وزير الخارجية الفرنسي: الضربات الجوية متواصلة.. وغرضنا تمكين قوات المعارضة من الانتصار

وزير الداخلية الفرنسي يأسف لاستخدام مصطلح «حرب صليبية» في ليبيا

معارضون ليبيون يطلقون هتافات تأييد للغارات التي تشنها طائرات التحالف الدولي على قوات العقيد القذافي في بنغازي أمس (رويترز)
TT

«نظام القذافي لن يصمد، والمعلومات التي لدينا تؤكد بداية تفسخه». هذا مضمون الرسالة التي سعت الحكومة الفرنسية إلى إيصالها أمس، في اليوم السادس من حملة القصف الجوي ضد المواقع العسكرية الليبية. وتولى مهمة إيصال الرسالة، جيرار لونغيه، وزير الدفاع، وألان جوبيه، وزير الخارجية، اللذان عقد كل منهما على حدة مؤتمرا صحافيا مطولا.

وقال لونغيه إن عملية التنصت التي تقوم بها الأجهزة المعنية تفيد أن العسكريين المحيطين بالقذافي «أخذوا يرون أن لا أمل من المعركة القائمة، وهذا أمر نفسي بالغ الأهمية حيث نلاحظ أنهم بدأوا يترنحون». وذهب الوزير الفرنسي، وفق ما قاله في مؤتمره الصحافي ظهر أمس في وزارة الدفاع، إلى حد اعتبار أن نظام القذافي «سينهار بأسرع مما نتوقع». أما وزير الخارجية الفرنسي الذي يؤكد أن الضربات الجوية التي بدأت يوم السبت الماضي حققت «نجاحا تاما»، فقد أعلن أن نظاما كنظام القذافي لا يمكن أن يدوم، مضيفا أنه «مقتنع بأن البعض في طرابلس بدأ يتساءل عن معنى الاستمرار (في دعم) دكتاتور، حتى لا أقول إنه مجنون».

وحسب جوبيه فإن نظاما يمثله شخص كالقذافي «لا يمكن أن يستمر» في السلطة، غير أنه سارع إلى القول إنه يعود لليبيين أن يقرروا، غير أن الوزير الفرنسي قال بصراحة إن غرض الضربات الجوية التي توجه إلى قوات القذافي ومواقع قيادته هو «تمكين القوات المعارضة للقذافي من الانتصار» ميدانيا. ومن أجل تحقيق هذا الهدف الذي يتداخل مع الهدفين المعلنين للقرار الدولي رقم 1973، وهما إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا وحماية المدنيين من قوات القذافي، فإن باريس تؤكد أن الضربات الجوية «ستستمر طالما كان ذلك ضروريا». وبرأيه انها «ستستمر أياما أو أسابيع ولكن ليس أشهرا».

ورغم أن باريس تؤكد أن الضربات الجوية التي تقوم بها دول التحالف الدولي «لم توقع ضحايا مدنية»، فإنها تعترف بتزايد الصعوبات في تنفيذها. وعزا لونغيه ذلك إلى «التداخل» الميداني بين القوات المتواجهة على الأرض ولوجود مدنيين في مناطق وجود القوات الموالية للقذافي. ووصف الوزير الفرنسي العمليات الجوية بأنها كانت «حاسمة».

وما زالت باريس على موقفها المتشدد بالتمسك بالإدارة السياسية للعمليات العسكرية وعدم تفويضها إلى الحلف الأطلسي الذي تقبل فقط بإعطائه دورا فنيا وتنفيذيا لجهة فرض منطقة الحظر الجوي، والإشراف عليها وكذلك الحظر البحري. وفسر لونغيه تردد باريس بصعوبة الوصول إلى «إجماع» داخل الحلف الأطلسي في حال نقلت القيادة إليه. وبصراحة لا تحتمل التأويل، قال لونغيه إن القرارات السياسية تتخذها الإدارة الثلاثية المشكلة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، التي هي «زعيمة التحالف» الدولي.

وأخذت باريس تدرس مرحلة ما بعد القذافي والحاجة إلى إطلاق «مبادرة سلام» وتوفير الشروط الضرورية لقيام «حوار وطني» أحد أطرافه المجلس الوطني الانتقالي و«قوى سياسية أخرى» و«سلطات تقليدية ليبية»، في إشارة على ما يبدو إلى القبائل. وستكون هذه المرحلة موضع بحث في القمة الأوروبية التي بدأت أمس في بروكسل كما في اجتماع «مجموعة الاتصال» التي ستجتمع للمرة الأولى في لندن يوم الثلاثاء القادم، والمشكلة من وزراء خارجية الدول المشاركة والداعمة للعمليات العسكرية ومن ممثل عن الجامعة العربية وآخر عن الاتحاد الأفريقي. ودعيت إلى الاجتماع وزيرة الخارجية الأوروبية، كاترين آشتون.

وفي سياق متصل اعتبر الوزير جوبيه، في مؤتمر صحافي صباحي أمس في مقر الوزارة، أن حركات الانتفاضة التي يعرفها عدد من البلدان العربية «سيصعب قهرها»، وأنها ستفرض نفسها في كل مكان رغم أن بعض الدكتاتوريين «سيحاولون البقاء في السلطة، لكنهم لن يستطيعوا المقاومة طويلا». وأضاف الوزير الفرنسي: «إن توق الشعوب إلى الحرية والديمقراطية يجب أن يحترم في كل مكان ولا يجب اللجوء إلى العنف (لقمعه)، ونحن ندين استخدامه وندعو إلى الحوار في أي مكان، سواء كان ذلك في البحرين أو اليمن أو سورية». وحث جوبيه الذي وصف ما يجري في العالم العربي بأنه «فرصة رائعة وحدث تاريخي رئيسي ولا يتعين أن نخاف منه»، السلطات المعنية على الاستجابة للمطالب الشعبية من غير أن يقلل ممن أهمية التعقيدات التي يعاني منها كل بلد مثل المشكلات الطائفية والعلاقة بين السنة والشيعة التي وصفها بأنه «عنصر أساسي».

وإزاء التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم العربي، أعلن الوزير الفرنسي عن عزم وزارته على الانكباب على دراسة ما يحصل فيه وتنظيم منتدى واسع يضم خبراء من الغرب والشرق لمعرفة كيفية مواكبة هذه التحولات. وسيعقد هذا المنتدى مبدئيا في معهد العالم العربي الشهر القادم.

ومن جهته، أعرب كلود جيان، وزير الداخلية الفرنسي، أمس، عن أسفه لعدم استخدام مصطلح آخر لتشبيه الجهود الدبلوماسية التي بذلتها فرنسا للدفع باتجاه التدخل العسكري الدولي في ليبيا غير مصطلح «حرب صليبية»، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

ويعد التصريح الذي أدلى به جيان، الذي اختير لهذا المنصب قبل شهر فقط، هو الأحدث في سلسلة من الأخطاء التي أرتكبها وزراء في حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وفي إشارة إلى دور فرنسا في حشد الدعم للتدخل ضد نظام العقيد القذافي، قال جيان يوم الاثنين الماضي: «لحسن الحظ، قاد الرئيس الحرب الصليبية لتعبئة مجلس الأمن ثم جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي».

واعترف في مقابلة إذاعية، أمس، قائلا: «بالنظر إلى الماضي، كان من الممكن أن أستخدم كلمة أخرى». واعتبر مصطلح «الحرب الصليبية» مصطلحا غير ملائم، نظرا للدلالات التاريخية للحروب الصليبية المسيحية في الشرق الأوسط خلال العصور الوسطى.

وعين جيان وزيرا للداخلية في تعديل وزاري جاء في أعقاب استقالة وزيرة الخارجية السابقة، ميشيل أليو ماري، التي أثارت غضب الكثيرين بقضاء عطلة في تونس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بينما كانت البلاد في بداية ثورة شعبية.