الرمثا الأردنية تتعاطف مع درعا السورية بسبب تداخل العائلات والتجارة

تداخل الأراضي والملكيات على الحدود مشكلة ما زالت قائمة منذ زمن الاستعمار

سوريون يهتفون بعبارة «حرية» في مظاهرة بمنطقة ضائل قرب مدينة درعا الجنوبية أمس (رويترز)
TT

عبرت العشائر الأردنية التي لها امتداد في سورية عن أسفها لسقوط ضحايا في أحداث مدينة درعا والإفراط في استخدام القوة من قبل الجيش ضد أبناء عمومتهم. فالزائر لمدينة الرمثا الأردنية يلحظ بوضوح تام مدى تداخل العشائر والعائلات بينها وبين مدينة درعا على الحدود الأردنية السورية.

وخلال جولة في أحياء المدينتين يجد الزائر تشابها في أسماء المحال التجارية التي اقترنت بأسماء العشائر والعائلات التي فرقتها اتفاقية سايكس - بيكو زمن الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي عام 1917.

وعندما رسم المستعمرون خرائطهم على الورق لم يدركوا أن قسمتهم ستبقي معاناة إلى أن يومنا الحاضر جراء ملكيات الأراضي المتداخلة بين العشائر في المنطقة الحدودية وأن الأشقاء وأبناء العمومة سيحمل كل واحد منهم جواز سفر مختلفا عن الآخر وأن الزيارات بينهم ستتضاءل مع مرور الزمن خاصة أن سلطات البلدين يفرضان رسوما على عبور الإفراد والمركبات حدودهما.

فلو أراد احد أبناء قبيلة الزعبي التي تسكن الرمثا، وهي أكبر قبائل حوران ولها امتداد على طول سهل حوران أو عشائر الشرع أو النصر أو السميرات أو الوردات أو غيرها من العشائر، زيارة أبناء العمومة في الجانب الآخر ولديه سيارة خاصة، عليه أن يدفع للسلطات الأردنية رسوم مغادرة عليه وعلى مركبته، وتأمينها وهو ما يصل إلى أكثر من مائة دولار، بالإضافة إلى رسوم أخرى يتقاضاها الجانب السوري تصل إلى خمسة عشر دولارا لتوثيق دفتر المرور. وكذلك الحال بالنسبة للمواطن السوري حيث يدفع نفس الرسوم تقريبا للسلطات السورية وخمسة عشر دولارا للسلطات الأردنية.

وبسبب ارتفاع هذه الرسوم فإن المواطنين يفضلون السفر بسيارات الأجرة ويدفع نحو 12 دولارا رسوم مغادرة لسلطات بلاده حيث إن هناك مئات السيارات العمومية التي تعمل ليل نهار بين المدينتين بحركة نشطة على مدار العام فالأهالي في المدنيتين يتواصلون مع أقاربهم ويسهرون ويعودون إلى منازل لقرب المسافة بينهما التي لا تتعدى ستة كيلومترات وأحيانا تكون المسافة أقل من ذلك في مناطق حدودية أخرى مثل بلدات الذنيبة والطرة والشجرة.

وتعد سوق البحارة في مدينة الرمثا معلما سياحيا واقتصاديا مهما للمدينة وهي من أشهر الأسواق الشعبية فيها وتحظى باهتمام الأهالي من النساء والأطفال الذين يزورونها لشراء المنتجات والمأكولات المتنوعة، التي تخص جميع أساسيات البيت. وتشهد السوق ازدحاما كبيرا مع لحظات الصباح الباكر التي تتزامن مع شروق الشمس يومي الجمعة والسبت حيث تكتظ ساحاتها بالرواد والمتسوقين والبائعين.

وتتفرع السوق لأكثر من شارع تضم المحلات التي تعتليها اسم عائلة صاحب المحل أو أحد أبنائه وأحيانا تكون الأسماء سورية ويبدو أن الهدف منها الدلالة على هؤلاء الأشخاص الذين يملكونها ليتمكن المشتري من التعرف عليها عند الرغبة بالعودة للشراء منها مرة أخرى. ويقول محمد الزعبي: «من يدخل السوق يتخيل نفسه وسط أسواق دمشق لامتلاء هذه الأسواق بالبضائع السورية والمأكولات الشعبية التي تتميز بأسعار مناسبة للعائلات ذات الدخول المتدنية والمحدودة فترى الإقبال الكبير على أسواق الرمثا من قبل المواطنين القادمين من مختلف أنحاء الأردن للتسوق للفروق الواضحة في الأسعار خاصة الملابس والمواد التموينية».

ويشير رئيس غرفة تجارة الرمثا عبد السلام الذيابات إلى أن سبب تسمية السوق بالبحارة لموقع الرمثا الجغرافي، حيث تعتبر الميناء الشمالي للأردن، لافتا إلى أن جميع البضائع التي يحضرها من أطلق عليهم اسم البحارة تخضع للرسوم الجمركية وللضرائب التي تحددها الحكومة الأردنية وأن السوق ينتعش حسب المواسم.

وعلى خلفية أحداث درعا الأخيرة، ارتفعت الأسعار في أسواق الرمثا جزئيا وسط تخوف من ارتفاعات متواصلة حسب قول تجار ومواطنين. ويعتمد السوق الرمثاوي على البضائع السورية اعتمادا كبيرا وبنسبة تصل إلى 90% من البضائع التي يتم تداولها في المدينة نفسها أو في تجارتها مع المدن الأردنية الأخرى.

ويقول محمد أبو سرحان إن الوضع في مدينة درعا الحدودية تسبب في إغلاق الكثير من المحال فيها مما قلل من كميات البضائع التي تنقل إلى الأردن مؤكدا أن بعض السلع ارتفعت أسعارها.

وأشار أحد البحارة فضل عدم ذكر اسمه إلى أن أغلب المحلات التجارية في درعا مغلقة بسبب الأحداث التي وقعت في المدينة مؤكدا أنهم أحيانا يعودون دون أي بضائع.

ويسافر المواطنون الأردنيون إلى سورية بحذر، خاصة أولئك الذين تنتهي أسماؤهم الرباعية بعائلات مشتركة موجودة في الأردن وسورية بعد وقوع ضحايا في درعا على خلفية التظاهرات المطالبة بالإصلاح السياسي وفق ما أكدته مصادر على الحدود الأردنية - السورية. وفيما أكد بعض الموجودين على الحدود أن نصائح تقدمها إدارات الحدود المشتركة لبعض المسافرين ممن تنتهي أسماؤهم بعائلات معروفة ومقيمة لدى الدولتين بعدم السفر إلى سورية خشية تعرضهم لمسائلة من الجانب السوري، نفى مصدر أمني الأمر داعيا الناس لعدم المبالغة في الأمر.

ورغم تداخل الحدود بين الجانبين الأردني والسوري فإنهما تباحثا أكثر من مرة لترسيم الحدود بينهما خاصة أن هناك أراضي لأردنيين في الجانب السوري وكذلك العكس أراض لسوريين في الجانب الأردني.

وفي فترات سابقة كانت هذه الأراضي ممنوع الوصول إليها. ولكن مع تحسن العلاقات بين البلدين فإن هناك ترتيبا أمنيا بحيث يدخل المزارع لمرة أو عدة مرات في السنة لحراثة أرضه وزراعتها وينتظر حتى حصاد المحصول لكن بعض المزارعين في كلا الجانبين فضلوا زراعة أراضيهم بأشجار الزيتون لأنها شجرة لا تحتاج إلى العناية والري وإنما لجني المحصول لمرة واحدة في العام تحت رقابة حرس الحدود.

يقول محمد الدرابسة إنه اتفق مع أبناء عمومته للبقاء على اتصال عبر خطوط الهاتف النقالة الأردنية لأن سعر المكالمات فيها رخيص ويلبي الحاجة وأن المكالمة أحيانا توفر عناء السفر وأحيانا يشاهد الطرفان بعضهما البعض على جانبي الحدود وهما يتحدثان حيث كنا في السابق نحتاج إلى مكبرات صوت لسماع بعضنا البعض لكن الهواتف النقالة حافظت على خصوصية الحديث بدلا من أن يسمع معظم أهل البلدة.

أما فراس الزعبي فقد قال لـ«الشرق الأوسط» إنه سيتزوج ابنة عمه في درعا، وتم وضع الترتيب الخاص لحفلة العرس ومرور موكب العرس (الفاردة) عبر الحدود ولكن عندما تهدأ الأحداث في درعا وتعود الأمور إلى سابق عهدها سنذهب ونحضر العروس من هناك مشيرا إلى أن المصاهرة بين أبناء العمومة في المدينتين كثيرة وحالات زفاف تنشط في فصل الصيف. ويروي محمود وردات من الرمثا لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تألمنا لما حدث في درعا وقد سمعنا إطلاق العيارات النارية خلال الأيام الماضية وتلقينا رسائل نصية ونداءات استغاثة من أبناء عمومتنا وأصدقاء لنا في درعا من أجل إبلاغ الصليب الأحمر الدولي من أجل إنقاذ وإسعاف الجرحى ولكن ليس باليد حيلة لا نستطيع عمل شيء سوى إبلاغ السلطات الأردنية بذلك والتي لم تفعل شيئا».

أما العلاقات الأردنية - السورية، فقد سادها أحيانا توتر منذ ترسيم الحدود وكانت تتأثر بالمواقف السياسية لكل بلد، خاصة أن الأردن كان تحت الاستعمار البريطاني وسورية تحت الاستعمار الفرنسي. وكانت الثورات في كلا الطرفين تتلقى دعما من الطرف الآخر حتى وصل المد القومي الناصري والبعثي مدينة الرمثا وخرجت مظاهرات كبيرة عام 1958 تطالب برفض حلف بغداد ورفع العلم السوري على حدها الغربي واضطر الجيش الأردني إلى دخول المدينة وانتشر فيها لمدة شهرين حتى رفع أهاليها برقيات ولاء للملك الراحل الحسين بن طلال لكن العلاقات بدأت تتوطد وتأخذ مسارها الصحيح في عام 1976 عندما وقع الملك الراحل الحسين بين طلال والرئيس الراحل حافظ الأسد على بروتوكول تعاون بين البلدين.

واتخذت حينها إجراءات لتسهيل العبور على البطاقة الشخصية. إلا أن ثورة الإخوان المسلمين في حماة وعدد من المدن السورية، واتهام الأردن بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، دفع إلى إلغاء جميع التسهيلات والعودة إلى المربع الأول. وحشد كل بلد قواته على حدود الآخر حتى قام الملك حسين بزيارة إلى دمشق في عام 1984 وتحسنت العلاقات مرة أخرى حيث اتخذت إجراءات لتسهيل عملية العبور بين البلدين وما زالت جارية حتى الآن وقامت مشاريع اقتصادية وتنموية.

وقد اجتمعت لجنة تداخل الملكيات الأردنية - السورية المنبثقة عن اللجنة التوجيهية العليا في منطقة نصيب السورية من أجل استكمال التباحث حول تداخل الملكيات بين البلدين تمهيدا لاستكمال ترسيم الحدود بينهما. واتفقا على استملاك الجانب السوري لمنطقة الطبريات الزراعية الغنية والبالغ مساحتها ألفا دونم وخربة عواد الزراعية الحدودية والواقعة إلى الشمال من قرية أم القطين الأردنية وبمساحة نحو 1600 دونم، كذلك تم الاتفاق على الإبقاء على المثلث السوري الأردني الفلسطيني دون ترسيم مع الاعتراف السوري للأردن بالسيادة عليه. وزودت لجنة تداخل الملكيات السورية الجانب الأردني بخارطة تسمى أرض العرب السوريين، وهي خارطة عائدة إلى ترسيم الحدود في عام 1932 بين الانتداب البريطاني والانتداب الفرنسي، وتطلب بموجبها سورية الإجابة عن بيان توزيع ملكيات على مواطنين أردنيين في القرى الحدودية تدعي أنها ملكيات مواطنين سوريين داخل حدود الأراضي مشيرة أن المساحة تتمثل بشريط على امتداد طولي للحدود وبعمق في الأراضي الأردنية 4 آلاف متر مربع مع بيان كيفية توزيعها على مواطنين أردنيين. يشار إلى أن لجنة ترسيم الحدود بين سورية والأردن تشكلت عام 1990 ووضعت تقريرها عام 1992 ورفعته إلى رئاستي الحكومتين، ويقول الأردن إن له 125 كلم يسيطر عليها الجانب السوري مقابل 2.5 كلم للجانب السوري لدى الأردن.

وتنتشر قبيلة الزعبي، أكبر وأقوى قبائل حوران، في البلدات التالية:

- بلدة المسيفرة التي تبعد 21 كلم شرقي درعا.

- بلدة اليادودة التي تبعد 7 كلم غربي درعا، ويمر منها وادي أبو الذهب.

- بلدة الطيبة التي تبعد 51 كلم جنوب شرقي درعا، ويمر في منتصفها وادي وخط حديدي، وتعتبر من القرى القديمة والعريقة في حوران.

- بلدة دير البخت التي تبعد 70 كلم شمالي درعا.

- بلدة خربة غزالة التي تبعد 12 كلم شمالي درعا. ومن مواليد بلدة خربة غزالة ابن القبيلة، محمود الزعبي رئيس الوزراء السوري الأسبق.