غموض حول مستقبل القوات الخاصة العراقية بعد رحيل الأميركيين

مخاوف من تحولها إلى ميليشيا إذا بقيت تابعة للمالكي

عناصر في القوات الخاصة العراقية ينفذون عملية اعتقال في بغداد (أ.ب)
TT

على مدار عدة ليال في الأسبوع، تنطلق قوات خاصة عراقية وأميركية مستقلة عربات «هامفي» أو على متن طائرات هليكوبتر بلاك هوك للقبض على متطرفين في المنطقة الأكثر توترا في العراق. وبعد سنوات من التدريب مع نظيراتها الأميركية، أخذت القوات العراقية المتشحة بالسواد زمام الأمور، وتقوم بشن غارات والقبض على المشتبه فيهم، في حين يراقب مستشاروهم الأميركيون تنفيذها المهمة.

لدى الولايات المتحدة قوتها العسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب على الأراضي العراقية، وقد ظل لعملها أولوية حتى مع انخفاض عدد القوات العسكرية الأميركية المقاتلة، استعدادا لانسحابها التام بنهاية العام.

غير أن المدربين التابعين للعمليات الخاصة الأميركية يقولون إن مهمتهم قد انتهت تقريبا، حيث أصبح نحو 4,100 من أفراد قوات العمليات الخاصة في العراق - المدربين والمجهزين بتدعيم من الولايات المتحدة - على أهبة الاستعداد ليكونوا الحصن الرئيسي في مواجهة المتمردين.

وتثير قيادة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بصورة مباشرة القوات النخبوية مخاوف لدى بعض الأحزاب والطوائف السياسية العراقية، خشية أن تتحول الوحدات إلى ميليشيا خاصة. وقد أنكر المالكي احتفاظه بقوة أمن خارج تسلسل القيادة المعتاد، إلا أن الولايات المتحدة تضغط من أجل ضم القوة إلى تسلل قيادة تقليدي، تشرف عليه وزارة الدفاع.

وفي الموصل، التي تعد إحدى أبرز المناطق بالنسبة لعمليات مكافحة الإرهاب في العراق، تتباين المخاوف إزاء تدخل رئيس الوزراء. وفي يوم قريب، كان العقيد فرهاد حاجي عمر، وهو كردي يقود كتيبة الفدائيين الإقليمية السابعة الموجودة في كامب ماريز التابع للجيش الأميركي، ويركز كل جهده على تلك المهمة في وقت متأخر من تلك الليلة. وقد استخدم فرهاد، الذي كان يرتدي ملابس الجيش السوداء المميزة لوحدته، عرض تقديمي «باور بوينت» وقلم ليزر أحمر لتوضيح الأمر إلى رجاله البالغ عددهم 34 والمدربين الأميركيين التسعة. وعرض صورا جوية لمنطقة مجاورة تقع في مدينة تلعفر حيث خططوا للقبض على شخص مشتبه في قيامه بتجهيز سيارات مفخخة وصنع قنابل تزرع على جوانب الطرقات. وقد أكدت عمليات استخباراتية استغرقت أسابيع على أنه مختبئ، وربما أخواه كذلك، في منزل آمن عند حافة المدينة.

وقال قائد بالقوات الخاصة الأميركية: «في البداية، كنا نقوم بالتخطيط وتنفيذ الضربات. أما الآن، نقدم نصائح بعد انتهاء المهمة». وفي بعض الأحيان يقدم الأميركيون المزيد، بتقديمهم الدعم الاستخباراتي قبل وأثناء المهام العسكرية ويستخدمون أسلحتهم، عند الضرورة، في الدفاع عن النفس.

كان القائد الأميركي قد قضى أربع جولات لتدريب جنود عراقيين، وتوشك مدة بقائه في العراق على الانتهاء، وأشار إلى أن مهمته قد انتهت تقريبا. وقال الضابط، الذي لم يتم الإفصاح عن هويته، كغيره من المشاركين في القوات الخاصة الأميركية، لدواع أمنية: «يمكن لهؤلاء الفتية أداء المهمة بأنفسهم».

جلس فهد خلف مدفع في السيارة الهامفي العراقية الموجودة في المقدمة، بينما قامت مجموعة مكونة من تسع سيارات تدخل إلى الشوارع المهجورة داخل الموصل، والتي تعد ثاني أكبر مدينة في العراق، في سكون الليل. ونزولا عند رغبته، ارتدى الأميركيون الملابس السوداء نفسها التي يرتديها رجاله، بحيث لا يعتقد المشتبه فيهم أن الولايات المتحدة هي التي كانت تقود العملية العسكرية. وكانت المركبات الثلاث التي أقلت الجنود الأميركيين مطلية بدهان التمويه نفسه الذي استخدمه الجيش العراقي. وعلى الرغم من دورهم الثانوي، فإن الأميركيين كانوا مسلحين بالكامل. وقال أحد الضباط: «إننا سنظل في الخلفية، لكننا سنستخدم قوة السلاح المميتة، إذا اقتضى الأمر».

ومن خلال قيامهم بالضغط على شاشة مسطحة والتواصل مع هؤلاء الذين يتحكمون في طائرات استطلاع من دون طيار محلقة في عنان السماء، ركز الجنود الأميركيون على الأضواء الخلفية الخافتة المنبعثة من سيارة فرهاد بينما كانوا متجهين سريعا صوب مدينة تلعفر، متفادين الحفر والكلاب الضالة.

وأشار ضابط استخبارات بالقوات الخاصة الأميركية إلى أن العراقيين «لا يتجهون إلى هناك فقط للقبض على الرجل». وذكر أن المشتبه بهم يجب أن تقرأ عليهم أولا مذكرة خاصة باعتقالهم كتبها قاض في بغداد. وبعد إلقاء القبض على أحد المشتبه فيهم، يجب أن يؤكد المصدر الذي أمد بمعلومات عن مكان المشتبه فيه أنه قد تم إلقاء القبض على الشخص المطلوب.

وباستخدام أجهزة الرؤية الليلية التي تزود بها الولايات المتحدة، تدفقت أعداد هائلة من القوات الخاصة العراقية في هدوء إلى منزل متهالك مكون من طابق واحد بالقرب من مدينة تلعفر. وبعد ثوان، جثا رجل على ركبتيه عند الباب واضعًا يديه خلف ظهره. وقام أحد معاوني فرهاد بقراءة أمر حقوقه ومذكرة الاعتقال له. وأومأ الجنود الأميركيون، الذين لا يمكن التعرف عليهم سوى من خلال علم أميركي صغير بزيهم الرسمي عند الأكتاف، تعبيرا عن رضاهم. وبمجرد أن أكد الرجل على وجود أحد أخويه المطلوب القبض عليهما في منطقة مجاورة، اتخذ فرهاد قرارا سريعا بالإتيان به هو الآخر، وعن طريق الهاتف، ضمن الحصول على مذكرة اعتقال.

وعندما لم يفتح الباب الحديدي المؤدي إلى منزل الأخ بعد عدة ركلات، استخدم الجنود العراقيون مدقا معدنيا لكسره. وبمجرد دخولهم، قاموا بالقبض على المشتبه فيه، وسط بكاء زوجته وأطفاله، حيث قام فريق تصوير تابع للقوات الخاصة العراقية بالتقاط صور للعملية بأكملها، لجمع أدلة مضادة لأي اتهامات بإساءة المعاملة. وقد ذكر أن أخا ثالثا توجد مزاعم بأنه قام بتمويل الخلية الإرهابية بأموال مجلوبة من سورية، مختبئ في الموصل. وقال فرهاد: «سنمسك به غدا».

لقد كانت قوات العمليات الخاصة العراقية دائما مثارا للجدل. وقد أكد تقرير صادر عن مكتب المفتش العام لإعادة إعمار العراق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على المخاوف المتزايدة بشأن الإشراف الضعيف على القوات الخاصة، المنقسمة إلى لواءين، أحدهما في بغداد والآخر موزع في كتائب بمختلف أنحاء الدولة. وذكر أيضا أن الحكومة العراقية لا تستثمر في الوحدات، التي تشكلت اعتمادا على معونة أميركية قيمتها 237 مليون دولار. وفي فبراير (شباط) الماضي، ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش أن قوات النخبة الخاضعة لسيطرة المالكي كانت تدير مواقع احتجاز سرية في بغداد، والتي كانت تساء معاملة السجناء فيها.

ويساور بعض نشطاء حقوق الإنسان في العاصمة العراقية الشك في أن اللواء الموجود في بغداد ربما يكون قد لعب دورا في الإجراء العنيف نهاية الشهر الماضي ضد المشاركين في المظاهرات المؤيدة للإصلاح هناك.وأشار الفريق الذي يوجه الأوامر للواءين إلى أن المخاوف الأميركية بشأن إشراف رئيس الوزراء على القوات الخاصة في العراق كانت زائفة. وقال طالب الكناني: «في الولايات المتحدة، الرئيس هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذن، لماذا لا يكون الوضع كذلك في العراق؟» وأشار إلى تدخل قواته أثناء عملية اختطاف أعداد ضخمة من المسيحيين العراقيين في كنيسة بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) كدليل على أن قواته كانت تعمل لصالح الدولة وكانت لديها القدرة على تحمل المسؤولية. وقال الكناني: «لم ننتظر الأميركيين عندما شاهدنا العمليات التي يقوم بها هؤلاء الإرهابيون». وعلى الرغم من مقتل العديد من الأشخاص، إلا أن ضباط القوات الخاصة العراقية الذين دخلوا الكنيسة تمكنوا من القبض على المهاجمين الذين كانوا يرتدون أحزمة ناسفة. وذكر الكناني، وهو يرتشف كوبا من الشاي الحلو في مكتبه: «لو انتظرنا مدة أطول، لكان الجميع قد لقوا حتفهم ولكانت الكنيسة قد تدمرت».

وأعرب المستشار الأعلى في القوات الخاصة الأميركية الذي يقدم استشارته للعراقيين والمقيم في بغداد، عن موافقته على أن عملية احتجاز الرهائن التي وقعت في أكتوبر كان من الممكن أن تتحول إلى «كارثة شاملة»، لو لم تستجب القوات الخاصة العراقية بسرعة. وذكر أن قوة النخبة وصلت إلى أعلى مستويات الاحتراف وأن أي تساؤلات بشأن الإشراف القانوني عليها كانت خارج نطاق اختصاصه. وأشار قائلا: «هؤلاء ليسوا تحت أوامر رئيس الوزراء»، مشيرا إلى أنهم مقاتلين ممتازين. وقال: «في النهاية، الأمر متروك للمسؤولين العراقيين لصياغة الإطار القانوني الخاصة بقواتهم. فهذا خارج اختصاصنا».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ («الشرق الأوسط»)