ميدان التغيير: اليمن يعيش هنا.. وصنعاء لا تنام

«الشرق الأوسط» في جولة ميدانية بالميدان

TT

«اليمن يعيش هنا» يقولها أحد شباب الاعتصام في ميدان التغيير بصنعاء في صورة نادرة تاريخية لم يشهدها اليمن من قبل.

وعلى أنغام أغان وأناشيد حماسية يرقص الجميع مرديين بين كل فقرة من فقرات فعاليات الاعتصام «الشعب يريد إسقاط النظام».

تتجول «الشرق الأوسط» في مساحة تزيد على 10 كلم، لتجد شرائح المجتمع اليمني من كافة الأعمار؛ القبائل والطلاب والشباب والأكاديميين والمهندسين والمعلمين والعلماء والقضاة والمحامين والفنانين، والممثلين، والإعلاميين، ليجعلوا من هذه المساحة منطقة تتنفس حرية كما يقولون.

محمد السراجي أحد شباب الاعتصام يقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ نصبنا خيامنا في 20 فبراير (شباط) الماضي، وجدنا الحياة الاجتماعية الحقيقية لليمنيين، لقد أعدنا إلى حياتنا الحرية والشجاعة واختفى الخوف من قلوبنا، أصبحنا نعي حقنا في بناء وطننا ولن نتراجع مهما كان الثمن».

السراجي يشير إلى أن أسرته دائما ما تأتي إلى زيارته كما تقوم والدته بصنع الكعك والخبز وترسلها إليه مع أحد إخوته.

عشرات الآلاف من اليمنيين منتشرون مع خيامهم في الشوارع الرئيسية لساحة التغيير بالعاصمة، لقد تحولت إلى خريطة تمثل اليمن، بكل فئاته، ربما لا نجدها في ساحات أخرى بمدن يمنية بحكم أنها العاصمة.

الكثير من الخيام أصبحت صالونات ثقافية وصالات فنية تقام عليها الندوات وورش سياسية إضافة إلى تقديم الأغاني والزوامل الشعبية والأشعار التي تتوحد في فكرتها الثورية.

يقول الصحافي عمر العمقي، الذي يشرف على خيمة المركز الإعلامي للصحافيين: «هناك خيام للأكاديميين تقام فيها يوميا ندوات سياسية وتستضيف أساتذة الجامعات، إضافة إلى خيام للفنانين، تقيم سهرات فنية طوال الليل، وأيضا للبرلمانيين، وخيم للمعلمين، والقضاة، والمحامين، والمهندسين، وخيام للقرى والمناطق اليمنية، والقبائل، وحتى البدو الرحل».

ويضيف العمقي لـ«الشرق الأوسط»: «صنعاء في هذه المنطقة لا تنام، فمنذ الساعة التاسعة صباحا وحتى الثانية عشرة مساء تزدحم فعاليات الاعتصام، بين الأغاني والأهازيج والأناشيد الثورية إضافة إلى الندوات وورش العمل».

أما خيم البدو والقبائل المتنوعة من مختلف المناطق، خاصة مأرب والجوف والبيضاء، فتشهد مساجلات شعبية عبر الزامل، ليتنافس الجميع كل ليلة في من يقدم أفضل الزوامل، وهي أشعار شعبية مشهورة في اليمن تقدم بأسلوب جماعي وغنائي إضافة إلى تقديم فقرات غنائية، مستخدمين الربابة أو العود.

وعلى الرغم من أن اليمن مجتمع محافظ فقد وجدنا في إحدى الخيام الثقافية النساء والرجال مجتمعين في مقيل واحد ليتحدثوا حول الأزمة التي يعيشها اليمن وأغلب الحاضرين فيها شخصيات نسائية حقوقية وأكاديمية وثقافية.

ويتجمع العشرات حول جولة سماها المعتصمون «جولة الشهداء» حيث وقعت فيها مجزرة الجمعة الماضي، تقع وسطها مساحة تم تخصيصها لتقديم الزهور والورود وإشعال الشمع حول صور الشهداء ودائما ما يأتي الزوار كل ليلة لزيارتها والترحم على أرواح الشهداء.

أغلب الخيام أطلق المعتصمون عليها تسميات تعبر عن هدفها، فهناك خيمة الكرامة، وخيمة الرحيل، وخيمة الشجعان، وخيمة الأبطال، إضافة إلى مسميات للحركات الشبابية التي تم تشكيلها في الأيام الماضية. فيما كثير من خيام القبائل يتم تسميتها بمناطقها، مثل خيمة بني حشيش، وخيمة مراد، وخيمة الحيمة، وخيمة همدان وغيرها.

أما الإذاعة، التي تجتمع فيها قيادات الثورة الشبابية فهي تبث أغاني وأناشيد لكبار الفنانين اليمنيين مثل أيوب طارش وعلي الأنسي، إضافة إلى أغان شبابية تم إنتاجها في هذه الثورة، ولا تخلو الأغاني من البوب والأغاني الشبابية وجميعها تطالب برحيل النظام. أما من الناحية التجارية، فقد تحولت ساحة الاعتصام إلى سوق تجارية فيها مختلف السلع والحاجات الضرورية للمعتصمين، وهناك من المعتصمين من استغل ما تبقى من ماله في إعادة تشغيله. يقول عبد الله مبارك (26 سنة) لـ«الشرق الأوسط»: «جئت من قريتي في الحيمة غرب صنعاء، لكي أشارك في الاعتصام لكني واجهت صعوبة في توفير مصروفي اليومي، وكنت متخوفا من عدم قدرتي على مواصلة الاعتصام، فقمت بشراء ما تبقى من مال، في علب المياه وقمت ببيعها في ساحة الاعتصام، واستطعت من خلال ذلك توفير المال لمواصلة اعتصامي وتحقيق هدفنا، وهو رحيل النظام».

أما إحدى الفتيات فقد ظهرت على منصة الاعتصام وأخبرتهم أنها فسخت خطبتها، ورمت بدبلة الخطوبة أمام الحاضرين، وقالت إن خطيبها كان يصر على أن تشاركه في اعتصام مؤيد للرئيس صالح، وقالت: «لا يشرفني أن أكون خطيبة لهذا الشاب، على الرغم من أنه عاطل عن العمل، سأكون مع الوطن ومع الشعب وليس مع فرد وأسرة ظالمة».