نصف مليون بريطاني يتظاهرون ضد خطط التقشف.. و«ملثمون» يعتدون على المتهربين من الضرائب

شرطي لـ «الشرق الأوسط»: نتعاطف مع المتظاهرين.. ولو أمكنني التظاهر لانضممت إليهم

متظاهرون في وسط لندن أمس، ويبدو خلفهم مبنى البرلمان (تصوير: حاتم عويضة)
TT

انتقلت عدوى المظاهرات من العالم العربي إلى بريطانيا التي شهدت أمس أكبر المظاهرات ضد سياسات الحكومة الاقتصادية منذ 20 عاما، وأضخمها منذ مظاهرة المليون ضد حرب العراق عام 2003. وبدا التأثر واضحا بالثورات في العالم العربي، خصوصا مصر، من خلال الشعارات التي رفعت أمس والتي دعت إلى «إسقاط النظام».

وفي ساحة ترافالغار سكوير التي توعدت مجموعات من المتظاهرين بتحويلها إلى «ميدان التحرير»، قال أحد المتظاهرين، وهو يرفع لافتة كتب عليها «قاتل مثل المصري»، لـ«الشرق الأوسط»: «شاهدنا كيف تمكن المصريون من إسقاط نظام قمعي بطريقة سلمية، وبالطبع نأمل بأن يستمع إلينا المسؤولون هنا ويتراجعوا عن خططهم الوحشية».

ونزل نحو نصف مليون متظاهر قدموا من جميع أنحاء البلاد، إلى شوارع لندن أمس، يطالبون الحكومة بالتراجع عن خططها القاسية بتخفيض الإنفاق الحكومي وتقليص الخدمات العامة. وبشكل عام، بقيت المظاهرات سلمية، حتى إنها أخذت طابع الكرنفال في بعض الشوارع، حيث شاركت فرق شبابية موسيقية في التحركات على طريقتها. لكن كما هو في المرة السابقة حين نزل طلاب الجامعات في مظاهرات قبل نحو 5 أشهر، يطالبون فيها بالتراجع عن خطط رفع الأقساط الجامعية، استغلت مجموعة من المشاغبين المناسبة للاعتداء على الأملاك العامة وتكسير زجاج بعض المحلات ورمي الدهان على الواجهات. ولم يختر هؤلاء الشبان والشابات الملثمون الذين حرصوا على تغطية وجوههم، خوفا من أن تتعرف عليهم الشرطة فيما بعد، أملاكا عشوائية، بل استهدفت المجموعات التي قدرت الشرطة أعدادهم بين 500 و1000 شخص، مباني تابعة لمصارف أو فنادق كبرى مثل الـ«ريتز» أو مؤسسات تجارية قالوا إنها تتهرب من دفع الضرائب مثل محل «توبشوب» و«فودافون».

ولم يكن صعبا على عناصر الشرطة تتبع المجموعات المشاغبة وتحديد المباني التي قد تكون أهدافا محتملة، إذ ارتدى «المشاغبون» لباسا أسود وعمدوا إلى تغطية وجوههم، حاملين العصي والمكانس. كما دعت المجموعة الرئيسية التي حضرت للاعتداء على أملاك عامة، إلى التجمع في أماكن محددة، علنا. وقال بول لونغ من مجموعة «يو كي أنكات» على موقع المجموعة: «المشي وحده في المظاهرة لن يوقف هذه الحكومة.. وسوف نقوم باحتلال مبان لكي ندعو إلى بديل. وسنحتل مباني بنوك ومحلات تتهرب من دفع الضرائب في شارع أكسفورد في الساعة الثانية بعد الظهر».

وضمت هذه المجموعات التي بدا الكثير من المنتمين إليها صغارا في السن، العديد من الفتيات. وقال أحد الشبان من الملثمين لـ«الشرق الأوسط»، بدا في الـ16 من العمر، عن سبب تغطيته لوجهه: «لا أريد أن تؤخذ صورتي.. لن أعطي الشرطة فرصة لكي تتعرف علي». وكانت الشرطة قد اعتقلت العشرات بعد مظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحولت بعضهم إلى المحاكمة، بعد أن تعرفت على أشخاص اعتدوا على الأملاك العامة وعلى سيارة ولي العهد الأمير تشارلز حينها، من خلال كاميرات المراقبة المزروعة في شوارع لندن. ولكن عدا ذلك، فإن المظاهرات التي دعت إليها النقابات العمالية أمس، كانت هادئة وضمت الكثير من العائلات والكبار في السن، وليس فقط من هم في عمر الشباب، حتى إن بعض رجال الشرطة الذين انتشروا بين المتظاهرين، بدوا متعاطفين معهم ومع مطالبهم. وقال أحد رجال الشرطة لـ«الشرق الأوسط»: «لو أمكنني الانضمام إليهم للتظاهر لكنت فعلت، ولكن لا يحق لنا التظاهر». وأضاف: «الشرطة أيضا تطالها التخفيضات في الإنفاق الحكومي، والعديد منا يتم صرفهم. لذلك نحن والمتظاهرون في الوضع نفسه». وانتقد المتظاهرون أيضا قرار الحكومة الائتلافية التي يرأسها زعيم المحافظين ديفيد كاميرون، بتخفيض الخدمات العامة للمواطنين بحجة أن لا أموال في الخزينة العامة، في وقت بدأت فيه بريطانيا حربا جديدة على ليبيا. وقالت كايت هادسون، من حملة نزع الأسلحة النووية، التي شاركت في المظاهرة: «لماذا دائما نجد الأموال للحرب؟! النمو إلى انخفاض، وأرقام البطالة وصلت إلى مستوى قياسي، ولكن مع ذلك لن نصرف فقط 4.5 مليار جنيه إسترليني هذا العام على الحرب في أفغانستان، بل بدأنا حربا جديدة في ليبيا!». وفي خطوة لافتة، شارك حزب العمال المعارض بزعيمه وأعضائه في المظاهرة، وتوجه ايد ميليباند زعيم الحزب بكلمة إلى المتظاهرين في ساحة هايد بارك وسط لندن. وقال ميليباند الذي فاز بزعامة الحزب بسبب دعم النقابات العمالية له على حساب شقيقه ديفيد الذي كان المرشح الأبرز والمفضل لدى النواب العماليين: «نضالنا هو القتال للحفاظ وحماية والدفاع عن أفضل خدماتنا لأنها تمثل أفضل ما في بلدنا الذي نحب».

وبسبب خطط الحكومة الائتلافية، فإن العديد من الخدمات التي تطال المواطنين مباشرة سيتم وقفها، مثل إغلاق الكثير من المكتبات العامة ومراكز الحضانات وأخرى تعنى بالمشردين والكبار في السن وغيرها الكثير. كما ستؤثر الخطط على المدارس والقطاع الصحي الذي يفخر حزب العمال بأنه أحد أهم إنجازاته. ورغم أن الحكومة لم تتخذ بعد قرارات تتعلق بالقطاع الصحي المجاني في البلاد، فإن هناك مخاوف من أن تؤدي خطط ستطرحها الحكومة أمام مجلس العموم واللوردات للتصويت، إلى انقسام حاد في الحكومة.