الرئاسة والحزب الحاكم يؤكدان بقاء صالح في منصبه وأنباء عن وساطات متواصلة

اليمن: هيئات «شعبية» في 3 محافظات لإدارة شؤونها بعد سقوطها في يد المحتجين

TT

أخذت التطورات في اليمن منحى هاما وذلك بعد سقوط ثلاث محافظات في أيدي المحتجين وانعدام سيطرة الدولة عليها، في الوقت الذي أخفقت فيه الوساطات الداخلية والخارجية في التوصل لاتفاق يضمن رحيلا مشرفا للرئيس علي عبد الله صالح الذي يواجه مظاهرات واعتصامات في قرابة 15 محافظة للمطالبة بإسقاط نظامه ورحيله عن السلطة.

وقالت مصادر محلية مطلعة في محافظة أبين بجنوب البلاد لـ«الشرق الأوسط» إن المحافظة باتت في يد «الثوار» بصورة كاملة وإنه جرى تشكيل «هيئة شعبية» لإدارة شؤونها، وذكرت المصادر أن الهيئة تكونت من أعضاء مجلسي النواب والشورى الذين استقالوا من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وقيادات من أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، وكذا من «شباب الثورة» وشخصيات اجتماعية، وأشارت المصادر إلى الهيئة إن الهيئة اختارت محمد علي الشدادي، نائب رئيس مجلس النواب (البرلمان) لرئاستها من أجل إدارة شؤون المحافظة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الشدادي وعددا من أعضاء الهيئة قاموا، أمس، بزيارة محافظ المحافظة، اللواء صالح الزوعري في منزله، وقاموا بإبلاغه بالخطوات التي تم اتخاذها، وقالت المصادر إنه «تقبل» الأمر الواقع وأكد أن هدف الجميع هو الحفاظ على الأمن في المحافظة، وإن لجانا شعبية شكلت في جميع المديريات للحفاظ على الأمن والممتلكات العامة والخاصة، وتحدثت مصادر مطلعة عن أن قيادة اللواء العسكري المرابط في مدينة زنجبار، عاصمة المحافظة، تعهدت بحفظ الأمن، وقال شهود عيان إن مصفحات ومدرعات الجيش انتشرت في شوارع المدينة وحول المنشأة الحيوية.

وقال الشدادي لـ«الشرق الأوسط» إن الهيئة التي شكلت «شعبية» وإن تشكيلها جاء بعد بروز مخاوف لدى المواطنين من حدوث أي نوع من الفراغ وحوادث أمنية، وأكد أن الهيئة «ليست بديلا للسلطة المحلية»، وإنما هي «عامل مساعد» وأن تشكيلها تم بالتنسيق مع الجيش وأجهزة الأمن، وأعرب نائب رئيس البرلمان اليمني الذي استقال من عضوية الحزب الحاكم احتجاجا على قمع المتظاهرين، عن أمله في أن تنفرج الأزمة الراهنة في البلاد وأن يلبي الرئيس علي عبد الله صالح «مطالب شعبه»، وهي التنحي عن السلطة.

ويعد الأمن هاجسا رئيسيا بالنسبة لكافة الأطراف في جميع المحافظات الأمنية وفي محافظة أبين على وجه الخصوص، ففي هذه المحافظة تنتشر العديد من الجماعات الجهادية المسلحة والتي اغتالت وقتلت العشرات من ضباط المخابرات ورجال الأمن في المحافظة منذ منتصف العام المنصرم، وما زالت تخوض مواجهات شبه يومية ضد قوات الجيش والأمن.

وفي محافظة صعدة معقل المتمردين الحوثيين، أحكم المحتجون السيطرة على المحافظة بعد مغادرة محافظها، طه هاجر إلى العاصمة صنعاء، وقالت المصادر إنه تم تشكيل مجلس لإدارة شؤون المحافظة برئاسة تاجر السلاح اليمني الشهير، فارس مناع الذي انشق مؤخرا عن حزب المؤتمر الحاكم واستقال من عضويته وبات من حلفاء الحوثيين بعد أن كان يوصف بأنه رجل الرئيس صالح في صعدة، قبل أن يعتقل لعدة أشهر في صنعاء بتهمة التخابر لصالح دولة أجنبية.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن القائد الميداني لجماعة الحوثي في منطقة ضحيان بصعدة، عين مسؤول أمني للمحافظة، ورغم وجود الجيش وقوات الأمن المركزي فإن مسلحي الحوثي انتشروا في مداخل ومخارج مدينة صعدة بعد أن نصبوا نقاطا أمنية، إضافة إلى مشاركتهم في النقاط الأمنية الرسمية إلى جانب جنود الجيش والأمن، ويعتقد مراقبون أن الحوثيين هم اللاعب الأساسي، حاليا، في صعدة، خاصة أن الحكومة اليمنية لم تكن تسيطر سوى على عاصمة المحافظة، بعد أن بسط الحوثيون سيطرتهم الكاملة على جميع المديريات الفترة الماضية.

وجاء سقوط أبين وصعدة في يد المحتجين المناوئين لنظام الرئيس علي عبد الله صالح، بعد يومين، فقط، على سيطرة المحتجين في محافظة الجوف المجاورة لصعدة، على المحافظة واحتلال المجمع الحكومي والسيطرة على اللواء العسكري المرابط هناك الذي سلمه قائده للمحتجين، وقال محمد عبد الله راكان، مسؤول الحزب الاشتراكي اليمني المعارض بالمحافظة لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى تشكيل سلطة شعبية لتسيير شؤون المحافظة، وإنها تكونت من «شباب الثورة» وأحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة، إضافة إلى الشخصيات الاجتماعية.

وتأتي هذه التطورات في ظل مساع حثيثة للتوصل إلى تسوية سياسية تضمن رحيلا مشرفا للرئيس علي عبد الله صالح، وتشير مصادر سياسية مطلعة إلى أن هذه المساعي يساهم فيها الأميركيون والأوروبيون وبعض دول الخليج، وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن كافة المساعي اصطدمت برفض صالح التنحي الفوري، وإنما وفق جدول زمني وهو ما يرفضه المتظاهرون والمعتصمون، وعقب حديث الرئيس صالح بأنه لن يرحل إلا بعد أن يسلم السلطة لـ«أيد أمينة»، حسب قوله، فقد أعرب «شباب الثورة» عن رفضهم لأي مبادرات لا تنص صراحة على تنحي صالح، ودعوا في بيان لهم، إلى مظاهرات حاشدة أيام الاثنين والأربعاء والجمعة من أجل إسقاط النظام.

على ذات السياق، نفى مصدر مسؤول في الرئاسة اليمنية، الأنباء التي تحدثت عن تنحي صالح بحلول ليل أمس، وكذب المصدر هذه «المزاعم»، وقال المصدر إن «تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة»، وإن «فخامة رئيس الجمهورية أكد مرارا على انتقال سلمي وسلس وديمقراطي وحضاري للسلطة وذلك لن يتأتى إلا من خلال حوار في إطار الشرعية الدستورية والحفاظ على وحدة الوطن وتجنب سفك الدماء، يرتكز على مبادرتي رئيس الجمهورية المقدمة إلى الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى والمؤتمر الوطني العام والنقاط الثماني المقدمة من أصحاب الفضيلة العلماء والنقاط الخمس المقدمة من أحزاب اللقاء المشترك وبما يكفل الحفاظ على أمن واستقرار الوطن وحماية وحدته ومكاسب الثورة اليمنية الخالدة (26 سبتمبر و14 أكتوبر)».

إلى ذلك، اتهم حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن، حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض، وأكبر أحزاب تكتل المعارضة في «اللقاء المشترك»، بالوقوف وراء الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد للمطالبة برحيل الرئيس صالح، وقال بيان صادر عن اللجنة العامة (المكتب السياسي) للحزب إثر انعقادها في وقت متأخر من ليل أول من أمس، إن الأزمة الراهنة هي «بسبب المواقف المتعنتة من قبل حزب الإخوان المسلمين (الإصلاح) وحلفائه في أحزاب اللقاء المشترك والحوثيين وتنظيم القاعدة، والتي سدت كل أبواب الحوار، وسعت إلى التصعيد والمزيد من التداعيات التي أضرت بمصالح الوطن والمواطنين».

واعتبر الحزب الحاكم المظاهرات الحاشدة التي خرجت، أول من أمس، في صنعاء لتأييد الرئيس و«الشرعية الدستورية» بأنها «قد أخرست كل الألسن البذيئة، وردت على كل التخرصات غير المسؤولة للمقامرين وأصحاب الرؤى السوداوية ومن لا يهمهم مصلحة الوطن والمواطنين في شيء، إلى جانب أنها مثلت استفتاء جديدا وواضحا على الشرعية الدستورية ومكانة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية في قلوب أبناء شعبنا الوفي، الذين تدفقوا إلى الساحات العامة طوعا»، وأضاف حزب المؤتمر الحاكم في اليمن منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي أنه «من غير المقبول والمنطقي لي الذراع وتجاوز الشرعية الدستورية وفرض رأي الأقلية على رأي السواد الأعظم من جماهير الشعب، والذي انتصر للوطن ووحدته ومكاسب ثورته الخالدة».