جرائم الاغتصاب في الهند تكشف الوجهين المختلفين للبلاد

المدانون من الضواحي الزاحفة على العاصمة وضحاياهم من الطبقة الوسطى المزدهرة

هندية تتظاهر ضد تزايد جرائم الاغتصاب في نيودلهي في أواخر نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

التقى العشيقان الشهر الماضي في بقعة منعزلة بالقرب من حقل للقمح على أطراف هذه الضاحية المترامية الأطراف في نيودلهي، حيث تقف حقول الخردل والعربات التي تجرها الدواب متاخمة لأبراج سكنية وإدارية شاهقة تعج بأبناء الطبقة الوسطى الناشئة. وقد سعى الشاب والشابة لقضاء بعض الوقت بمفردهما، لكن بدلا من ذلك وجدا نفسيهما في مواجهة صدام عنيف بين الوجهين القديم والحديث للهند. أفادت الشرطة بأن خمسة رجال مخمورين من قرية قريبة اقتربوا من الشخصين واعتدوا بالضرب على الشاب واغتصبوا الفتاة. وتعد تلك أحدث حلقة في سلسلة اعتداءات جنسية وحشية وجرائم اغتصاب جماعي لنساء في العاصمة الهندية وضواحيها الواسعة. وفي كل قضية، بدا أن هناك صداما مروعا بين ثقافة مدينة تتحول بسرعة إلى الحداثة وثقافة قرى منغلقة على نفسها تزحف العاصمة باتجاهها. وتنتمي غالبية الضحايا لفئة الشابات المتعلمات من الطبقة الوسطى واللائي يعملن خارج منازلهن، وهي فئة غالبا ما يجري النظر إليها باعتبارها تفتقر إلى الفضيلة، وبالتالي من الطبيعي تعرضهن للتحرش، بل والاغتصاب. وقالت أم أحد الشباب المتهمين بالاغتصاب خلال مقابلة أجريت معها، رافضة ذكر اسمها: «إذا تجولت هذه الفتيات في الأرجاء على هذا النحو، من الطبيعي أن يرتكب الفتية أخطاء». وواضح أن هذا التوجه له جذور راسخة وعميقة على نحو جعل نيودلهي أكثر المدن الكبرى خطورة بالنسبة للنساء في الهند. ويقترب معدل جرائم الاغتصاب التي يتم الإبلاغ عنها من ثلاثة أضعاف نظيره في مومباي، و10 أضعاف المعدل في كلكتا، طبقا للبيانات الحكومية. وتوصلت دراسة مسحية أجرتها الحكومة وعدة منظمات نسوية العام الماضي إلى أن 80% من النساء تعرضن لتحرش لفظي في نيودلهي، وأن ما يقرب من الثلث تعرضن لتحرش جسدي من قبل رجال. وذكر قرابة نصف النساء اللائي شملتهن الدراسة أنهن تعرضن للمطاردة. يذكر أنه في وقت سابق من الشهر تعرضت طالبة بجامعة نيودلهي للقتل بإطلاق النار عليها في وضح النار من قبل رجل تعتقد الشرطة أنه كان يطاردها. وأوضحت الشرطة أن المهاجمين غالبا ما لا يعتبرون ما فعلوه جريمة، ولا يتوقعون أن تقدم النساء اللائي اعتدوا عليهن على إبلاغ الشرطة. وعن ذلك، قال إتش جي إس. دهاليهوال، نائب رئيس الشرطة في نيودلهي: «ليس لدى هؤلاء شك في أنهم سيفلتون بفعلتهم». يذكر أن الاقتصاد الهندي من المتوقع أن ينمو بنسبة 9% هذا العام، وقد حمل هذا الازدهار الاقتصادي معه تغيرات اجتماعية كاسحة. وتضاعف عدد النساء المشاركات في قوة العمل خلال السنوات الـ15 الماضية. وأشار مسؤولون معنيون بفرض القانون إلى أن معدل جرائم العنف ضد النساء تراجع في نيودلهي خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة تعزيز الشرطة جهودها واتخاذ إجراءات مثل تخصيص عربات في القطارات للسيدات وفرض قوانين تلزم الشركات التي توظف نساء في نوبات متأخرة بتوفير وسائل لتوصيلهن لمنازلهن. إلا أن الغالبية العظمى من الجرائم ضد النساء تمر من دون الإبلاغ عنها، حسبما اعترفت الشرطة ونشطاء معنيون بحقوق المرأة، مستطردين أن الصدام بين المدينة ذات الطابع الكوزموبوليتاني المتنامي والقرى ذات الثقافة التقليدية المحيطة بها يزداد حدة يوما بعد آخر. وذكرت رانجانا كوماري، الناشطة البارزة في مجال حقوق المرأة، أن «هناك قدرا كبيرا من التوتر بين أصحاب الفكر التقليدي ومن يعيشون بمدينة تتغير بهذه السرعة الكبيرة. هناك رجال غير معتادين على مشاهدة هذه الأعداد الغفيرة من النساء بالأماكن العامة».

ومن بين أكثر المناطق التي يتجلى فيها هذا الصدام هنا في غازي آباد الواقعة على الطرف الشرقي لنيودلهي ذات الاتساع الشاسع. وتمثل المنطقة الزراعية التي التقى عندها العشيقان سالفا الذكر خطا فاصلا حاسما غير مرئي. وبالطبع، ليس هناك شك في الخلفية الحضرية التي ينتمي إليها الشخصان، فالشاب مهندس بشركة تعمل بمجال التكنولوجيا المتقدمة ويتقاضى راتبا جيدا بما يكفي لأن يمتلك دراجة نارية وجهاز كومبيوتر محمول. أما المهاجمون فينتمون لقرية رايسبور، التي تقع على بعد أقل من ميل من المجمع الأنيق الذي يعيش به الشاب في شقة فاخرة مع والديه. ورغم قصر المسافة، يمكن القول إن المهاجمين ينتمون لهند مختلفة تماما، حيث فشلوا جميعا في إنهاء تعليمهم الثانوي. وتعج أزقة قريتهم الضيقة بروث الأبقار. وعلى ما يبدو، يضم كل منزل عددا من الأبقار والجاموس يعيش الكثير منها في حظائر داخل البيوت. وعلى خلاف الحال مع الأعداد المتزايدة من النساء المهنيات داخل المدينة القريبة، تعيش نساء رايسبور حياة ضيقة، حيث يغطين وجوههن بالشال أمام الغرباء ونادرا ما يخرجن إلى ما وراء القرية. فمثلا، تخرجت سيما تشودري (20 عاما)، شقيقة أحد المتهمين، في المدرسة الثانوية، لكن عندما حاولت الالتحاق بالجامعة للعمل مدرسة رفض أشقاؤها الرجال باعتبار أن الشابات اللائي يخرجن بعيدا عن القرية يواجهن أخطارا كثيرة. وعلقت على ذلك بقولها: «رغبت أن أفعل شيئا في حياتي، لكنهم رأوا أن هذه الفكرة غير صائبة». وبالمقارنة، تمتعت المرأة التي تعرضت للاغتصاب هنا بقدر هائل من الحرية، حيث عملت كمحاسبة في مصنع لإنتاج الملابس وتملك هاتفا جوالا خاصا بها وحسابا بريديا إلكترونيا. وقد مكنها ذلك من الدخول في علاقة عاطفية سرية مع شاب التقت به عبر الإنترنت رغم أن والديها كانا قد اتخذا ترتيبات لتزويجها بشخص آخر، حسبما ذكرت الشرطة. وقال فاجاي كومار سنغ، ضابط الشرطة رفيع المستوى هنا الذي تولى التحقيق في قضية الاغتصاب، إنه في 5 فبراير (شباط) قدم شاب إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن سرقة هاتفه الجوال وجهاز كومبيوتر محمول. وعندما ادعى الشاب أن السرقة تمت قرب منطقة زراعية منعزلة، سيطرت الشكوك على ضابط الشرطة سنغ لأن هذا المكان مسرح غير محتمل لجريمة سرقة. وعندما ضغط على الشاب لمعرفة التفاصيل، اضطر الأخير في النهاية للاعتراف أنه كان قد اصطحب عشيقته إلى منطقة منعزلة حتى يجلسا على انفراد، وأن خمسة رجال اعتدوا عليه بالضرب واغتصبوها. وبناء على الأوصاف التي ذكرها، تمكنت الشرطة سريعا من تحديد هوية أحد المهاجمين واسمه توني من رايسبور، سبق وأن تورط بقضية حققت الشرطة بشأنها. وذكر سنغ أنهم عدما ألقوا القبض على توني كان لا يزال مخمورا. وأضاف: «لم يبد أدنى شعور بالخجل لدرجة أنه حكى تفاصيل الواقعة من دون أي ندم». وأشارت الشرطة إلى أن توني نفى لاحقا اعتداءه على المرأة الشابة. ومن الواضح أن توني افترض أن ضحية الاغتصاب سينتابها شعور هائل بالعار. وخشي سنغ من أن يكون محقا في اعتقاده. وقال: «أدركت من البداية أن الفتاة لن تساعدنا». وبالفعل، ألقت الشرطة القبض على الرجال الخمسة ووجهت إليهم تهمتي الاغتصاب والسرقة. وحاولت الشرطة مرارا حث الشابة على التقدم بشهادتها. وبعث رئيس شرطة المدينة إليها برسالة عبر البريد الإلكتروني يحثها خلالها على التعاون وعرض عليها حماية هويتها. لكنها ردت برسالة إلكترونية مقتضبة قالت فيها: «الشرطة لن تعيد لي شرفي». واتصلت الشرطة بوالدها، الذي حثها بدوره على التعاون مع الشرطة، حسبما أفاد راغوبير لال، رئيس شرطة غازي آباد. لكن في الصباح التالي عثر عليها شقيقها وهي تحاول شنق نفسها. وعليه، قررت الشرطة وقف الضغوط عليها لحثها على التعاون. وأوضح سنغ أنه من دون وجود دليل مادي على الاغتصاب أو شهادة الضحية، لن تصمد تهمة الاغتصاب طويلا أمام المحكمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»