أميركا تحول «حدائق الحيوانات» لورش عمل بديلة عن المدارس

الساحات المكشوفة خير برهان على نجاح التجارب العملية

تحولت معظم حدائق الحيوانات في أميركا لساحات مفتوحة لتطبيق التجارب النظرية
TT

تقضي أنابيل وجوليا روزز، يوما رائعا، مليئا بالحركة والضجيج، في متحف لونغ آيلاند للأطفال، وقد حصلت الأختان على سائل صابوني وصنعتا به فقاعات ضخمة، وقرعتا على الآلات الموسيقية، ودقتا مسامير على قطع خشبية، وحاولتا التواصل من خلال شفرة مورس ولغة الإشارة الأميركية.

وتسلقت الأختان متاهة عالية، وفحصتا عرضا لفضلات من حيوانات مختلفة في معرض للطبيعة، وتسأل أنابيل (8 سنوات) عما إذا كان ما تراه حقيقيا؟ وإن كانت تلك الفضلات مغطاة ببلاستيك لتحفظها بكل ما تحمل من عظمة مقززة؟ ولاحظت جوليا (6 سنوات) في مشهد مقارب أن فضلات الإوز خضراء اللون. وهاتان الأختان، من ضمن 25.000 شخص، يزورون هذه السنة متحف «لونغ آيلاند»، ذا الـ18 عاما، وأيضا من ضمن 30 مليون شخص، يزورون متاحف الأطفال في أنحاء العالم.

ومن الواضح أن هذه المتاحف، تجمع ما بين التعلم والمتعة، وهي براعة متقنة، وقد نجحت فيها أفضل المتاحف من دون أي جهد، وهذا يوضح لماذا الكثير من هذه المؤسسات يزدهر في أصعب الأوضاع الاقتصادية.

في عام 1975، كان في أميركا فقط 38 متحفا للأطفال، ولكن الآن يوجد 250 مع وجود 80 تم التخطيط لها، وقالت جانيت رايس إلمان، المديرة التنفيذية لجمعية متاحف الأطفال، إن القليل منها تم إغلاقه، وإن الكثير تم توسعته، وتقول أيضا إن الناس يذهبون لمدن كأنديانابوليس وبوسطن ويزورون هذه المتاحف، وهي جزء لا يتجزأ من حياة الأطفال التعليمية وحياة عائلاتهم أيضا، ويريدون أن يستعيدوا هذه المتاحف لمجتمعاتهم.

وتمت إعادة افتتاح متحف ستبينغ ستونز للأطفال، في نوروالك في أواخر العام الماضي، وهذا بعد أن تمت توسعته بشكل كبير، لتصل مساحة المبنى الداخلية لـ42.000 قدم مربع أي ما يوازي ضعف المبنى القديم، وفي روك هيل، تم افتتاح متحف ماين ستريت للأطفال، في ديسمبر (كانون الأول) كجزء من مشروع واسع لتنشيط وسط البلد، وهذا المتحف يستهدف الأطفال في عمر السادسة وأصغر، ويعطي الزوار الفرصة للعب في باخرة، وفي متجر، وأيضا في غيرها من المواقع، وقال اون جليندينق، موظف في المتحف، إنها تتيح للأطفال استكشاف العالم بطريقتهم الخاصة عن طريق اللعب الخلاق.

ومن أكبر الاتجاهات في متاحف الأطفال، أن يطلقوا الأطفال للخارج، للعب في الهواء الطلق، وهذا الشيء من الصعب أن يراه الجيل القديم من الضروريات.

تتذكر الآنسة إلمان، طفولتها، «كنت عندما أكون خارج المدرسة، وأنا صغيرة، فإن أمي لا تراني غالبا في المنزل»، كل هذا يتزامن مع خوف الأهل من كل شيء، ابتداء من سرطان الجلد، والجراثيم، وصولا لخطر الغرباء، فإن الأطفال هذه الأيام يقضون وقتا أقل، في الهواء الطلق أقل مما كنا عليه في جيلنا.

وفقا لجمعية متاحف الأطفال، فإن 35 في المائة من متاحف الأطفال، تحتوي على معارض خارجية وحدائق، وتعيد تقديم الأطفال وعائلاتهم لفكرة استكشاف العالم ما وراء الحجرات ومقاومة ما سماه الكاتب ريتشارد لوف «اضطراب عجز الطبيعة»، كتب لوف عن ربط الأطفال بالطبيعة.

وفي متحف لونغ آيلاند للأطفال، تفتح منطقة اللعب الخارجية (فناؤنا) كل ربيع، ويأمل المتحف أن يتم توسعة الفناء لـ40.000 قدم لأكثر من مساحتها الحالية 3.600 قدم، وأصبح هذا الفناء الأكثر شهرة في المؤسسة، وتحتوي على حديقة للخضراوات حيث يستطع الزوار حصد الجزر والخيار وغيرها من الخضراوات، وأكلها مباشرة بعد قطفها من الأرض، ولكن بعد غسلها طبعا!! ويقول مدير معرض المتحف إيريك شورينك: «إن الأهل يقولون بتعجب، يا إلهي، ولدي يأكل الخضراوات فعلا».

ومن فوائد تجربة متحف الأطفال، أن التعليم يمكن أن يكون مستترا، وفي متحف لونغ آيلاند للأطفال، تجد أنابيل وجوليا أداة غريبة الشكل (نوعا غريبا من البيانو) تبدو كطاولة طويلة مع لوح بلاستيكي عريض تصل للمنتصف، ويحتوي اللوح على شبكة وكرات خشبية، يمكن وضعها في التجويفات، وما إن تم ضبط مجموعة الكرات فإن جوليا تدير الآلة، فيتحرك اللوح للأمام مسقطا الكرات على قضبان آلة الأكسيلفون فتصدر نغمات موسيقية.

ومع القليل من التشجيع، فإنهما يعيدان تشكيل نموذج مشابه لورقة الإرشادات باتباع التوجيهات، وتضعان الكرات في أماكن معينة من الشبكة، وعندما تدير جوليا الآلة، فإن الكرات المتساقطة تصدر نغمة «عيد ميلاد سعيد»، وتتبعان إرشادات صفحة أخرى فتصدر الآلة نغمة «تلألئي أيتها النجمة الصغيرة».

يقول ديفيد يوكو، رئيس الشركة الاستشارية (متاحف وأكثر)، وموظف سابق في المؤسسة الوطنية للعلوم (التعلم غير التقليدي): «ليس عليك أن تكون في الفصل لتتعلم. وإن المتاحف تم تهيئتها لتزودهم بنوع من التعلم وتؤثر على المدارس حتى توسع رؤيتها للتعليم».

يقول اندي ايكرمان، رئيس متحف الأطفال في مانهاتن: إن المتاحف تطبق على عروضها أبحاث حديثة لعلم الأعصاب، بدلا من الدروس التي تأتي غالبا من الفصل الدراسي من خلال تدريبات واختبارات، وهذه المؤسسات تستطيع نشر رسائل سلوكية عن مواضيع كقيمة الصحة والتمارين والتغذية في السنوات الأولى من خلال تجربة «اها» تحدث خارج المدرسة.

تجد أكبر متاحف الأطفال في الدولة - متحف الأطفال في أنديانابوليس، أنه من الممكن أ، تناقش مسائل صعبة أيضا، وتحكي صالة عرضها وهي «تأثير الأطفال: إحداث فرق» قصصا عن آن فرانك، ورايان وايت، وروبي بريدجز، وهم أول الأطفال الذين دمجوا نظام نيو أورلينز التعليمي سنة 1960، وقال جيفري باتشن الرئيس التنفيذي: هذا المتحف ذو الـ68 عاما، يضج بالأنوار والضجيج وبأفكار جدية أيضا، فهو مبنى من 5 أدوار و500.000 قدم مربع، ويمكن أن تحتضن المتاحف مواضيع ذات أهمية.

تتواصل المتاحف وبشكل متزايد مع مجتمعاتها، ولاحظت تامي خان، المديرة التنفيذية لمتحف الأطفال بهيوستن، أن مؤسستها تخدم 50 في المائة من سكانها لديهم «أمية وظيفية»، و45 في المائة من مقيميها لا يتحدثون الإنجليزية في المنزل، وتقول إن نصف هؤلاء الأشخاص يزورون المتحف مجانا أو بتذاكر دخول مخفضة. وإن متاحف كمتحفها هي يمكن أن تساعد في تعليم الأهل، والعرض أمامهم بالأمثلة كيف يتحدثون لأطفالهم بطرق تشجعهم على الاستكشاف والتفكير، وإن طاقم العمل مدرب على التعامل مع الأطفال، وأيضا لتشجيع الأهل لمساعدة طفلهم على صف القطع فوق بعضها، ومناقشة ما الذي قد يحدث للكومة إذا زاد ارتفاعها؟.

وبعد نهار حافل، تستعد أنابيل وجوليا للتوجه للمنزل، ويغادر الطفلان سعيدين في حين أن فوضى متحف الأطفال يمكن أن ترهق أعصاب البالغين، ويناقش الطفلان أجزاءهما المفضلة: لغة الإشارة واستخدام أجهزة هاتف حقيقية، وإجراء مكالمات مطولة (جوليا تتظاهر بأنها تطلب بيتزا من أنابيل)، والتهريج بهواتف الفيديو وبالتأكيد بالفضلات، وأما أنابيل فقد صرحت بأجزائها المفضلة، حينما كتبت في دفتر التقارير «أنه من الرائع أن أسمع كرات تصدر أغنيات».

* خدمة «نيويورك تايمز»