تفجير يستهدف كنيسة السريان الأرثوذكس في زحلة يضاعف الهاجس الأمني في لبنان

الغموض يلف قضية الأستونيين المخطوفين بغياب أي معلومات عن مصيرهم

TT

هز فجر أمس انفجار قوي مدينة زحلة في البقاع اللبناني، تبين أنه ناجم عن عبوة ناسفة استهدفت كنيسة السيدة لطائفة السريان الأرثوذكس في المدينة الصناعية في زحلة، وألحقت أضرارا مادية كبيرة بالكنيسة، من دون أن توقع إصابات.

ويأتي هذا الحادث الأمني بعد أربعة أيام من خطف أربعة سياح أوروبيين من الجنسية الأستونية في نفس المنطقة، ولم يعرف أي شيء عن مصيرهم رغم الجهود الكبرى التي تبذلها الأجهزة اللبنانية المختصة في البحث عنهم.

وأفادت معلومات أمنية أن الانفجار الذي تعرضت له الكنيسة وقع نحو الساعة الخامسة من فجرا، حيث هرعت إلى المكان سيارات الإسعاف والإطفاء، كما حضر عناصر من الأدلة الجنائية والشرطة القضائية، وبوشرت التحقيقات في الحادث، بينما ضرب الجيش اللبناني طوقا أمنيا حول المنطقة، وأجرى مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر كشفا ميدانيا على المكان وعاين الأضرار، وأشرف على التحقيقات التي بدأتها الأجهزة الأمنية.

وأوضح مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن «التفجير الذي استهدف الكنيسة هو عبارة عن عبوة تزن نحو كيلوغرامين من مادة الـ(تي إن تي) الشديدة الانفجار، وقد فجرت عن بعد بواسطة هاتف جوال وضع بالقرب من العبوة، وجرى توصيله بشريط إلى صاعق المتفجرة، وعندما اتصل الفاعلون على رقم هذا الهاتف انفجرت العبوة»، مشيرا إلى أن «هذه الطريقة استعملت في عمليات اغتيال في الخارج لكنها لأول مرة تستخدم في لبنان، وهذا ما يمكن الفاعلين من تنفيذ العملية وهم على بُعد مئات الكيلومترات عن مكان التفجير». وأكد المصدر القضائي أن «الأجهزة الأمنية بدأت عمليات مسح دقيقة للمنطقة ولكل كاميرات المراقبة المثبتة على الأبنية والشركات المجاورة لموقع الكنيسة وللطرق المؤدية إليها، في محاولة لالتقاط أي صورة لواضع المتفجرة».

ومساء أمس عقد اجتماع في صالون كنيسة السيدة حضره مطارنة مدينة زحلة ونوابها وضباط الأجهزة الأمنية، أما في المواقف من الحادث فاعتبر مطران زحلة للسريان بولس سفر إثر تفقده الكنيسة أن «هذا العمل تخريبي يستهدف بيوت الله، وأن الذي أقدم على هذا الأمر لا إيمان له». وإذ وصف الأضرار بالكبيرة أشار إلى أن «الجيش اللبناني كان يتولى حماية الكنيسة منذ شهر، وقد أزيل الحاجز منذ عشرة أيام»، مطالبا بـ«إعادة الحراسة على الكنيسة».

وصف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الانفجار الذي استهدف كنيسة السيدة في المدينة الصناعية في زحلة بـ«العمل الإرهابي ومحاولة ولزعزعة الأمن والاستقرار في لبنان للنيل من وحدة أبنائه وسلمهم الأهلي، ويأتي هذا التفجير للدس والوقيعة بين المسلمين والمسيحيين من يد عميلة تريد أن تُشغِل اللبنانيين عن قضاياهم الوطنية الراهنة بفتنة طائفية، ويأتي ضمن المؤامرة على لبنان وشعبه». داعيا القوى الأمنية إلى «تكثيف إجراءاتها والسهر على أمن اللبنانيين وتأمين وسائل التحصين والرعاية اللازمة كي لا تتكرر مثل هذه الحوادث المؤسفة، والضرب بيد من حديد على من يثبت التحقيق ارتكابه في هذه الجريمة»، ومشددا على أن «وحدة اللبنانيين وحكمتهم ووعيهم هي الرد الحقيقي على كل من يحاول زعزعة أمن واستقرار لبنان». وأجرى قباني اتصالا بمطران زحلة للسريان الأرثوذكس بولس سفر، مبديا إدانته واستنكاره لحادثة تفجير الكنيسة.

بدوره أوفد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، النائب عصام عراجي لزيارة كنيسة السيدة في زحلة والتقى الأخير مطران طائفة السريان الأرثوذكس بولس سفر، ناقلا تضامن الرئيس السنيورة وكتلة نواب المستقبل إليه وإلى الطائفة السريانية.

كما اتصل رئيس حزب الكتائب أمين الجميل بالمطران سفر، شاجبا الحادثة ومنددا بالعمل الإجرامي، واضعا إمكانيات حزب الكتائب في تصرفه. وتلقى عضو كتلة الكتائب النيابية، النائب إيلي ماروني، اتصالا من وزير الداخلية والبلديات زياد بارود حيث تشاور معه بشأن الوضع الأمني في المدينة.

وأضيف هذا التطور الأمني إلى قضية اختطاف السياح الأستونيين السبعة الذين لا يزال لغزهم محيرا للأجهزة الأمنية والعسكرية، التي لم تتوقف لحظة عن البحث والتحري عنهم، بدءا من مدينة زحلة وكل البقاع الأوسط، وعلى طول الحدود السورية اللبنانية، وصولا إلى منطقة البقاع الغربي ولكن من دون نتيجة، وأكد مرجع أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط» أن «مسألة خطف الأستونيين تحولت إلى هاجس لدى السلطات اللبنانية، التي تكثف من جهودها لجلاء مصيرهم، ولم تتوصل بعد إلى نتائج حاسمة أو معلومات يمكن البناء عليها»، آملا في «التوصل إلى خيوط تقود إلى تحديد مكانهم وإعادتهم سالمين إلى بلادهم، وهذا ما تعمل عليه الدولة اللبنانية بكل طاقاتها وقدراتها».

ولفت رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى أن «حادثة خطف الأستونيين السبعة في البقاع أصابت بضررها كل اللبنانيين، وهي لا تنعكس سلبا على فريق (14 آذار) فقط»، معتبرا أنه «لا يجوز أن نعود بعد 25 عاما على الحرب اللبنانية، إلى خطف رهائن أجانب، إذ إنه بوجود جزر أمنية وسلاح خارج الدولة لا نستطيع أن نستبعد أي شيء»، سائلا: «أين مسؤوليتنا كمواطنين وتجاه من؟».