمقراطية، والمشاركة السياسية والاقتصادية. كنا نريد المزيد من الحرية. حتى إن عبد الحفيظ غوقة صرح حينها بقوله: نريد إصلاحا من خلال النظام الذي نكن له الاحترام. وعندما خرجنا كان العدد لا يتعدى الثمانين فردا أمام محكمة شمال بنغازي، ولكن تعامل القذافي مع المظاهرة حول الأمر برمته إلى ثورة شعبية. بالمناسبة هو أصدر أمرا غير مكتوب قائلا للأمن: ارموا الكلاب. ارموا بمعنى أطلقوا عليهم النار.

* هل تقصد أن القذافي أساء التصرف في التعامل مع احتجاجاتكم؟

- القذافي كان يمكنه أن يسكت المحتجين بالاستجابة لبعض مطالبهم على الأقل، ولكنه أساء تقدير الموقف كالعادة، حيث أرسل إلينا مجموعات مسلحة بقبعات صفراء وقامت بإطلاق النار علينا بطريقة عشوائية مما أدى إلى سقوط شهداء. وفي الرابعة من عصر يوم 17 فبراير (شباط) الماضي كانت بنغازي كلها قد خرجت عن بكرة أبيها غضبا مما حدث. وانفجر الموقف بعد ذلك وتحول إلى مقاومة المحتجين للقوات التي تضربهم بالنار. ومن ثم انتقلت الثورة إلى الغرب الليبي، بعد أن اندلعت تظاهرة في أكبر ميادين طرابلس تقول: بالروح بالدم نفديك يا بنغازي. ولكن القذافي اعتقد أنه يمكنه تكميم الأفواه بالقوة، فقتلت قواته 60 فردا. القذافي يظن نفسه سوبرمان، وقد أصبح حوله مجموعة من القطط الشرسة التي تدين له بالولاء الشديد، وهو ما يساعده في تنفيذ رغباته العدوانية.

* ولماذا في اعتقادك تم اعتبارك محرضا على الثورة ووضعك على رأس قائمة المطلوبين؟

- (متهكما) الحقيقة أنهم يتهمونني بـ«إنارة العقول» وإثارة مشاعر الناس ضد النظام، وخاصة أنني لم أتجاوب مع مشروع سيف الإسلام القذافي («ليبيا الغد» الداعي للإصلاح) وعندما اقتحموا مكتبي، وجدوا فواتير للإقامة في فنادق في المنطقة الشرقية من البلاد، وهو ما أخذوه كدليل إدانة ضدي.

* وكيف ترى سيف الإسلام القذافي خاصة أنك تعاملت معه من قبل؟

- أنا التقيت سيف الإسلام عندما عدت من بوسطن بالولايات المتحدة. أنا عدت بحماس شديد ورغبة مني في بناء بلادي. حينها كان هو يدعو إلى مزيد من الحريات، ويرفع شعار «ليبيا المستقبل»، وهو مشروع سياسي اجتماعي يبدو للمستمع أنه براق، ولكنه غير حقيقي وغير مبني على أفكار سياسية علمية وواضحة، فرفضت الانضمام له. وعرض سيف الإسلام عليّ أن أكون من مستشاريه كما عرض عليّ نسخة من مسودة الدستور الليبي ولكنني أوضحت له أن أفكارنا وأهدافنا قد تكون مختلفة. أما الآن فإنني أراه شخصا متسلطا يتكلم من وراء إصبعه، ويحاول أن يقلد موسوليني ممسكا ذقنه بنفس أسلوب موسوليني، هو يهدد الشعب بالجوع والحرب الأهلية، وهو ما يعكس أنه شخصية متسلطة وعنيفة.

* وماذا لو عرض القذافي الآن المصالحة؟

- لا مصالحة ولا تفاوض مع القذافي، فنحن لن نهدأ قبل أن تخرج عصابة القذافي وأولاده السبعة من ليبيا، أما عن أي مهادنة أو تفاوض مع القذافي الآن فهو ضرب من ضروب الخيال.

* كيف ترى رد الفعل العربي تجاه التطورات في ليبيا؟

- الدول العربية نجحت في إيجاد حاضنة دولية لثورتنا، وهي سابقة جديدة في العالم العربي؛ أن يكون استخدام السلاح العربي في صالحنا.

* البعض غير مرحب بالقوات الدولية، خاصة أنها تأخرت كثيرا. كيف تفسر ذلك التأخير، وما رأيك في الضربات الجوية؟

- للسياسة أهداف رئيسية وأخرى فرعية. وعليك أن تستغل كل الظروف لتحقيق أهدافك. ولم يكن من الممكن سد الفجوة العسكرية الفظيعة دون التدخل الأجنبي. والضربات الجوية تحقق هذا الغرض تماما، أنا شخصيا أوافق عليها تماما. التدخل تأخر لأنه جاء من قبل دول ديمقراطية لها إجراءات ديمقراطية طويلة وبرلمانات بها قواعد معقدة قبل اتخاذ قرار الحرب.

* وماذا لو تطور الأمر لإنزال بري؟

- أنا مع أي شيء يخلصنا من هذا الوضع غير الإنساني. ولمعلوماتك، هجمات القذافي تراجعت كثيرا بعد الهجوم الجوي، ولولا هذه الضربات لكان القذافي مسيطرا على الشرق. أنا شخصيا معها وموافق عليها 100 في المائة. إرادة ومقاومة الثوار الليبيين جعلت القوات الأجنبية تتدخل لأول مرة في صالح الشعوب العربية وليس ضدها.

* إلى أين ستتجه الأمور في رأيك؟

- من الصعب جدا الآن أن نعرف الاتجاه النهائي للثورة. نحن لا نخشى من تقسيم البلاد على شاكلة الصومال كما يهدد النظام، ولكننا نخشى أن يبقى القذافي بعد كل هذا وتتحول ليبيا إلى نموذج آخر من الثورة الإسبانية على شاكلة حكم فرانسيسكو فرانكو. وبصراحة أنا غير قادر على رؤية أي ضوء في نهاية النفق حاليا.

* لو سقط القذافي، هل من الممكن أن يحدث اقتتال على السلطة؟

- الوضع في ليبيا مختلف، لأن القذافي أفرغ ليبيا من المعارضة تماما وشردها في عواصم العالم، وتتبعها هناك ونكل بها. في اعتقادي أن الناس سوف تلتف حول المجلس الوطني الانتقالي باعتباره الممثل الشرعي للثورة، وصدقني الثورات الشعبية ليس لها قادة أصلا. ما أتوقعه أن من سيقود ليبيا في الفترة المقبلة هو شخص غير معروف لنا، يسير الآن في شوارع بنغازي أو طبرق حاملا السلاح مدافعا عن حرية بلاده.

* سمعنا عن انشقاقات وخيانات في صفوف الثوار في المنطقة الشرقية؟ هل هذا صحيح؟ ودعني أسألك لماذا لم يتقدم الثوار غربا؟

- هذه حرب إعلامية فقط. الثوار صف واحد ومتماسكون جدا جدا، وهذا الكلام بغرض إحداث بلبلة وفوضى بين الثوار. ما أحذر منه حاليا هو الطابور الخامس في بنغازي. نحن نقاوم بالـ«كلاشنيكوف» وأقصى ما نمتلكه مضادات الطيران. هناك نقص حاد في الإمكانيات العسكرية والفجوة العسكرية بين الطرفين كبيرة ولكن الإرادة والعزيمة في صفنا. وما أعتقده أن الثوار لن يتقدموا غربا قبل أسبوعين من الآن.

* سمعنا عن توثيقكم للانتهاكات الإنسانية التي تحدث في ليبيا؟ هل لديكم تصور عن عدد القتلى؟

- للأسف حجم الدمار وحجم المآسي كبير جدا، وعندما ينقشع الغبار سيظهر حجم المأساة. حينها سيعرف العالم وحشية نظام القذافي، وسيكون هناك الكثير من المفقودين، وسنقوم بنصب «حائط للشهداء» على شاكلة حائط سراييفو. سأروي لك قصتين: صديق شخصي يسكن بقرب المطار قال لي إن قوات القذافي كانت تقتل المئات من المعتقلين بجوار المطار بدم بارد. القصة الثانية والتي لا أعتقد أنها حصلت من قبل في العالم، هي أن قوات القذافي كانت تأخذ الأطفال الصغار من عمر ثماني وتسع سنوات كرهائن ثم تدخل بهم إلى البيوت ويسألونهم أمام ذويهم: «من يشتم بابا معمر»، ومن يشير إليه الأطفال يتم قتله على الفور. بالإضافة إلى مقتل محمد دبوس البطل الليبي الذي ألهب قلوبنا بالفيديوهات التي كان يرفعها على المواقع الاجتماعية، سلاحه كان الكاميرا ورغم ذلك قتل بدم بارد وهو يحمل الكاميرا الخاصة به.

* كيف ترى الموقف المصري؟

- المصريون لعبوا دورا كبيرا جدا في ثورتنا. دور إنساني عبر القوافل والمساعدات الإنسانية ودور طبي عبر الأطباء الذين ملأوا الفراغ الطبي في بنغازي خصوصا، ودور رسمي من خلال الجيش المصري الذي رفض إغلاق معبر السلوم الحدودي أمام الليبيين النازحين، ولكنني أناشده بصراحة أن يتدخل عسكريا ليحمينا أكثر.

* ماذا تقول للشعب الليبي؟

- فخور بانتمائي إليه. وفخور بالشباب الذين أعادوا ليبيا إلى شعبها. وأقول لهم النصر لكم بإذن الله.