سفير الجامعة العربية في واشنطن: الموقف الأميركي من الثورات العربية «متوازن»

د. حسونة لـ «الشرق الأوسط»: تأييد الجامعة لحظر الطيران فوق ليبيا «لن يكون سابقة خطيرة»

TT

أكد الدكتور حسين حسونة، سفير جامعة الدول العربية في واشنطن، أن تأييد الجامعة العربية لحظر الطيران فوق ليبيا «لن يشكل سابقة خطيرة، كما يرى البعض، وإنما أملاه الاهتمام العربي بحماية المدنيين الليبيين».

وأعرب، في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن اعتقاده أن إسرائيل لا تريد الخير للدول العربية. ولا يحزنها أن تقسمت دول عربية أو قصفت أو دمرت، ردا على سؤال حول موقف إسرائيل من أحداث ليبيا وغيرها من الدول العربية. وأكد أن عدم حل الصراع العربي - الإسرائيلي حلا عادلا يظل يؤثر على العلاقات العربية - الأميركية، قبل الثورات والمظاهرات العربية أو بعدها.

وتوقع أن يكون لثورة مصر «أثر عميق» في المنطقة، ولعقود مقبلة، كما أعرب عن تقديره أن الجامعة ستظل المنظمة العربية التي تدافع عن المصالح والقضايا العربية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. وفيما يلي نص الحوار..

* قالت صحيفة «واشنطن بوست»: إن تأييد الجامعة العربية لحظر الطيران فوق ليبيا «سابقة خطيرة»؛ لأنه يمكن أن يطبق على نفس الدول التي أصدرت القرار! - ليس سابقة، وليس خطيرا. تصدر الجامعة العربية قراراتها حسب المشكلة التي تعرض عليها، وحسب الظروف التي تحيط بالمشكلة. ولا توجد قاعدة معينة. وصار واضحا أن ليبيا شهدت أعمال عنف وتطورات بالغة الخطورة؛ لهذا اجتمع وزراء خارجية الدول العربية، وأصدروا القرار. في المستقبل، إذا نظرت الجامعة في وضع دولة معينة، ستقرر فيه حسب الظروف والتطورات. كل دولة لها حالة معينة.

* هل صحيح أنه لولا قرار الجامعة العربية، ما كان مجلس الأمن يقدر على التدخل؟

- قرار الجامعة العربية انطلق من اهتمام عربي كبير بما فيه مصلحة العرب. والقرار أدان قتل المدنيين في ليبيا. ولحمايتهم، طلب من الأمم المتحدة حظر الطيران فوق ليبيا. ولا تنسَ أن المدنيين في ليبيا يشملون غير اللبيبين، مثلا: هناك مليون مصري، وأعداد كبيرة من العرب وغير العرب. قرار الجامعة الهدف منه حماية المدنيين بمنع الطيران، وإنشاء مناطق آمنة. وهناك سوابق لهذا، مثل قرارات مجلس الأمن حول دول البلقان خلال سنوات الحرب هناك.

* واليوم؟

- اليوم، يتألم كل عربي لمثل هذه المأساة التي تحدث في دولة عربية شقيقة. ونحن نعتبره نزاعا داخليا، له أبعاده الإقليمية. ونأمل أن يحل سلميا. ونأمل ألا يصاب المدنيون من أي جانب وأي جنسية. ونأمل ألا تدمر البنى التحتية في ليبيا حتى لا يُدمر الاقتصاد الليبي.

* ما رأيكم في التدخل العسكري الأميركي في ليبيا؟

- علاقة الولايات المتحدة مع ليبيا معقدة. لسنوات كثيرة، عادت ليبيا عداء قويا، ومرة قصفتها (خلال سنوات حكم الرئيس ريغان). ثم هناك مشكلة لوكيربي المتعلقة بإسقاط طائرة «بان إم» فوق اسكوتلندا. وبعد هذا كله، خلال السنوات القليلة الماضية، حسنت الولايات المتحدة علاقتها مع ليبيا. ودفعت ليبيا تعويضات سخية لعائلات ضحايا إسقاط الطائرة. وزار ليبيا أعضاء في الكونغرس، ووزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس. وصارت علاقة الدولتين قوية. وهاهي الآن تعود عدوانية أكثر مما كانت عليه.. هذه علاقة متغيرة حسب ظروف معقدة.

من هذه الظروف المعقدة حاليا: خوف الولايات المتحدة من تدخلها العسكري في دولة إسلامية ثالثة، بعد أفغانستان والعراق. وصلة ذلك بمحاولة الرئيس باراك أوباما تحسين سمعة أميركا في العالم الإسلامي، في ضوء الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة سنة 2009. كما صار واضحا أن وزير الدفاع الأميركي، روبرت غيتس، لم يكن متحمسا للتدخل العسكري الأميركي في ليبيا. ثم هم يقولون الآن إنهم لا يريدون أن يقودوا التدخل، ويفضلون أن يتولى الأوروبيون ذلك. نعم، سياسات أميركية معقدة في ظروف معقدة.

* بحكم تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، هل له تأثير على السياسة الأميركية نحو ليبيا؟

- لا أعرف تأثيرا معينا، لكني أستطيع أن أقول، بصورة عامة: إن إسرائيل لا تريد الخير للدول العربية. ولا يحزنها إن قصفت دول عربية، أو تقسمت، أو دمرت. وطبعا، ينعكس هذا على آراء المنظمات الأميركية التي تؤيد إسرائيل. والتي، كما نعرف كلنا، تؤثر على السياسة الأميركية نحو الدول العربية.

وعلى أي حال، أثرت أو لم تؤثر، صار واضحا أن السياسة الأميركية نحو التطورات الأخيرة في المنطقة تحاول الموازنة بين المبادئ والمصالح.

لكن، قبل مشكلة ليبيا وبعدها، يظل الموضوع الرئيسي في العلاقات العربية - الأميركية هو القضية الفلسطينية. إنها جوهر العلاقات، وعلى الإسرائيليين وأصدقائهم الأميركيين أن يدركوا ذلك. وأن يقتنعوا أن عدم حل هذه المشكلة سيظل يؤثر على العلاقات، تدخلت أميركا في ليبيا أو في العراق أو في أفغانستان أو لم تتدخل. وأن يقتنعوا بذلك، قامت ثورات في الدول العربية، أو لم تقُم. هذه هي الرسالة الرئيسية لبعثة الجامعة العربية هنا، ولسفارات الدول العربية هنا.

ونحن طبعا ندرك قوة اللوبي الإسرائيلي، خاصة الآن مع اقتراب انتخابات الرئاسة. لكننا متفائلون على المدى البعيد. وهاهي ملامح دولة فلسطينية تعترف بها الأمم المتحدة، بعد سلسلة اعترافات في دول في أميركا اللاتينية وغيرها. وعندما تبدأ الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ستتبنى جامعة الدول العربية قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقبولها عضوا كاملا في الأمم المتحدة.

* هل تواجهون مشكلات أو مضايقات بسبب منصبكم من منظمات أو أفراد أميركيين يهود؟

- لا. نحن في هذا المكتب وفي سفارات الدول العربية في واشنطن نعمل لإقناع الشعب الأميركي بوجهات النظر العربية. ولأن هذه المنظمات التي أشرت إليها جزء من المجتمع الأميركي، نعمل على إقناعها، ونعرف أن لها آراء مختلفة.

يوجد يهود يؤيدون إسرائيل تأييدا قويا، سواء أخطأت أو أصابت، لكن يوجد غيرهم يؤيدون انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة مثل منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية، ولها فروع ومؤيدون في الولايات المتحدة، ومثل منظمة «اي ستريت» في واشنطن، وهي بدأت صغيرة، لكنها تكبر كثيرا. وهي تعلن أنها تؤيد السلام مع إسرائيل، لكنها لا تؤيد كل سياسات حكومة إسرائيل.

* هل تؤثر الصحوة العربية الأخيرة على هذه المنظمات، وعلى السياسة الإسرائيلية بصورة عامة؟

- هذه منظمات يهودية شعبية. وبينما لا تجب المبالغة في انتقادها لسياسات الحكومة الإسرائيلية، بمعنى أنها كلها ملتزمة بأمن إسرائيل، يمكن أن تتأثر بالثورات التي حققتها شعوب عربية مؤخرا. من يدري؟ ربما ستشهد إسرائيل أيضا انتفاضة تطالب بالتغيير.

* ما موقف إسرائيل من ثورة مصر؟

- خليط من الترقب والتردد. تتردد إسرائيل في تأييد ثورات عربية تريد الحرية والديمقراطية لشعوبها؛ وذلك لأن إسرائيل ظلت تدعي أنها الدول الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ لهذا تشعر الآن بالحرج. ثم هناك خوف إسرائيل من تدهور علاقتها مع مصر بعد رحيل الرئيس حسني مبارك، الذي تعاونت معه، وتعودت عليه خلال كل هذه السنوات الثلاثين.

* ما الموقف الأميركي من ثورة مصر؟

- أولا: منذ البداية، أعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها من تأثير ثورة مصر على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، لكن السلام بين مصر وإسرائيل ليس محل خلاف، وليس هذا موقفا مصريا منفردا، السلام موقف إجماع عربي. ويرى العرب أن في مصلحة المنطقة تحقيق سلام عادل وشامل ودائم.

* ماذا عن المستقبل؟ - في تقديري تعتمد الإجابة على إسرائيل: إذا مدت يدها نحو ثورة مصر وأثبتت أنها جادة وراغبة في السلام، في تقديري يمكن أن تتعاون معها مصر لدفع جهود السلام. ويمكن للدولتين التعاون لحل المشكلة الفلسطينية، أما إذا تشددت إسرائيل أكثر، ومضت في سياسة الاستيطان والتوسع، ستحدد ثورة مصر سياساتها بالصورة التي تراها مناسبة.

ثانيا: قلق الأميركيين على الإخوان المسلمين في مصر. صار واضحا أن الإخوان لم يلعبوا دورا كبيرا في الثورة، لكنهم، طبعا، جزء من المجتمع المصري، وجزء ناشط. وعلى أي حال، هم أعلنوا أنهم لن يقدموا مرشحا لرئاسة الجمهورية، لكن سيقدمون مرشحين لانتخابات مجلس الشعب. وتقول التوقعات إنهم سيفوزون بنحو 20% من الأصوات. على أي حال، مشاركة الإخوان المسلمين في العمل السياسي المصري أفضل من إقصائهم، وأفضل من نشاطهم خارج مصر.

* ما تأثير ثورة مصر على الوضع العربي؟

- سمها ثورة أو انتفاضة أو رياح تغيير، لكن الحقيقة هي أن هناك شرق أوسط جديدا.

والحقيقة هي أن بوادر هذه التغييرات ظهرت في تقارير التنمية البشرية العربية التي بدأت سنة 2002 برعاية الأمم المتحدة. صدرت 5 تقارير كتبها مفكرون عرب، وشجعتها الجامعة العربية. وفي سنة 2004 في تونس، عُقدت قمة عربية أيدت الإصلاح والتحديث، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

وخلال السنوات القليلة الماضية، حدثت إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية في كثير من الدول العربية. صحيح لم تشارك المعارضة في بعض الدول في الحكم، ولم تسهم في هذه الإصلاحات، لكنها شاركت في دول أخرى.

لهذا يمكن القول: إن الثورات العربية الأخيرة لها خلفية، وسبقتها إصلاحات. وبالنسبة للمستقبل، يمكن القول: إن حركة التغيير التاريخية هذه سوف تستمر، لكنها ستختلف من دولة إلى أخرى، حسب ظروف كل دولة، وحسب استجابة حاكم كل دولة.. إذا استجاب، سيحدث مزيد من الإصلاحات، وإذا لم يستجِب، سيزيد عدم الثقة والاضطرابات.

* هل لثورة مصر خصوصية دون غيرها من الثورات العربية؟

- لا يمكن التقليل من أهمية مصر عبر التاريخ، ومن تأثيرها على الدول المجاورة: الحركة القومية العربية، ونشر الثقافة العربية، والأزهر الشريف، وإسلام التسامح والاعتدال، ومواجهة إسرائيل، وحرب استرداد الأراضي التي احتلتها إسرائيل، والآن السلام مع إسرائيل.

ثم جاءت ثورة الشباب المصري، التي اتسمت بمعالم حضارية قد تكون قدوة للآخرين:

أولا: لم يعلن الشباب عقيدة بالية، أو نظرية تثير جدلا، بل أعلنوا التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان والمواثيق العالمية التي تؤكد الحرية والعدالة والديمقراطية.

ثانيا: لم يمثلوا دينا معينا أو طائفة معينة، بل كانت مظاهراتهم مظاهرات حركة أديان وطوائف مشتركة.

ثالثا: على الرغم من أن المظاهرات استمرت قرابة شهر كانت سلمية بصورة عامة بسبب قلة عدد الضحايا خلال كل هذا التحدي من ميدان التحرير، وخلال كل هذه الأيام.

رابعا: عكس دول أخرى، لم تتدخل القوات المسلحة لتطلق النار على المدنيين.

خامسا: برهنت الثورة على أنه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية.

لهذا، يمكن القول: إن رسالة ثورة مصر تمخضت عن إعلاء صوت الشعب، وتأكيد سيادة القانون، ودعم استقلال القضاء وحرية الإعلام، مما يسهم في نهاية المطاف في إعادة دور مصر الريادي في خدمة القضايا العربية والدولية.

* ما رأيكم في دور الجامعة العربية في ضوء تطورات العالم العربي والتحديات التي يواجهها؟

- في تقديري، إن جامعة الدول العربية، التي احتفلت منذ أيام بعيد تأسيسها السادس والستين، قامت على مر تاريخها الطويل بدور مهم في دعم العمل العربي المشترك. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها والأزمات التي مرت بها فقد صمدت الجامعة وأكدت أنه لا بديل عنها.

لنتذكر أن جميع المبادرات الجماعية التي طُرحت في العالم العربي تمت في إطار الجامعة العربية، مثل مبادرة السلام العربية، وإقامة منطقة تجارة حرة لتتطور في المستقبل إلى سوق عربية مشتركة، ومبادرة الإصلاح والتحديث في العالم العربي، وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل، وإقامة مشاريع مشتركة تكون أساسا للترابط والتواصل بين بلدان العالم العربي وغير ذلك من مبادرات ومشاريع.

ولا بد أن أشير إلى التجمعات العربية الأخرى مثل: مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي. طبعا، هذه تعزز العمل المشترك للجامعة العربية، وبالتالي فإن الجامعة العربية تبقى بيت العرب والمنظمة القومية التي تدافع عن المصلحة العربية المشتركة، وأيضا تدافع عن الهوية العربية إزاء التحديات التي تواجهها الشعوب العربية. وبسبب هذه الجوانب والإنجازات الإيجابية، أود الإعراب عن تقديري لما بذله الأمين العام للجامعة العربية من جهود مشكورة على مدى السنوات العشر السابقة التي تولى فيها الأمانة العامة في خدمة القضايا العربية. والآن، وقد انتهت دورته، أتمنى أن تتفق الدول العربية على انتخاب أمين عام جديد، يبني على الإنجازات التي تم تحقيقها. ويمضي في قيادة المنظمة بحكمته وبصيرته في خضم هذه التحولات التاريخية.

* د. حسين حسونة في سطور

* حصل على بكالوريوس ودكتوراه في القانون الدولي من جامعة كمبردج البريطانية.

* عمل دبلوماسيا في وزارة الخارجية المصرية، وترقى إلى سفير في المغرب ويوغوسلافيا.

* مثَّل مصر في مؤتمرات خارجية كثيرة، منها: عدم الانحياز، وأفريقية، وعربية.

* كان عضوا في الوفد المصري في مفاوضات السلام مع إسرائيل التي عُقدت في القاهرة وواشنطن وتل أبيب.

* كان مساعدا لوزير الخارجية المصري للاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

* عمل سفيرا للجامعة في الأمم المتحدة.

* ألَّف واشترك في تأليف كتب كثيرة عن مشكلات الشرق الأوسط، والأمم المتحدة، والمواضيع الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية، والقانون الدولي.

* عضو في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي لتطوير وتقنين القانون الدولي.