زعيم الشيشان يقودها بفظاعة.. وموسكو لا تملك بديلا له

قادروف يتحضر لبدء ولاية جديدة خلال أيام.. وعجز موسكو عن تغييره جعلها رهينة بيده

رمضان قادروف
TT

في إطار إعادة الإعمار للعاصمة الشيشانية التي دخلت حربين وحشيتين ضد روسيا جعلتها ترزح بين الحطام، يتم تشييد مبان سكنية جديدة ومتحف مذهب ومسجد ضخم، فيما ينتشر رجال مسلحون في أنحاء المدينة يلمحون إلى صفقة سرية بشأن السلام. لم يكن الرجال المسلحون يتلقون الأوامر من موسكو بل من رمضان قادروف، أحد أمراء الحرب السابقين الذي عينه فلاديمير بوتين (عندما كان رئيسا لروسيا)، رئيسا لجمهورية الشيشان في جبال شمال القوقاز منذ أربعة أعوام وتركه يفعل ما يحلو له في مقابل قمع المتمردين. كان قادروف يدبر شؤون المنطقة الإسلامية باعتبارها إقطاعية خاصة به مع جماعة مسلحة خاصة ورجال من الشرطة الذين تم اتهامهم بالتورط في عمليات اغتصاب وتعذيب وقتل. وسعيا منه لتأسيس دولة إسلامية منفصلة أجبر قادروف السيدات على ارتداء الحجاب وشجع على تعدد الأزواج وتطبيق الشريعة في انتهاك للقانون الروسي. وأصدرت موسكو حكما على هذا الضابط، لكنه سيبدأ الشهر القادم فترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات بفضل الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف. ورغم سيطرة بوتين القوية المنهجية على قادة الأقاليم، حيث جعل الرؤساء بالتعيين لا بالانتخاب عام 2004، ورغم تمجيد ميدفيديف لسيادة القانون، يبدو عدم قدرة الزعيمين على السيطرة على الأمور واضحا وليس لديهما أي خيار سوى تنصيب قادروف لمدة ثانية في 5 أبريل (نيسان). ويقول سيرغي ماركيدونوف، أحد المحللين في موسكو الذي يوجد حاليا في واشنطن كزميل زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «لقد أقام قادروف دولة داخل الدولة. أعتقد أنه يحتجز القيادة الروسية كرهينة. لا توجد أي طريقة لاستبداله، وأعتقد أن هذه هي المشكلة الكبرى».

استدعى قادروف الأسبوع الماضي مجموعة من الصحافيين الأجانب الذين يزورون غروزني لحضور اجتماع في وقت متأخر من الليل في مجمع رئاسي شديد التحصين. وتجنب وهو متجه إلى غرفة الاجتماعات في منتصف الليل تقريبا بعد أن جعل الصحافيين ينتظرونه لمدة ساعتين، الإجابة عن أسئلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وأكد احترامه وتقديره للقانون الروسي. وقال: «لقد كلفتنا روسيا بالقضاء على الإرهاب في شمال القوقاز وقد تم تحقيق النتائج المرجوة بالفعل». ورغم تراجع أعمال العنف، فإنه لم يتم القضاء تماما على الإرهاب الذي ما زال يمثل مصدر إزعاج للغرب الذي يخشى من أن يؤدي الحكم الوحشي إلى مزيد من العنف. وقد حصدت الحربان اللتان خاضتهما الشيشان، الأولى من عام 1994 إلى 1996 والثانية من عام 1999 إلى 2003، أرواح خمسين ألف شخص أكثرهم من المدنيين مما دفع الجنود الروس والمقاتلين الشيشان نحو ارتكاب أعمال وحشية الأمر الذي أدى إلى ظهور موجة من الأعمال الإرهابية ضمنها احتجاز رهائن في مسرح موسكو عام 2002 وحصار مدرسة بيسلان عام 2004 وتفجيرات مترو الأنفاق في موسكو العام الماضي وتفجيرات مطار دوموديدوفو في يناير (كانون الثاني) الماضي.

يزعم قادروف كثيرا ولاءه لبوتين، حيث تزين صورة فوتوغرافية كبيرة لرئيس الوزراء الروسي برج المراقبة في مطار غروزني، لكنه يستمد سلطته حاليا من السلاح لا من القيادة السياسية في موسكو. واحتراما لقادروف، سحبت موسكو الجزء الأكبر من قواتها عام 2009 فيما يختبئ الجزء الباقي داخل الثكنات. وتقول كيمبرلي مارتين، الأستاذة بجامعة كولومبيا: «إذا حدث مكروه لقادروف، ماذا ستفعل روسيا؟ تقوم العلاقة مع الشيشان على رجل واحد. ربما ما زالت بعض القوات الروسية هناك، لكنها تعمل تحت إمرة قوات الأمن المحلية». وتطلق كيمبرلي التي انتهت لتوها من تأليف كتاب عن أمراء الحروب والدول، على ذلك الوضع «تعهيد السيادة». وترى أن بوتين كان عازما على التخلي عن السلطة لجعل قادروف يسيطر على ما لا يستطيع هو السيطرة عليه. وقالت: «المفارقة هي أن روسيا حاليا في مواجهة ما يقترب من الحكم الذاتي في الشيشان بعد أن خاضت حربين لمنعها من التمتع به».

وأوضح ماركيدونوف أنه رغم خلع الكرملين قادة نافذين سياسيين معارضين له، مثل عمدة موسكو يوري لوجكوف، يمتلك قادروف أسلحة. ويضيف ماركيدونوف: «لا يمكنني تصور اليوم الذي يدعو فيه بوتين أو ميدفيديف قادروف ويتأسفون له ويخبرونه أنه لم يعد رئيس الشيشان بعد اليوم».

أخبر قادروف الصحافيين الأسبوع الماضي أن هناك 68 رجلا مسلحا فقط في الشيشان وأنه يعرفهم بالاسم. أحدهم يدعى دوكو أوماروف وهو على صلة بتنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن تفجيرات مترو الأنفاق والمطار والذي يثير القلق في الولايات المتحدة إلى درجة جعلت وزارة الخارجية الأميركية تضعه على قائمة الإرهاب الصيف الماضي. ويقول قادروف: «ستصل أيدينا إلى أوماروف قريبا».

تحت مراقبة المسؤولين قالت شابات في جامعة غروزني اللائي يرتدين أوشحة إنهن يرتدين الحجاب بمحض إرادتهن. لكن في وقت لاحق من اليوم عندما تجنب عدد من الصحافيين حضور جولة رسمية لاجتماعات لم تفرض عليها قيود، سمعوا روايات مختلفة عن الحياة في الشيشان. في مدينة أوروس مارتان الصغيرة التي تقع جنوب غربي غروزني، تحدثت رايسا تورولويفا، 41 عاما، برعب عن ابنها سعيد صاليخ إبراغيموف وهو في التاسعة عشرة من العمر واختفى في أكتوبر (تشرين الثاني) 2009. ويوم اختفائه حاصر أفراد من الشرطة في قرية غويتي التي تبعد نحو 30 ميلا عن جنوب العاصمة منزلها ومنزلي زوجي أختيها حيث كان لهما فناء واحد. وقالت إن قوات الشرطة، التي كانت تتعقب الثوار الذين يختبئون في الغابة ويهاجمون قوات قادروف، أطلقت النار على رجل وأردته قتيلا خارج المنزل وقتل رجل أثناء تبادل إطلاق النار. واتهمت الشرطة رايسا الأرملة وعائلتها بإيواء جثة المقاتل إضافة إلى مقاتلين شيشانيين آخرين. وتم إضرام النيران في المنازل ثم اختطفت قوات الشرطة، التي تريد معرفة معلومات عن المسلحين، ابنها الطالب الجامعي في غروزني. وشوهد ابنها في تلك الليلة في مركز للشرطة وآثار الضرب تعلو وجهه. وقدمت رايسا شكوى عن اختفاء ابنها إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبحسب منظمة «ميموريال» لحقوق الإنسان، شهد عام 2009 على الأقل 93 حالة اغتصاب و30 جريمة قتل في جمهورية الشيشان التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة فقط. وتشير المنظمة إلى أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بنحو ثلاثة أو أربعة أمثال، لكن الناس يخافون من الإبلاغ عن الجرائم.

وقد قلصت المنظمة نشاطها العام الماضي في الشيشان. وتم اغتصاب ناتاليا استيميروفا، كبيرة المحققين بها التي اشتبكت علنا مع قادروف حول قضايا خاصة بحقوق الإنسان، خارج منزلها في غروزني في يوليو (تموز) 2009. وبعد ساعات وجدت جثتها المرشوقة بالرصاص وسط الغابة. وتقول رايسا التي أعربت عن شعورها بخوف أكبر من الخوف الذي شعرت به أثناء اختبائها وأبنائها في القبو أثناء القصف خلال الحربين: «في جمهورية الشيشان تشعر كل امرأة لديها ابن بالخوف. لقد صار واضحا كيف ينبغي للمرء أن يختبئ وممن ومتى يختبئ. لا نعلم الآن متى يأتون. فكيف لنا أن نختبئ؟!».

* خدمة «نيويورك تايمز»