المظاهرات تمتد إلى عدة مدن سورية.. ووزير الإعلام يؤكد: الوضع هادئ

سكان درعا يحرقون تمثالا لحافظ الأسد * أهالي حماة يتشجعون وينضمون إلى المتظاهرين * سقوط عشرات القتلى

مصلون يرددون هتافات ضد الرئيس بشار الأسد بعد صلاة الجمعة في الجامع الأموي بدمشق، أمس (أ.ب)
TT

توسعت رقعة المظاهرات في سورية، أمس، لتطال عددا كبيرا من المدن الكبرى، وخرج عشرات الآلاف من السوريين في مظاهرات تضامن مع أهالي درعا مطالبين بالحرية، في دمشق واللاذقية وحمص وحماة والصنمين وغيرها من المدن. وفي وقت وردت فيه أنباء عن سقوط عشرات القتلى في أنحاء البلاد، وبثت قنوات التلفزيون وموقع «يوتيوب» أشرطة فيديو لمظاهرات من مختلف المدن، سمع في بعضها إطلاق كثيف للنار وشوهد المتظاهرون يركضون، نفى وزير الإعلام السوري وجود توتر في سورية.

وقال الوزير محسن بلال لإذاعة «كادينا سير» الإسبانية، إن الوضع «هادئ تماما» في جميع أرجاء سورية. وأضاف: «السلام التام يسود المدن السورية، وقد تم اعتقال الإرهابيين». وتابع بلال، الذي عمل سفيرا سابقا لدى إسبانيا، أن الأحداث التي وقعت يوم الأربعاء في مدينة درعا جنوب سورية كان وراءها «إرهابيون.. وقريبا سنكشف عن هويتهم للعالم بأكمله». وأضاف بلال أن «الجو ليس جو احتجاجات ضد الحكومة»، كما أوضح الوزير لوكالة الصحافة الفرنسية أنه أكد في تصريحاته للإذاعة الإسبانية أن «الهدوء يسود محافظات سورية الـ14».

وأضاف للإذاعة أنه رغم الدعوات للتظاهر، أمس، فإن «الجو سلمي تماما في جميع أرجاء البلاد، وليست هناك اضطرابات من أي نوع». وأكد أن الذين خرجوا إلى الشارع «خرجوا للإشادة بالقرارات التي اتخذتها الحكومة السورية» ليل أول من أمس، الخميس.

وقد خرج سوريون مؤيدون للنظام، مساء أول من أمس، في مظاهرات سيارة في أنحاء سورية بعد إعلان مستشارة الرئيس بشار الأسد، بثينة شعبان، عن رزمة إصلاحات. إلا أن مظاهر الاحتفال أثارت الاستياء لدى فئات أخرى من المجتمع التي خرجت أمس في مظاهرات تطالب بالحرية.

ووجدت الدعوات التي وجهت عبر الـ«فيس بوك» على الإنترنت، استجابة في عدد من المناطق والمدن السورية، بالإضافة إلى مدينة درعا التي خرج فيها الآلاف لتشييع الذين قتلوا يوم «الأربعاء الدامي»، بحسب ما يسميه أهالي درعا. وفي مدينة درعا في الجنوب، التي تشتعل فيها الاحتجاجات منذ أسبوع، فرقت قوات الأمن بإطلاق النار والغاز المسيل للدموع حشدا ضم الآلاف بعدما أضرم النار في تمثال للرئيس الراحل حافظ الأسد. وبثت قناة «الجزيرة» تصريحات لرجل قال إن «قوات الأمن قتلت 20 شخصا اليوم (أمس) في بلدة الصنمين القريبة من درعا».

وفي دمشق وضواحيها، حيث خرج الآلاف في مظاهرات متفرقة، قال سكان إن قوات الأمن قتلت 3 أشخاص في المعضمية، إحدى ضواحي العاصمة، بعدما واجه حشد موكب سيارات لمؤيدي الرئيس السوري بشار الأسد. وقال أحد السكان لوكالة «رويترز»: «دخلت السيارات المعضمية بعد احتجاج للسكان لإدانة عمليات القتل في درعا».

وفي درعا، قال شهود عيان إن عناصر الأمن كانوا مختبئين في مبنى نادي الضباط القريب من بيت المحافظ، يراقبون المتظاهرين الذين خرجوا، أمس، من جديدة يهتفون ضد شعبان. ومن الهتافات التي أطلقوها: «يا شعبان الشعب السوري مو جوعان»، و«سلمية.. سلمية»، و«الله سورية حرية وبس»، وهو شعار تردد في معظم المدن التي شهدت مظاهرات أمس. ومزق المتظاهرون في درعا صورا للرئيس وقاموا بضربها وأطلقوا هتافات ضد حزب البعث. وهنا هجم عناصر الأمن على المتظاهرين وجرى إطلاق الرصاص، مما أدى إلى سقوط عدد غير محدد من القتلى وعشرات الجرحى.

وقال شاهد لوكالة «رويترز» إن محتجين في مدينة درعا رددوا، أمس، هتافات ضد ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد ورئيس الحرس الجمهوري. وردد المتظاهرون آلاف الهتافات وهم يتجهون صوب الميدان الرئيسي في المدينة بعد جنازة 5 محتجين على الأقل قتلتهم قوات الأمن هذا الأسبوع. ووصفت الشعارات شقيق الرئيس السوري بـ«الجبان» ودعته إلى إرسال قواته لتحرير هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وماهر الأسد قليل الظهور، وهو ثاني أقوى شخصية في سورية بعد الرئيس بشار.

وكان انتقاد النخبة الحاكمة في سورية من المحرمات قبل اندلاع الاحتجاجات في درعا قبل نحو أسبوع مطالبة بالحرية السياسية والقضاء على الفساد. وحتى الآن صب المحتجون جام غضبهم بشكل أساسي على رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري، الذي يملك أنشطة تجارية كبيرة ويخضع لعقوبات أميركية بسبب ما تصفه واشنطن بـ«الفساد العام».

وفي حماة بوسط البلاد قال سكان إن متظاهرين تدفقوا على الشوارع عقب صلاة الجمعة وهتفوا بشعارات داعية إلى الحرية. وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد أرسل قواته إلى حماة في 1982 لسحق تمرد مسلح لحركة الإخوان المسلمين، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. ودوت الشعارات نفسها في وقت سابق أثناء تشييع عدد من القتلى الذين سقطوا في درعا يوم الأربعاء، وبلغ عددهم 37 على الأقل عندما هاجمت قوات الأمن مجموعات مطالبة بالديمقراطية في مسجد.

وفي الصنمين، الواقعة بين درعا ودمشق، خرج المتظاهرون لتأييد درعا ونصرة أهلها، بعد صلاة الظهر، وتكرر السيناريو ذاته، إلا أن شهود عيان أكدوا سقوط نحو 20 قتيلا وعشرات الجرحى. وقال أحد سكان الصنمين لقناة «الجزيرة» الفضائية، أمس، إن قوات الأمن السورية فتحت النار على محتجين في بلدة الصنمين فقتلت 20 شخصا. وقال الشاهد إنه يوجد أكثر من «20 شهيدا»، وإن قوات الأمن فتحت النار بطريقة عشوائية. وفي دمشق، خرج المئات إلى محيط الجامع الأموي ولوحظ وقوفهم هناك في ظل وجود أمني مكثف، ولم يأت هؤلاء بأي حركة، وانفض الجميع دون أي تحرك يذكر، وقسم آخر من المواطنين توجه نحو ساحة المرجة ليجدوا أن الساحة والشارع المار من أمام وزارة الداخلية قد احتلته مسيرة سيارة للمؤيدين للنظام، يرفعون الأعلام وصور الرئيس ويهتفون «الله سورية بشار وبس»، ويطلقون أبواق السيارات بينما يتفرج عليهم رجال الشرطة.

وشهد جامع الرفاعي الواقع في ساحة كفرسوسة، أمام «مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر»، خروج متظاهرين بعد صلاة الظهر ولم تسجل حالات مواجهات مع الأمن أو مع المؤيدين الذين لوحظ حضورهم السريع إلى مكان الاعتصام وتولي مهمة ضرب المتظاهرين.

كما شهدت مدينة حمص خروج آلاف المتظاهرين. وقال شهود عيان هناك إن آلاف المتظاهرين اعتصموا في الشارع الواصل بين الساعة الجديدة وجامع خالد بن الوليد، وتجمع مقابلهم نحو 800 من المؤيدين. وكانت قوات الأمن والجيش موجودة في المكان وجهدت كي تمنع حصول أي احتكاك بين الفريقين. ولكن مع ارتفاع هتافات المتظاهرين المطالبة بإسقاط المحافظ الذي عانى أهالي حمص الكثير من قراراته التعسفية لوحظ ظهور عناصر توجه المجاميع نحو هتافات بدت غريبة على أهالي حمص مثل رفع حالة الطوارئ وهتافات معادية لحزب الله وإيران.. سرعان ما يتراجع المتظاهرون عن استخدامها. وقال شاهد عيان إنه عند ارتفاع هتافات ضد النظام حصلت اشتباكات وحالة فوضى، وهنا تدخل الأمن وجرى إلقاء 8 قنابل مسيلة للدموع لتفريق الجموع. وتمت ملاحقة المتظاهرين في الشوارع، كما جرت اعتقالات لنحو 30 شخصا منهم ولا تزال الملاحقات مستمرة.

وقال شهود عيان في وقت لاحق، إن طريق حمص - تلبيسة تم قطعه من بلدة تلبيسة القريبة من مدينة حمص. من جانب آخر خلال اشتباكات حمص التي استمرت نحو 3 ساعات تم إحراق سيارتين وتكسير عشرات السيارات من تلك المتوقفة في الشارع وسماع إطلاق نار في عدة أحياء في حمص حي كرم الزيتون باب الدريب، وهي منطقة مختلطة (فيها بدو، وسنة، وعلويون). ولا أحد يعرف بالضبط ماذا يجري هناك، السكان قابعون في بيوتهم لا يجرؤون على الخروج.

كما شهدت حلب واللاذقية خروج الشباب للتضامن مع درعا ويرددون هتافات تطالب بالحرية، ففي حلب خرج نحو 100 شاب في منطقة الجامع الكبير يرددون الهتافات المناصرة لدرعا والمطالبة بالحرية. ونقل شهود عيان خروج العشرات في شارع القوتلي والشيخ ضاهر في مدينة اللاذقية، وقالوا إن الطرق كلها أغلقت في حي الشيخ ضاهر في اللاذقية، بعد ظهر يوم أمس، بحاويات النفايات وإشارات المرور. وتم إحراق سيارات تابعة للحكومة وللأجهزة الأمنية، وهناك هجوم من المؤيدين بالعصي والحجارة، ويجري إطلاق رصاص وأهالي يحاولون إسعاف المصابين ومدهم بالماء.

وفي مقابل المظاهرات المعادية للنظام، خرجت أيضا مسيرات سيارة تأييد للأسد، بعد إعلان مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، عن حزمة من القرارات بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية. ونقل التلفزيون السوري على الهواء مباشرة لساعة متأخرة من الليل مشاهد لتلك المظاهرات في الحسكة شمال شرقي البلاد وحلب ودمشق وغيرها من المدن السورية. وجابت آلاف السيارات شوارع مدينة دمشق وحلب واللاذقية ومدن أخرى، كما شهدت مناطق في الكثير من المدن خروج الآلاف ليعلنوا عن رضاهم وتأييدهم لتوجيهات الأسد الجديدة. وكان الرئيس السوري، بشار الأسد، قدم تعهدا، أول من أمس، لم يسبق له مثيل بتوسيع الحريات وتحسين مستوى معيشة السوريين. ولكن شخصيات المعارضة السورية قالت إن وعود الأسد لا تلبي طموحات الشعب ومماثلة لتلك الوعود التي تكررت في مؤتمرات حزب البعث، حيث يتم تشكيل لجان لدراسة إصلاحات لا ترى النور أبدا. وبينما كانت شعبان تقرأ قائمة بالأوامر تضمنت إلغاء محتملا لحالة الطوارئ المفروضة في سورية منذ 48 عاما، قالت جماعة حقوقية إن السلطات السورية اعتقلت مازن درويش، الناشط البارز المؤيد للديمقراطية. وقالت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس الأسد، في مؤتمر صحافي، إن الأسد لم يأمر قوات الأمن بإطلاق النار على المحتجين. وكانت شعبان تعلن عن تنازلات لم يكن من الممكن تصورها في سورية قبل 3 أشهر. وأضافت أن الأسد سيقدم مشاريع قوانين تمنح حريات لوسائل الإعلام وتسمح بتشكيل حركات سياسية غير حزب البعث الذي يحكم البلاد منذ نصف قرن تقريبا.

وتجاهل الأسد، الذي وعد بالإصلاحات عند توليه السلطة في عام 2000، المطالب المتزايدة لإلغاء قانون الطوارئ والسماح بحرية التعبير وحرية تكوين جمعيات وإطلاق سراح السجناء السياسيين واستقلال القضاء وكبح سيطرة جهاز الأمن المتغلغل في البلاد وإنهاء احتكار حزب البعث للسلطة.