مصر: إحالة حبيب العادلي وقيادات بوزارة الداخلية إلى «الجنايات» لاتهامهم بقتل متظاهرين

المحكمة الجنائية الدولية تبحث إمكانية محاكمة مسؤولين من النظام المصري السابق

TT

قرر النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود أمس إحالة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و4 من مساعديه الأول، لاتهامهم بقتل المتظاهرين في أحداث مظاهرات ثورة 25 يناير بالعاصمة وباقي المحافظات، وهم كل من اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز مباحث أمن الدولة السابق، واللواء عدلي فايد مدير مصلحة الأمن العام السابق، واللواء أحمد رمزي مدير قطاع الأمن المركزي السابق، واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة سابقا.

وأسندت النيابة إلى المتهمين ارتكابهم جرائم الاشتراك في قتل بعض المتظاهرين عمدا مع سبق الإصرار، والتي اقترنت بجنايات القتل العمد والشروع فيه بحق آخرين، والتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالممتلكات العامة والخاصة، مما أدى إلى الإضرار بمركز البلاد الاقتصادي وحدوث فراغ أمني وإشاعة الفوضى وتكدير الأمن العام وترويع الآمنين وجعل حياتهم في خطر.

وذكر الناطق الرسمي للنيابة العامة المستشار عادل السعيد أن تلك الجرائم وقعت وجعلت حياة المتظاهرين في خطر، أثناء المظاهرات السلمية احتجاجا على سوء وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد.

وطالبت النيابة العامة باستخدام الظرف المشدد للعقوبة (أقصى درجاتها) تجاه المتهمين، خصوصا أن بعض المجني عليهم (من القتلى والمصابين) أطفال، وفقا لأحكام قانون الطفل.

كما أحال النائب العام اللواء أسامة يوسف المراسي مدير أمن الجيزة السابق، واللواء عمر عبد العزيز الفرماوي مدير أمن محافظة السادس من أكتوبر، إلى المحاكمة الجنائية العاجلة أمام محكمة الجنايات، كونهما تسببا بخطأيهما في إلحاق ضرر جسيم في أموال ومصالح الجهة التي يعملان بها وأموال ومصالح الغير المعمول بها بتلك الجهة، مما ترتب عليه ضرر جسيم وإشاعة الفوضى وتكدير الأمن العام وترويع الآمنين وجعل حياتهم في خطر، وكان ذلك حال قيام المجني عليهم بالمظاهرات السلمية بمحافظتي الجيزة والسادس من أكتوبر.

كما أحالت النيابة مجموعة من الضباط وأفراد الشرطة بذات التهم إلى محاكم الجنايات المختصة في محافظات الإسكندرية والسويس والسادس من أكتوبر والجيزة والبحيرة والغربية والقليوبية والدقهلية والشرقية ودمياط، لقتلهم وإصاباتهم أعدادا من المواطنين حال تظاهرهم السلمي بهذه المحافظات.

يأتي هذا بعد ساعات من مطالبة تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه الحكومي) حول أحداث ثورة 25 يناير، بمحاكمة قيادات الحزب الوطني (الحاكم سابقا) في عدد من الاتهامات، بينها تشكيل ميليشيات مسلحة لقتل المتظاهرين. وقال التقرير الذي أصدره المجلس أمس إن الرئيس المصري السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي (المحبوس حاليا) مشتركان في المسؤولية الجنائية عن قتل المتظاهرين خلال أحداث الثورة.

واتهم التقرير العادلي بإصدار أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين يوم 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، بينما ذكر التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أنه لم يثبت للجنة مسؤولية العادلي عن أحداث الهجوم المنظم الذي تعرض له عدد من أقسام الشرطة والسجون، والذي صاحبه إحراق نحو 99 قسما ونقطة شرطة، وفرار أكثر من 23 ألف سجين.

وقال التقرير إن العادلي أنكر في التحقيقات الأولية التي أجريت معه من جانب النيابة العامة مسؤوليته عن إصدار قرارات إطلاق النار على المتظاهرين، لكن التسجيلات التي تضمنها القرص المضغوط (C.D) الخاص بمكالمات قيادات قوات الأمن المركزي كشفت عن صدور أوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.

وحمل التقرير رئيس الدولة السابق (مبارك) ووزير الداخلية مسؤولية السياسة الأمنية تجاه الأحداث خلال المواجهة الأمنية للمتظاهرين بحكم مسؤوليته الدستورية، فضلا عن رئاسة مبارك للمجلس الأعلى للشرطة بحكم منصبه كرئيس للجمهورية حينذاك.

وقال الأمين العام للمجلس محمود كارم لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس أرسل نسخا من التقرير إلى عدد من مؤسسات الدولة، بينها رئاسة مجلس الوزراء، والنائب العام عبد المجيد محمود، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى إدارة البلاد عقب تخلي مبارك عن مهامه.

كما اتهم تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان قيادات بالحزب الوطني بالمسؤولية المباشرة عن قتل المتظاهرين، وقال: «تقع على قيادات من الحزب الوطني مسؤولية مباشرة في جرائم القتل والاعتداءات البدنية والترويع التي ارتكبها النظام السابق حيال المتظاهرين سلميا، وكان أبرزها حشد البلطجية للاعتداء على المتظاهرين بميدان التحرير يوم 2 فبراير (شباط) والمعروفة بـ(موقعة الجمال) وما أعقبها من اعتداءات».

كما أشار التقرير إلى وجود شهادات موثقة تتحدث عن مسؤولية عناصر تابعة للدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق في ترتيب هذه الأحداث.

وألقت النيابة العامة القبض على 26 من المشاركين في هذه الجرائم، وذكروا في التحقيقات أنهم تلقوا أموالا من عبد الناصر الجابري ويوسف خطاب، عضوي مجلس الشعب عن دائرة الهرم.

وعلى صعيد متصل طالب التقرير بمحاكمة قيادات إعلامية قال إنها تورطت بشكل مباشر في «أعمال التحريض المباشر على قتل المتظاهرين من خلال نشر أخبار كاذبة»، وقال إن لجنة تقصي الحقائق خلصت إلى أن سيطرة الدولة على وسائل الاتصال، وهيمنتها على الكثير من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، لعبت دورا سلبيا تجاه الأحداث يتجاوز انتهاك حق المواطنين في استقاء المعلومات وحقهم في المعرفة والتواصل إلى مستوى التحريض ضد المتظاهرين سلميا على نحو يضع الإعلام كطرف شريك في الجرائم التي ارتكبت في حقهم».

على صعيد آخر يصل إلى القاهرة اليوم، الخميس، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو لعقد لقاء تشاوري مع حقوقيين مصريين حول عدد من القضايا المتعلقة ذات الصلة باختصاصات المحكمة الجنائية الدولية.

وقال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين لـ«الشرق الأوسط» إن أوكامبو كان من المفترض أن يصل إلى القاهرة أمس الأربعاء، لكن موعد رحلته تأجل لليوم، الخميس، موضحا أن زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تأتي استجابة لدعوة من مركزه وعدد من المنظمات الحقوقية، وقال: «أبرز هذه القضايا حث السلطات المصرية على التوقيع على بروتوكول المحكمة الجنائية الدولية الذي رفض النظام السابق التوقيع عليه طوال السنوات الماضية، وهو التوقيع الذي يتيح إمكانية محاكمة المسؤولين المصريين أمام المحكمة الدولية، ويلزم مصر بتسليم أي مطلوبين موجودين على أراضيها للمثول أمام المحكمة». وأضاف: «سيبحث اللقاء قضايا تتعلق بدول عربية أخرى، منها السودان وليبيا، وآليات الملاحقة القضائية لرموز الأنظمة العربية الذين يرتكبون جرائم ضد شعوبهم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية».

الى ذلك أعلنت النيابة العامة المصرية، أمس، عن تلقيها مذكرة رسمية من خلال وزارة الخارجية تفيد باعتماد الاتحاد الأوروبي للقرار الخاص بتجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك و18 مسؤولا مصريا، استجابة لطلبات الإنابة القضائية الصادرة من مكتب النائب العام. وأشار الناطق الرسمي باسم النيابة العامة المصرية المستشار عادل السعيد إلى أن هذا القرار هو مجرد قرار بالتجميد، وأنه لم تفد النيابة العامة بعد بأي بيانات عن وجود هذه الأرصدة أو قيمتها.

وأضاف المستشار السعيد أن النيابة سبق وأن تلقت عدة بلاغات ضد كل من الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى، حيث تم إرسالها لجهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل وإرسال صور منها إلى مختلف الجهات الرقابية لفحصها والتحري عنها.

وقال المستشار السعيد إن بعضا من تلك الشكاوى يتعلق بالفساد السياسي ضد كل من الشريف وسرور، وهو ما يخرج عن اختصاص النيابة العامة، موضحا أنه إذا ورد للنيابة من الأجهزة الرقابية، بعد فحص صور الشكاوى المرسلة إليها، ما يشكل جرائم جنائية تدخل في اختصاص النيابة العامة، فسوف يتم اتخاذ الإجراءات الواجبة بشأنهما.

وأوضح أنه ثبت للنيابة عدم صحة امتلاك زكريا عزمي آلاف الأفدنة بمحافظة أسوان، وذلك بعد سؤال الجهات الإدارية بالمحافظة وسائر الجهات المختصة، التي أكدت عدم وجود أراض لعزمي في تلك المنطقة، لافتا إلى أن ذلك النوع من الشكاوى يقع في نطاق قانون الكسب غير المشروع، لتضمنه شبهة تضخم الثروة على نحو غير مشروع.