مرشح «العراقية» لمنصب نائب الرئيس العراقي: البعض فوت علينا فرصة التدخل الإيجابي في البحرين

الهاشمي أكد في حديث لـ «الشرق الأوسط» تمسكها بمجلس السياسات رغم تنازل علاوي عنه

طارق الهاشمي («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أنه كان ينتمي إلى جناح الصقور في الحزب الإسلامي العراقي؛ حيث شغل منصب الأمين العام فيه خلفا للدكتور محسن عبد الحميد، فإن طارق الهاشمي وجد نفسه منهمكا في الشأن السياسي المباشر عندما شغل منصب نائب رئيس الجمهورية خلال الدورة الماضية التي كان فيها مجلس رئاسي يتكون من ثلاثة أعضاء لكل واحد منهم حق الفيتو.

وفي منتصف طريق الدورة الرئاسية، أعلن الهاشمي استقالته من الحزب الإسلامي ليؤسس حركة «تجديد» التي دخل بموجبها الانتخابات البرلمانية الأخيرة ووصل إلى عضوية البرلمان العراقي بعد حصول كتلته على 9 مقاعد، بينما حصل هو شخصيا على نحو 250 ألف صوت في بغداد ليحل ثالثا من حيث عدد الأصوات في بغداد بعد نوري المالكي وإياد علاوي.. هو الآن مرشح «العراقية» لمنصب نائب رئيس الجمهورية وينتظر ترديد القسم بعد إقرار القانون.

«الشرق الأوسط» حاورت الهاشمي في مكتبه داخل المنطقة الخضراء ببغداد حول الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يحظى بعناية الهاشمي. وفيما يلي نص الحوار..

* لقد تم التصويت على قانون نواب رئيس الجمهورية، ولكن لم يتم ترديد القسم حتى الآن، ما موقفكم من منصب النائب الثالث للرئيس؟ وما دور نواب الرئيس في هذه الدورة من دون صلاحيات معروفة؟

- لا حاجة لنائب ثالث، ولا منطق في تفصيل المناصب على السياسيين وتحميل الميزانية أعباء مالية لمشكلات سياسية داخلية لبعض الكتل، الدولة لا ناقة لها ولا جمل، مواقف البعض تتناقض كليا مع الحاجة الحقيقية لترشيد الإنفاق، بل ما يقولونه صباح مساء من نوايا في الاقتصاد بالنفقات غير الضرورية تلبية لحاجة العوائل الفقيرة والمعدمة أو دعم صندوق العاطلين عن العمل من الشباب، نجد أن الكلام فيه يناقض الفعل والموقف.

* كيف تنظر إلى أداء الحكومة؟ وهل تعتقد أنها ستكون قادرة في غضون الـ100 يوم المقبلة على إقناع الجمهور بأدائها؟

- أنا دعمت التوجه الجديد في اعتماد المنهجية لأول مرة في الإعمار والإصلاح، الشعب العراقي ينتظر تحسنا حتى لو كان نسبيا في مستوى حياته اليومية، خصوصا في الكهرباء؛ إذ لا بد أن تتقلص ساعات القطع على الشبكة الوطنية في الصيف المقبل. صحيح أن قائمة المطالب طويلة والوقت قصير وربما سيكون من الصعب حل جميع المشكلات دفعة واحدة، لكن بالتأكيد لا نتوقع أسوأ مما نحن عليه الآن. وإذا كان من الصعب فنيا تحقيق تحسن كبير في الخدمات بانتظار إكمال الكثير من المشاريع، لكن عن تصفير مراكز الاحتجاز من الأبرياء، هل هذه مهمة صعبة؟ ماذا عن مكافحة الفساد؟ هل اعتماد الشفافية وتوسيع دائرة تدقيق النزاهة ووصولها إلى كبار المرتشين بيسر وسهولة يحتاج هو الآخر إلى تخصيصات مالية ضخمة أو عقود مقاولات يتطلب تنفيذها، أم أن ذلك يمكن أن يتم بتعميم إداري لا يستغرق إلا ساعات معدودات؟ الحكومة اختارت الـ100 يوم والناس تنتظر.

* أنتم شركاء في العملية السياسية وفي الحكومة.. كيف تقيم أداء القائمة العراقية قبل تشكيل الحكومة وبعده، خصوصا أن هناك الكثير من الخلافات داخلها وصلت حد الانشقاق.. فهي الآن ليست القائمة الأولى على الأقل؟

- ما حصل من خروج بعض الأعضاء هو أمر طبيعي لمخاض سياسي تعرضت له «العراقية». البعض لم يستطع أن يستوعب حقيقة أن السياسة لا تضمن الصدارة أو الفرصة في تشكيل الحكومة حتى للفائز في الانتخابات، كما أن حصة «العراقية»، وهي مشاركة في الحكومة، لا يمكن أن توفر مناصب لجميع الراغبين من أعضائها. «العراقية» متماسكة، أداؤها يتطور، ولا خوف على مستقبلها.

* بماذا تفسر التأخير في حسم المناصب الأمنية الثلاثة (الداخلية والدفاع والأمن الوطني)؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟

- التأخير في تسمية المرشحين للمناصب الأمنية بضمنه جهاز المخابرات الذي هو استحقاق «العراقية» أيضا، لا تتحمله «العراقية» إطلاقا، فقد بادرت «العراقية»، منذ أشهر، بتسمية مرشحيها لوزارة الدفاع، ولم تتسلم، حسب اطلاعي، ردا رسميا، كما طلبت بالوقت نفسه، وحسب الاتفاق، تسمية التحالف الوطني لمرشحي حقيبة الداخلية وكذلك المرشح لوزارة الدولة للأمن الوطني، لم يصل «العراقية» من ذلك شيء. ائتلاف دولة القانون هو المسؤول عن التأخير، ولا نجد لذلك أدنى مبرر.

* يلاحظ الكثيرون أن السيد طارق الهاشمي لم يعد يتصدى لقضايا كان دائم الانشغال بها في الدورة الماضية وكان هناك تقاطع واضح بين أدائك في مجلس الرئاسة لجهة الموقف الحازم من الحكومة واستخدامك المتواصل لحق النقض مثلا.

- اهتماماتي وجدول أعمالي اليومي كانت ولا تزال مزدحمة، والمقربون مني وموظفو مكتبي يدركون ذلك، وأتوقع أن أبقى هكذا لسنوات حتى يتعافى بلدي مما أصابه من ضرر. في السابق، كنت أتكلم بقدر ما كنت أعمل وفضلت هذه المرة أن تتحدث أعمالي عن نفسها قدر الإمكان، مقاربة جديدة أريدها أن تنجح ولا بد أن يتفهمها الآخرون. أنا أدرك أن الشعب العراقي ربما مل كثرة الخطب والمناكفات السياسية في الماضي ويريد اليوم إنجازات حقيقية تحسن من مستوى حياته في كل المجالات، في هذا، وهذا وحده، ينبغي أن تنطلق الهمم في تنافس شريف لخدمة المواطن وإسعافه. أمام الحكومة اليوم فرصة مناسبة للنجاح، وعلينا أن نساند جهودها في الإصلاح والتقويم، ومهمتنا ينبغي أن تنصرف للمساهمة في هذا النجاح، وأن ندعم خططا لإصلاح القضاء والسلطة التشريعية أيضا؛ إذ إن الإصلاح لا يقتصر على أداء الحكومة فقط. آمل أن تستثمر الحكومة الفرصة ولا تضيعها كما حصل في السنوات السابقة، وفي ضوء ما سيتحقق نقول لكل حادث حديث.

* ما موقفكم من الاتفاقات السياسية التي تم التوقيع عليها في أربيل وبغداد، سواء فيما يتعلق بالمجلس الوطني للسياسات العليا أو القضايا الأخرى.. الدكتور إياد علاوي يقول لم يتم تنفيذ أي منها.. ألم تكن تلك الاتفاقات سبب دخولكم الحكومة؟

- نعم لم ينفذ منها شيء، وتوقف الأمر عند تشكيل الحكومة وأهملت عمدا بقية الاتفاقيات وكانت جزءا من اتفاق ملزم عام، من المؤسف، الانطباع الذي لديَّ هو أن ائتلاف دولة القانون - حتى الآن - ربما ينوي تكرار التجربة السابقة، أن يأخذ حقوقه كاملة ويتجاهل حقوق شركائه، نعم عطل تشريع قانون المجلس الوطني للسياسات عمدا، كما علق تنفيذ 9 اتفاقيات كان من المتوقع أن تجد طريقا للتنفيذ، كما تأخر موضوع تسمية الوزراء الأمنيين من دون مراعاة مصلحة العراق، وكذلك لم ينفذ شيء يعنى بإعادة ارتباط وحدات من القوات المسلحة بوزاراتها المسؤولة.. من حق «العراقية» أن تنتقد ومن حق الشعب العراقي أن يشعر بالإحباط، وكان الأمل أن تنطلق الشراكة الوطنية هذه المرة كما اتفق عليه من دون عوائق، لكن ذلك لم يتحقق، على العاقل حتى الآن. بدأت القناعة تترسخ، إن البعض لم يكن يتطلع من خلال كل هذا الجهد الذي بذل في المفاوضات إلا لشيء واحد، هو تشكيل الحكومة التي تحوز الثقة بأي ثمن. مع ذلك، لم نفقد الأمل وصبرنا لم ينفد وما زلنا ننتظر موقفا مسؤولا فيه مصلحة راجحة للجميع.

* كيف تنظر إلى قرار علاوي بالانسحاب من رئاسة المجلس الوطني للسياسات العليا؟ وهل أنتم في «العراقية» متمسكون بهذا المجلس، أم أنه كان مفصلا على مقاس الدكتور علاوي وانتهى أمره؟

- مع تقديري للرأي الآخر وتفهمي لموقف أخي الدكتور إياد علاوي فأنا أعتقد أن «العراقية» لا ينبغي أن تتنازل عن مجلس السياسات؛ لأنه ببساطة جزء من مشروعها الوطني الذي أريد منه التوافق حول إصلاح مسائل مركزية بقيت معلقة خلال السنوات الماضية وفتحت المجال أمام اجتهادات سببت الكثير من الإرباك في المشهد السياسي وإدارة الدولة. لقد حان الوقت من خلال المجلس أن يتفق العراقيون على تأطير سياسات تعنى بالعلاقات الخارجية والاقتصاد والمال والطاقة والاستثمار والأمن والبيئة والمشكلات والاجتماعية وغيرها. المجلس لم يفصل على مقاس أحد، والاتفاق عليه سبق مفاوضات تشكيل الحكومة، وليس لدينا في «العراقية» من قيادات فائضة عن الحاجة حتى نبحث لها عن دور.. هذا الادعاء مؤسف.

* هل تعتقد أن الحكومة جادة في معالجة ملفات الفساد المالي والإداري؟ وهل هناك ما هو ملموس على الأرض؟

- نأمل ذلك، لقد أكدت الحكومة، على لسان السيد رئيس مجلس الوزراء، أنها تفهمت مطالب المتظاهرين والمحتجين وكان في مقدمة مطالبهم مكافحة الفساد المالي والإداري، وهو مطلب ممكن التحقيق ويحتاج إلى إجراءات إصلاحية متنوعة من بينها تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، واعتماد الشفافية بالنسبة لجميع عقود التجهيز الحكومية بضمنها عقود تجهيز الدفاع والداخلية، وهما الوزارتان الأكثر فسادا، حسب تقرير النزاهة. لا ننكر أن تقدما حصل مؤخرا تم فيه إلقاء القبض على كبار الضباط وهم متلبسون في الرشوة، لكن الشعب العراقي يتطلع للنتائج، والتجربة السابقة، خصوصا مع كبار الموظفين في وزارة التجارة، لم تكن مشجعة.. سيكون من المفيد أن تقدم الحكومة في نهاية الـ100 يوم جردا بما حققته من تقدم في هذا المجال.

* أطلقتم مؤخرا مبادرة في مسألة السجناء والمعتقلين، كيف تنظر إلى ما يتم كشفه بين فترة وأخرى عن سجون سرية على الرغم من النفي الرسمي لها؟

- على الرغم من التقدم الذي تحقق في هذا المجال، فإن المفاجآت باكتشاف سجون أو مراكز احتجاز لا تخضع لوزارة العدل ستبقى قائمة، هذه هي المعلومات التي لديَّ، أداؤنا في ملف حقوق الإنسان مؤسف وهو لا ينسجم والمعايير الدولية، مما يتطلب مساعدة جميع المنظمات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.

ما زلت أتسلم سيلا لا ينقطع من الرسائل المحزنة التي توحي بمظالم تتطلب التحقيق والمتابعة، وقررت تنظيم قاعدة معلومات على موقع على الشبكة العنكبوتية لتسلم ومتابعة هذه القضايا بشكل منهجي، وستكون المعلومات متاحة لكل الناشطين في ملف حقوق الإنسان، هذا الموقع محدد لقضايا تتعلق بعراقيين تجاوز احتجازهم ما يسمح به الدستور أو القوانين، فضلا عن محتجزين تأخر إخلاء سبيلهم على الرغم من إطلاق سراحهم، وتعويض أبرياء أُطلق سراحهم بعد أن ثبتت براءتهم، وبالتالي لا بد من مساءلة من حرمهم من حقهم في الحرية وتعويضهم أدبيا وماديا مقابل ما لحق بهم من أذى من دون مبرر أو وجه حق. وأنوي، بعد إنجاز هذا المشروع، أن أنهض بمشروع آخر يعنى بالاختطاف والجريمة الغامضة؛ حيث مصير المغدور مجهول والمجرم طليق يتمتع من دون وجه حق بكامل الحرية.

* كيف تنظرون داخل القائمة العراقية إلى التظاهرات التي تعم المدن العراقية؟ وكيف تتعاملون مع المطالب التي يرفعها المتظاهرون؟

- التظاهرات السلمية حق مشروع وممارسة ديمقراطية كفلتها الفقرة الثالثة من المادة 38 من الدستور، ونحن نعتبرها علامة صحة ومقياسا للتقدم الديمقراطي في العراق، كما أن المطالب مشروعة وهي تعبر عن معاناة حقيقية يعيشها أبناء شعبنا الصابر؛ لذا فإن التعاطي معها واجب، ونحن نؤيد السقف الزمني الذي حددته الحكومة للإصلاح، والناس تنتظر لترى ماذا سيتحقق.. ونأمل الكثير.

* تفاوتت مواقف الساسة العراقيين مما حصل في البحرين وما يحصل في ليبيا، ما قراءتكم لهذه الأحداث؟

- نحن مع التظاهرات السلمية الداعية للإصلاح، كما نشجع الأخذ بالإصلاح من دون تأخير والتعامل مع المحتجين بطريقة حضارية، كما ندين الاستخدام المفرط غير المبرر للقوة ونبذ العنف، ولا نرى مبررا للتعدي على المصالح العامة والخاصة وتعطيل مسيرة الحياة اليومية، أو أن نشجع على تفكيك الدول وزعزعة الاستقرار الوطني والإقليمي، كما نتحفظ على تصريحات صدرت من جانب البعض بما يرقى إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية وخليجية شقيقة؛ لأن ذلك منافٍ للدستور في مادته الثامنة. وقد عانى العراق التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية ولا يزال. كان الأولى أن نتقدم كوسطاء للمصالحة، وفرصة العراق كانت الأكبر بين الدول الخليجية، لقد ضيع البعض على العراق فرصة الدخول بقوة إلى المشهد السياسي للخليج العربي.