عودة الجدل حول اسم مقدونيا مع بحث القضية في لاهاي

أثينا تتمسك بموقفها أمام المحكمة الدولية

TT

جددت اليونان، عبر رسالة وجهتها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس، رفضها لاستخدام جارتها الجنوبية اسم مقدونيا، إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة المستقلة. وكانت مقدونيا قد تقدمت، قبل أربعة أيام، بشكوى إلى محكمة العدل الدولية، تتهم فيها اليونان بخرق الاتفاق الموقع بين البلدين سنة 1995، والقاضي بحمل مقدونيا اسم «جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة» مؤقتا.

كما تطالب مقدونيا بأن تبحث محكمة لاهاي الدولية، في شرعية استخدام اليونان لحق الفيتو في مؤتمر حلف شمال الأطلسي في بودابست سنة 2008، الذي تم بمقتضاه استبعاد مقدونيا من الانضمام للحلف.

وتقول اليونان، حسب بيان لوزارة خارجيتها، إن مقدونيا هي التي بدأت بخرق الاتفاق المذكور، لأنها توقفت عن استخدام الاسم المتفق عليه قبل 16 سنة. ومن المتوقع أن تستمر محكمة لاهاي في النظر في القضية الخلافية بين الطرفين على مدى 10 أيام، على أن تصدر قرارها بعد العطلة الصيفية المقبلة، أي في الخريف على أقصى تقدير.

وكان الاستفتاء الذي جرى مؤخرا في مقدونيا حول اسمها التاريخي الذي تحمله الآن، قد قلل من فرص التوصل إلى حل للنزاع الذي تشهده البلاد مع اليونان، منذ استقلالها عن يوغوسلافيا السابقة في بداية تسعينات القرن الماضي، بشكل ثنائي، مما أدى إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. ويرفض غالبية المواطنين المقدونيين تغيير الاسم ويطالبون بأن تدخل بلادهم الاتحاد الأوروبي باسم مقدونيا وليس أي اسم آخر. وهي رغبة يتربص بها الفيتو اليوناني، الذي لا يزال يحول دون تحقيق رغبة ما يزيد عن المليونين من سكان الجمهورية اليوغوسلافية السابقة. ووفقا لمعهد «غالوب» للإحصاء، فإن 63 في المائة من مواطني مقدونيا يرفضون تغيير اسم بلادهم، بينما يرى 31 في المائة فقط من السكان أن تغيير الاسم يمكن أن يسرع وتيرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وكانت مقدونيا قد أخذت وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ عدة سنوات، لكنها لم تبدأ بعد مفاوضات الانضمام لعدة أسباب أهمها الفيتو اليوناني، الذي منع في وقت سابق انضمام مقدونيا لحلف شمال الأطلسي، بسب الخلاف التاريخي حول الاسم، ولوجود مقاطعة يونانية تحمل اسم مقدونيا، بالإضافة للشخصية التاريخية المنازع عليها هي الأخرى بين البلدين وهي الإسكندر المقدوني. ويؤيد 77 في المائة من المقدونيين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفق معهد «أبحاث الديمقراطية».

وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذل على الصعيد الأوروبي والأميركي والأممي للتوصل إلى حل بخصوص النزاع بين سكوبيه وأثينا حول اسم مقدونيا، فإن الحل يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن على الأقل بسبب إصرار مقدونيا على رفض أي تعديل على الاسم، بما في ذلك مقترحات الأمم المتحدة وهي «إضافة اسم سكوبيه» لتصبح دولة «مقدونيا سكوبيه»، بينما تستمر اليونان في المطالبة بتغييره أو إضافة اسم آخر للدولة الجارة لأسباب تاريخية وجغرافية تتعلق بميراث ومجد الإسكندر المقدوني 323 - 356 قبل الميلاد، وهو ابن الملك فيليب الثاني وتلميذ أرسطو، الذي يعد قيمة تاريخية لأبناء مملكته التي لم يعد لها وجود في ظل الخرائط الديموغرافية والجغرافية الجديدة لمنطقة البلقان وبالأخص مقدونيا، إضافة إلى وجود إقليم يوناني متاخم لمقدونيا يحمل نفس الاسم. وبدوره يحرص الاتحاد الأوروبي على أن يكون وسيطا غير منحاز لطرف دون آخر في هذا النزاع، فالاتحاد الأوروبي يرغب في أن يتوصل البلدان إلى حل بالتراضي بين أثينا وسكوبيه.

والحجة التي تستند إليها مقدونيا في صراعها مع اليونان هي أن الإسكندر المقدوني أو الإسكندر الأكبر الذي كان «يؤله» برغبة منه، مولود فوق الأراضي المقدونية الحالية، وإنه لم يكن يحمل اسم الإسكندر اليوناني، إضافة لاعتراف نصف الدول، الممثلة في الأمم المتحدة، باسم مقدونيا، من بينها دول تتمتع بحق النقض الفيتو، منها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين. أما اليونان فتعتقد أن مقدونيا ظلت لمدة 5 قرون تحت الحكم العثماني، وبعد حرب البلقان الأولى 1912 - 1913 تغيرت التركيبة السكانية لمقدونيا بعد أن ضمت إليها أجزاء كانت تابعة لألبانيا، من بينها كومانوفو، وتيتوفو. بينما عادت صربيا لتسيطر بدورها على كوسوفو التي أجليت عنها بعد المعركة الحاسمة مع العثمانيين عام 1389. (التي مكنت العثمانيين من السيطرة على البلقان لمدة 5 قرون)، وسيطرت كل من بلغاريا واليونان على أجزاء أخرى من ألبانيا التاريخية. واستعصت مقدونيا بعد ذلك على التقسيم بين صربيا واليونان، على الرغم من الحرب التي شنت ضدها من الطرفين بعد انحسار ظل العثمانيين في منطقة البلقان. ومع قيام دولة يوغوسلافيا الاتحادية الجديدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945 تم ضم مقدونيا إلى الاتحاد المكون من 6 جمهوريات، هي صربيا، والجبل الأسود، وسلوفينيا، والبوسنة، وكرواتيا، ومقدونيا. وفي سنة 1991 حصلت مقدونيا على استقلالها، ولكنها ما لبثت أن دخلت في صراع سياسي مع الجارة اليونان بسبب الاسم، ولا يزال ذلك الصراع مستمرا حتى اليوم.