التماس «إنساني» لسجناء الحدود المنسيين بين الهند وباكستان

محكمة هندية تطلب من باكستان إطلاق هندي مسجون منذ 27 سنة لعبوره الحدود «بالخطأ»

صورة أرشيفية لحراس حدود هنود يسعون لتأمين مرور سجين هندي بعد إطلاق سراحه من باكستان (أ.ب)
TT

في واحدة من أكثر الحوادث غرابة، خاطبت المحكمة العليا في الهند ضمير حكومتي الهند وباكستان، وطلبت الإفراج عن هندي مسجون في باكستان منذ أكثر من عقدين، لاعتبارات إنسانية. لكن المحكمة الهندية لا تتمتع طبعا بصلاحيات داخل باكستان تمكنها من منح عفو عن جوبال داس، وهو سجين هندي، يبلغ من العمر 49 عاما، ومودع في سجن لاهور المركزي منذ نحو 27 عاما.

وتعكس حالة داس معاناة الكثيرين من مواطني البلدين الذين يضل المئات منهم الطريق، ويدخلون إلى أراضي الدولة الأخرى من حين لآخر. وقد شهدت كل من الهند وباكستان، قضاء مواطنين أبرياء معظم فترات حياتهم داخل السجون بعد القبض عليهم من قِبَل حراس حدود الدولتين. وحتى يومنا هذا، لا يزال المئات من مواطني الدولتين مودعين بالسجون من دون أي مخرج، وقد وافت الكثير منهم المنية داخل السجن.

وقد اعتقل جوبال داس، أحد مواطني ولاية البنجاب بالهند، بعد أن ضل طريقه إلى داخل باكستان منذ 27 عاما، وظل معتقلا داخل باكستان منذ ذلك الحين، بموجب قانون الأسرار الرسمية الباكستاني. وبعد الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، استمر داس في المعاناة، وهو مجرد واحد من بين كثيرين آخرين مجهولي الهوية يعبرون الحدود الفاصلة بين الدولتين من دون قصد ويتم إلقاء القبض عليهم. ويقع هؤلاء في فخ اللامبالاة البيروقراطية من جانب الدولتين اللتين لا تبذلان سوى القليل من الجهد لتحرير المواطنين الأبرياء من الجانب الآخر من الحدود. وفي الوقت نفسه، تمضي أسرهم، التي تكون عادة في حالة من الفقر والجهل، سنوات تطرق أبوابا عدة سعيا لتحريرهم وفك أسرهم.

وتقدم القاضيان بالمحكمة العليا، ماركاندي كاتجو وغيان سودها ميسرا بالتماس إلى الحكومة الباكستانية، قالا فيه: «لا يمكننا إعطاء أي توجيهات للسلطات الباكستانية نظرا لأننا لا نملك أي صلاحيات قضائية مهنية عليها. لكن على الرغم من ذلك، فإن هذا لا يمنعنا من أن نتقدم بطلب للسلطات الباكستانية للنظر في التماس السجين (جوبال داس) بإسقاط العقوبة المتبقية عنه والإفراج عنه لأسباب إنسانية».

وإضافة إلى ذلك، اقتبست المحكمة الهندية سطرا من قصيدة للشاعر الباكستاني فايز أحمد فايز، الذي يحظى باحترام في كل من الدولتين، يقول ما معناه: «القفص حزين، يا صديقي، حينما لا يكون الطائر حرا طليقا، قل شيئا للنسيم. إن أرض الله واسعة. واليوم، دعنا نسمع أخبارا عن الأصدقاء».

وأشارت المحكمة إلى زيارة قام بها أخيرا وفد باكستاني وطلب خلالها إطلاق سراح السجناء الباكستانيين في الهند. وأشارت هيئة المحكمة قائلة: «لقد طالبوا بإطلاق سراح السجناء الباكستانيين، وردت الحكومة الهندية على ذلك بإطلاق سراح الكثيرين منهم. هناك روح إنسانية من الجانبين، نستحسنها. ولهذا، فإننا نطالب السلطات الباكستانية بالنظر في التماس السجين بإسقاط الفترة المتبقية من مدة عقوبته وإطلاق سراحه».

وفي حقيقة الأمر، كان قد تم استخدام هذه النبرة في أمر قضائي سابق صدر في مارس (آذار) 2010 حينما أصدرت المحكمة العليا أمرها بإطلاق سراح 16 سجينا باكستانيا أنهوا مدة عقوبتهم في الهند. وقالت حينها: «بموجب الدستور، فإن احتجاز السجين ولو لثانية واحدة بعد انتهاء مدة عقوبته يعد إجراء غير قانوني. والآن تضع الحكومة الهندية شرط قيام باكستان بإعادة عدد مماثل من السجناء، وإلا لن تعيد مواطنيها المحتجزين. ولكن إذا لم تتخذ باكستان الإجراء الصحيح، فهل ذلك يعني أن علينا أيضا اتباعهم؟». وقد نص الأمر الصادر عن المحكمة العليا في عام 2010 على ما يلي: «فيما يتعلق بالسجناء الأجانب الذين كانوا محتجزين بالسجون وأنهوا مدة عقوبتهم، والذين كانت جنسيتهم محددة وتم قبولهم من جانب البلد التي نشأوا فيها، يجب أن يتم ترحيلهم على الفور إلى بلدهم. وبشأن السجناء الذين أنهوا مدة عقوبتهم، ولكن لم تكن جنسيتهم محددة، فإننا نطلب من الوزارة المعنية تحديد جنسيتهم بأقصى سرعة ممكنة، بحيث يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة حيالهم».

والمفارقة هي أن المواطنين الأبرياء من كلا الدولتين يعانون من أجل الحصول على مساعدة قانونية. ومن أجل التعامل مع ذلك الأمر، بدأت السلطات بالسماح لهم بالاتصال بالمحامين. وكان ذلك نتيجة اتفاق ثنائي بين الهند وباكستان، ولكن لا يتم الالتزام به كثيرا بسبب العلاقات المتوترة بين الدولتين. وأوصت اللجنة الهندية - الباكستانية المعنية بشؤون السجناء، التي تشكلت عام 2006، وتضم أربعة أعضاء من الهند ومثلهم من باكستان، بالسماح بالاتصال بمحامين على الفور لمثل هؤلاء السجناء، ويجب السماح للجميع بالحصول على المساعدة القانونية في كل مراحل القضية. ولم يتحقق ذلك إلا ثلاث مرات حتى الآن.

ويقول جاتين ديساي، وهو باحث في «فوكس أون ذي غلوبال ساوث» (مركز أبحاث غير حكومي له فروع في كل من الهند وتايلاند والفلبين): «يجب أن تجتمع اللجنة بصورة منتظمة، حيث يقع الصيادون الفقراء بكل من الهند وباكستان ضحايا للعلاقات السياسية العدوانية. يضل هؤلاء الطريق من دون قصد ويدخلون إلى المياه الإقليمية للدولة الأخرى، ويتم إلقاء القبض عليهم وتصدر بحقهم أحكام سجن. ويصبح من الصعب خروجهم من السجن على الرغم من أن الكثير منهم أنهى فترة العقوبة الصادرة بحقهم».

ومن المنتظر أن يستغرق إطلاق سراح داس بعض الوقت، وربما لن يحدث في وقت قريب، على الرغم من قضائه 27 عاما في السجن. ولكن هذا الحكم الأخير يخاطب ضمير كلا الدولتين ويدفعهما إلى القيام بشيء، لا سيما مع وجود الكثير من السجناء الأميين الذين لا يعرف أحد بمكانهم.