هيئة تحقيق أهداف ثورة تونس توسع تركيبتها أمام مختلف القوى السياسية

عقدت اجتماعا تطرق لملفات حساسة أهمها التحضير لانتخابات المجلس التأسيسي

TT

اجتمعت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس أمس، للاتفاق على توسيع تركيبتها تعزيزا لتمثيليتها، وبدأت في مناقشة الملفات الحساسة التي تركزت خصوصا على مواصفات الهيئة التي ستشرف على انتخابات المجلس التأسيسي في 24 يوليو (تموز) المقبل. وبين أهم هذه الملفات المتعلقة بالهيئة الانتخابية حياد الإدارة وأعضاء الهيئة، وأيضا تحييد دور العبادة لجعلها بعيدة عن الدعاية الحزبية.

وبعكس الاجتماعات الصاخبة السابقة فإن اجتماع أمس «كان هادئا، والمداخلات كانت رصينة ومسؤولة، والكل عبر عن رأيه»، بحسب كمال الجندوبي رئيس الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان العضو في الهيئة التي تعد أبرز هيئات الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

وكانت تركيبة الهيئة مثار جدل في الجلسات السابقة، ويبدو أن الأمور تتجه نحو الحلحلة في هذا الشأن بعد ارتسام توافق على توسيع تركيبة الهيئة وتعزيز صفتها التمثيلية. وكان عياض بن عاشور، رئيس الهيئة، أعلن في تصريحات للصحافيين على هامش الاجتماع أنه «تلافيا للاتهامات بالإقصاء سيتم توسيع تركيبة الهيئة من 71 عضو حاليا إلى نحو 130، بهدف تمثيل أوسع للأحزاب السياسية والجهات والشخصيات الوطنية». وأقر بأنه «كان هناك إقصاء لكنه غير متعمد، والكل يخطئ، والعبرة بمراجعة الخطأ». وأوضح أنه «سيتم توسيع تمثيل الأحزاب ليزداد عدد الأحزاب الممثلة في الهيئة وعدد ممثليها من واحد إلى ثلاثة»، مشيرا إلى ضرورة أن تكون جميع القوى ممثلة «من إسلاميين ويساريين وقوميين عرب».

كما سيتم توسيع تمثيل المنظمات خصوصا الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وعمادة المحامين، ليمثل كل منها بأربعة مندوبين. وسيتم تمثيل الجهات بـ24 ممثلا، أي بواقع ممثل عن كل ولاية «بعد أن يقترح الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أسماء على الهيئة العليا بالتنسيق مع مجالس حماية الثورة في الجهات».

وفي السياق ذاته، ستتم مراجعة لائحة الشخصيات الوطنية المستقلة في الهيئة «زيادة ونقصانا»، خصوصا بهدف «استبعاد من كان دعا إلى مساندة ترشح (الرئيس المخلوع) زين العابدين بن علي لانتخابات 2014».

وكان الحزب الحاكم سابقا في تونس يدعو الرئيس المخلوع إلى الترشح لهذه الانتخابات قبل الإطاحة به في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي. وأكد بن عاشور أنه «تم الاتفاق بالتوازي مع ذلك على أن تستمر الهيئة في عملها ولا تبت في شيء نهائي إلا بعد اكتمال تركيبتها».

من جهته، قال نور الدين البحيري، ممثل حركة النهضة الإسلامية، إن «رئيس الهيئة وبالتنسيق مع رئاسة الوزراء، بصدد ضبط التركيبة النهائية للهيئة حذفا وإضافة. وفي انتظار الإعلان عن التركيبة النهائية نتفاعل إيجابيا ونشارك بملاحظاتنا». وأضاف أن النقاش تركز في جلسة أمس على مشروع الهيئة العليا للانتخابات التي ستشرف على انتخاب المجلس التأسيسي. وأوضح أن حزبه قدم في هذا السياق ملاحظات على المشروع المقترح «وتحفظات بشأن التمويل الأجنبي للهيئة الانتخابية باعتبار أن ذلك يشكل مساسا بسيادة الدولة، وكل مساهمة أجنبية يجب أن تكون عن طريق الدولة. كما تحفظت النهضة على عدم التنصيص على ضرورة أن يكون أعضاء الهيئة الانتخابية من حملة الجنسية التونسية دون سواها»، على حد قوله. كما دعت النهضة إلى «منع كل من مارس مسؤوليات سياسية وإدارية في السنوات الخمس الأخيرة من عضوية الهيئة الانتخابية، وإلى السعي لأن تكون الهيئة محل ثقة الجميع وتختار من أعضاء هيئات محترمة على غرار عمادة المحامين مثلا».

وقال عدد من المشاركين إن النقاش طال أيضا «تحييد المساجد» وجعلها بمنأى عن النشاط السياسي والدعاية الانتخابية، مما يعكس مخاوف من استخدام الإسلاميين المساجد للدعاية لهم.

ولاحظ البحيري في هذا السياق أنه «يجب تحييد الإدارة، أما تحييد أماكن العبادة فهذا سنناقشه مع البت في القانون الانتخابي للمجلس التأسيسي»، بيد أنه أضاف «سبق أن أكدنا أن أماكن العبادة يجب أن تخصص لما أعدت له فقط، أما الأحزاب فإن مكان نشاطها هو مقراتها والأماكن العامة الأخرى وليس المساجد أو غيرها من دور العبادة».

وقدم بن عاشور، في مستهل الجلسة عرضا، لمشروع القانون الانتخابي الخاص بانتخابات المجلس التأسيسي المقررة في 24 يوليو المقبل، إلى الهيئة للبت في النظام الانتخابي: الأفراد أو القوائم النسبية. وسيكلف المجلس التأسيسي خصوصا بوضع دستور جديد لـ«الجمهورية الثانية» في تاريخ تونس المستقلة، ليحل محل دستور سنة 1959، مضيفا أنه «سيتم الانتهاء من ذلك في نهاية مارس (آذار) الحالي أو بداية أبريل (نيسان) المقبل على أقصى تقدير». وكانت السلطات الانتقالية في تونس أعلنت أن هذا القانون سيصدر قبل نهاية مارس. وتعقد الهيئة العليا جلستها القادمة الثلاثاء المقبل.

إلى ذلك، عقد الحزب الاشتراكي اليساري الذي حصل على الترخيص القانوني في 17 يناير الماضي، مؤتمره الأول في العاصمة التونسية. وقال مؤسس الحزب محمد الكيلاني في خطاب وجهه أمام المئات من أنصاره في إحدى قاعات سينما العاصمة «تحقق حلمنا وأصبح بإمكاننا أن نجتمع في مؤتمر قانوني وأن ننتخب هيئتنا ونقرر سياسة حزبنا على رؤوس الملا». ودعا الكيلاني إلى عدم تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي، قائلا «إن كل محاولة للتأجيل لا تخدمنا، وبعد موعد 24 يوليو هناك من سيغتنم شهر الصيام للدعاية لمشاريعه الخاصة» في إشارة إلى التيارات الإسلامية.

وحضرت المؤتمر شخصيات يسارية متنوعة، بينهم محمد حرمل الأمين العام السابق للحزب الشيوعي التونسي، وأحمد إبراهيم الأمين العام الحالي لحركة التجديد، ومجموعة من النقابيين والفنانين.