الانتخابات المحلية في فرنسا: تخوف من صعود اليمين المتطرف

آخر «تجربة» انتخابية قبل الانتخابات الرئاسية والنيابية ربيع 2012

TT

توجه الناخبون الفرنسيون مجددا أمس إلى صناديق الاقتراع في الدورة الثانية والأخيرة من الانتخابات المحلية، وسط مخاوف من تقدم اليمين المتطرف على حساب الأحزاب «التقليدية». وترتدي هذه الانتخابات أهمية إضافية، إذ إنها الأخيرة قبل الاستحقاق الرئيسي ربيع العام القادم، حيث ستجرى الانتخابات الرئاسية وتليها الانتخابات النيابية.

غير أن العلامة الفارقة تتمثل في عودة الجدل حول موقع الإسلام في المجتمع الفرنسي، فيما ينتظر أن يطلق حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني (الحاكم) رسميا، الأسبوع القادم، وتحديدا في 5 أبريل (نيسان) المقبل، نقاشا موسعا حول الإسلام والعلمنة، وسط مخاوف من أن يكون القصد منه التنديد بالإسلام والسعي لاجتذاب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة. وبالنظر لنتائج استطلاعات الرأي التي تظهر كلها تراجع شعبية الرئيس ساركوزي ومعه اليمين الكلاسيكي، فإن اليسار والخضر والكثير من منظمات المجتمع المدني والمثقفين تندد بالنوايا «الخفية» للحزب الرئاسي الذي تتهمه بدغدغة المشاعر بحثا عن كسب انتخابي.

وكان لافتا للنظر أن ساركوزي امتنع عن اتخاذ موقف في حال التنافس ما بين مرشح من الجبهة الوطنية وآخر من اليسار، تاركا بذلك الحرية للناخبين، مما فهم على أنه رغبة منه في عدم «تنفير» ناخبي اليمين المتطرف في الاستحقاقات القادمة. وكان هذا الموقف قد أثار بلبلة داخل صفوف اليمين. والجدير بالذكر أن اليسار دعا إلى التصويت للمرشح جاك شيراك في عام 2002 لقطع طريق الإليزيه على مرشح الجبهة الوطنية جان ماري لوبن. لكن يبدو أن اليمين لم يكن مستعدا للمعاملة بالمثل باستثناء بعض المواقف الفردية والمحلية.

وكانت الظاهرة الأبرز أمس نسبة الامتناع عن التصويت والمشاركة المتدنية. ورغم أن هذا النوع من الانتخابات المحلية (وهي غير الانتخابات البلدية) يشهد تقليديا نسبا عالية من التغيب، فإنها بلغت مستوى قياسيا في الدورة الأولى (55.68%). وظهر أمس، تراجعت نسبة المنتخبين قياسا ليوم الأحد الماضي، إذ تدنت إلى 13.69%، مقابل 15.70%.

وتنافس أمس 3124 مرشحا للفوز بـ1566 مقعدا يمثلون 58 دائرة. وفي المجالس السابقة، كان اليسار يسيطر على 58 منطقة، واليمين على 42 منطقة، فيما لم يكن لليمين المتطرف أي مقعد. ويقدر خبراء أن اليسار مؤهل للفوز بعشر مناطق إضافية على حساب اليمين. وقد حل اليمين المتطرف في المرتبة الأولى في 39 دائرة، وتأهل للتنافس في الدورة الثانية في ربع الدوائر المتبقية من الدورة الأولى. ولذا، فإن موقف ناخبي اليمين الكلاسيكي كان حاسما لرسم الخارطة السياسية المحلية الجديدة. وهذا الانتخاب سيكون الأخير من نوعه بعد الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة على الانتخابات المحلية. ويقتصر عمل المجالس المحلية على النقل والتعليم وخلافهما من الشؤون الحياتية اليومية.

ويرى مراقبون سياسيون أن النتيجة الهزيلة التي حصل عليها اليمين التقليدي الأحد الماضي (17% مقابل 25% لليسار و15% لليمين المتطرف) تبين تراجع موقف حزب الأكثرية انتخابيا وشعبيا. وبينت استطلاعات الرأي أنه إذا جرت الانتخابات الرئاسية اليوم، فإن زعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن (التي خلفت والدها في هذا المنصب في شهر يناير/ كانون الثاني، الماضي) مؤهلة للترشح للدورة الرئاسية الثانية، مما يشكل خطرا مميتا على الرئيس نيكولا ساركوزي العازم على التنافس لولاية ثانية. ولذا، فإن نتائج انتخابات الأمس ستدرس، يمينا، بعناية فائقة في محاولة لرسم خطط استعادة الشعبية المفقودة، مما يفسر إثارة مواضيع المهاجرين والأمن خصوصا موقع الإسلام في المجتمع الفرنسي اليوم وعلاقته بالعلمنة.