دمشق لم تعد متحمسة لولادة حكومة لبنانية «تعادي» المجتمع الدولي

التصديق على لائحة الاتهام باغتيال الحريري سيأخذ شهورا لا أسابيع.. والأسماء ستبقى سرية حتى الاعتقال

TT

عندما كلف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة في لبنان قبل شهرين، بعد دعم واضح من حزب الله، بدت مهمته سهلة وميسرة. ولكن اليوم يبدو أن «تجاذبا» إيرانيا - سوريا حول الحكومة اللبنانية، يصعب مهمة رجل الأعمال الطرابلسي الثري، ويؤخر ولادة حكومته، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط». ففي الوقت الذي تشجع فيه إيران على تشكيل حكومة يتزعمها ميقاتي في أسرع وقت ممكن، يبدو أن سورية لم تعد متحمسة بالقدر نفسه لرؤية ولادة حكومة قد تجلب إليها المزيد من المواجهات مع المجتمع الدولي، بسبب ارتباطها بحزب الله، خصوصا مع وصول شرارة الثورات إليها، وبدء ظهور توترات داخلية جدية على أراضيها في الأيام القليلة الماضية.

وفي حين كانت المشكلة الرئيسية التي تواجه ميقاتي في البداية، تتمثل بإيجاد طريقة للتعاطي مع المحكمة الخاصة بلبنان التي يرفض حزب الله التعامل معها، من دون معاداة المجتمع الدولي ونصف الشعب اللبناني، فإن العقد زادت مع بدء اندلاع الثورات في العالم العربي، ووصولها مؤخرا إلى سورية. ويبدو أن ميقاتي تمكن قبل أيام من إقناع حزب الله، بحسب ما أكدت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، بضرورة عدم تضمين البيان الوزاري المقبل لحكومته، أي مواقف سلبية من القرارات الدولية والمحكمة الخاصة بلبنان، تجنبا لصدامات مع المجتمع الدولي.

وبينما تستمر المشاورات الحكومية في بيروت ودمشق، تترقب المحكمة الخاصة بلبنان التي تتخذ من لايدشندام (إحدى ضواحي لاهاي في هولندا)، مقرا لها، بقلق ولادة حكومة لبنانية جديدة. وأكثر ما يقلقها، تجاوب الحكومة الجديدة مع 3 مطالب حددها حزب الله من المحكمة، وهي: وقف التمويل (49 في المائة يقدم من حكومة لبنان)، وسحب القضاة اللبنانيين من المحكمة (3 من أصل 11 قاضيا)، ووقف التعاون مع المحكمة.

ولكن رغم قلق المحكمة من تجاوب الحكومة اللبنانية المقبلة لهذه المطالب، فمن المستبعد أن تؤثر هذه الخطوات على عمل المحكمة حتى ولو تم تبنيها. فقضية التمويل يمكن أن تحل عبر زيادة الدول الأخرى في الأمم المتحدة تمويلها، علما أنها تؤمن أصلا 51 في المائة من التمويل. أما مسألة سحب القضاة اللبنانيين، فإن حصول ذلك مستبعد، لأنه ليس من صلاحيات حكومة لبنان. فالأمين العام للأمم المتحدة هو الذي يعين القضاة ويقيلهم.

أما مطلب حزب الله الثالث، بوقف التعاون مع المحكمة، من المستبعد أيضا أن يؤثر على التحقيق بشكل كبير، وعلى عملية تقديم لوائح الاتهام التي بدأت قبل شهرين، وقد تستمر حتى مطلع العام المقبل. فمنذ اعتداء مجموعة من نساء حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، على محققين دوليين، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انخفضت نسبة التعاون مع المحققين الدوليين البالغ عددهم 60 محققا، في لبنان. ومنذ ذلك الحين، يتصاعد تدريجيا عدد الأشخاص الذين يتجاوبون مع مطالب المحققين الدوليين باستجوابهم. ومع ذلك، فإن عمل المحققين لا يبدو أنه تأثر، إذ تمكن المدعي العام من تقديم أول لائحة اتهام في منتصف يناير، ثم لائحة معدلة في منتصف مارس (آذار)، ومن المتوقع أن يتمكن المدعي العام من إكمال تقديم المزيد من اللوائح الاتهامية، لأن عمل المحققين في لبنان لا يقتصر على استجواب الشهود والمشتبه بهم، بل يمتد أيضا إلى جمع الأدلة والبراهين التي تعتبر أساسية في تقديم المدعي العام لقضيته.

كما أن لبنان مجبر بحكم الاتفاقيات التي وقعها مع المحكمة، على التعاون في تسليم مطلوبين وغير ذلك، عندما يطلب منه ذلك. وفي حال رفض لبنان الاستمرار بالتعاون مع المحكمة، وتسليم مطلوبين مثلا، فإن المحكمة تحيل القضية إلى مجلس الأمن الذي يعود إليه اتخاذ القرار المناسب. وقد تختلف القرارات باختلاف الرغبة السياسية لدى أعضاء مجلس الأمن، ويمكن أن تتأرجح من الدعوة إلى التعاون إلى فرض عقوبات دولية في حال إصرار لبنان على استمرار رفض التعاون. وعموما، حتى اليوم، فإن تعاون المدعي العام اللبناني، همزة الوصل بين لبنان ولايدشندام، مع المحكمة يعتبر إيجابيا جدا. وعندما تنتهي عملية التصديق على لائحة الاتهام في الأشهر المقبلة، فإن المدعي العام في لبنان هو من سيتلقى طلب المحكمة بتسليم المتهمين. وعلمت «الشرق الأوسط» أنه من المرجح أن يأمر القاضي فرانسين بالإبقاء على أسماء المطلوبين طي الكتمان، كي لا تتأثر عملية اعتقالهم سلبا.

ورغم ترقب لايدشندام لولادة حكومة بيروت، فإن المحكمة تصر على أن تأخير إعلان مضمون القرار الظني لا علاقة له بانتظار تشكيل حكومة ميقاتي. وعندما تقدم المدعي العام دانيال بلمار، قبل نحو شهرين أيضا، بلائحة الاتهام إلى قاضي الغرفة التمهيدية دانيال فرانسين، قالت المحكمة حينها إن القاضي سيدرس اللائحة المقدمة إليه، ويعلن موافقته عليها أو على أجزاء منها، أو رفضه لها، خلال 6 إلى 10 أسابيع كحد أقصى. ثم عاد بلمار وقدم لائحة معدلة قبل نحو 10 أيام، أضاف إليها أسماء متهمين جدد.

ولكن اليوم، بات الحديث عن «أشهر لا أسابيع»، بحسب ما أكد ناطق باسم المحكمة الخاصة بلبنان لـ«الشرق الأوسط»، لاستكمال عملية مراجعة لائحة الاتهام. وأضاف الناطق: «لائحة الاتهام الأولى ترافقت مع آلاف الصفحات من المواد الداعمة.. قاضي الغرفة التمهيدية وفريقه الصغير سيعملون الآن على القرار الظني المعدل والمواد الداعمة، بأسرع ما أمكن، مع ضمان أن تكون العملية عادلة ومنصفة».