القمع في بيلاروسيا يتوسع ليطال غير السياسيين أيضا

عائلة تمتهن التدريس الجامعي عانت السجن والتغريم.. بسبب المشاركة في مظاهرة

أندريه فيلكين (نيويورك تايمز)
TT

طالما احتفي بأندريه فيلكين في بيلاروسيا؛ نظرا لما يتمتع به من مهارات كمعلم ومدرب للعبة الكاراتيه. ويملأ أندريه، الذي ينتمي إلى أسرة تضم متقنين للفنون القتالية، غرفة المعيشة في منزله بما يدل على نجاحه، مثل كؤوس فاز بها في بطولات عالمية وجوائز منحت له تقديرا «لخدمة وطنه»، لكنها لا تفيده كثيرا الآن؛ فقد أطلق النظام الحاكم المستبد في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة على أسرة فيلكين «أعداء الشعب»، وهي عبارة يعود تاريخها إلى حقبة التطهير في عهد ستالين بسبب اشتراك أفراد الأسرة في الاحتجاجات ضد التزوير المزعوم للانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس بمدة ثانية.

كان فيلكين وزوجته سفيتلانا، وابنهما ألكسي، البالغ من العمر 21 عاما، من بين الآلاف الذين احتشدوا في الميدان الرئيسي عقب الانتخابات التي أجريت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وكان رد فعل عناصر الشرطة عنيفا للغاية؛ إذ تم اقتيادهم مع مئات آخرين إلى سيارات الشرطة ومنها إلى السجن.

وتم إصدار أحكام تعسفية عاجلة ضد فيلكين وابنه؛ حيث حكم عليهما بالحبس أسبوعين للاشتراك في تظاهرة غير قانونية، والأمر الأكثر غرابة لترديد هتاف «تعيش بيلاروسيا». وتم اعتقال زوجته ليلة وفرض عليها دفع غرامة وتم إطلاق سراحها. لكن الاعتقال لم يكن سوى أولى المشكلات التي واجهوها. فقد اتخذت الشرطة السرية التي ما زالت تسمى «كي جي بي» (الاستخبارات السوفياتية السابقة) أولى خطواتها ضد قادة المعارضة ومؤيديهم. وقد مثل بعضهم بالفعل أمام المحكمة وصدرت بحقهم أحكام تصل إلى 4 سنوات. لكن التنكيل امتد حاليا ليشمل من لم تكن لهم علاقة بالسياسة مثل أسرة فيلكين الذين تجرأوا وعبروا عن غضبهم من السلطة.

ويشير نطاق القمع إلى أن الرئيس ألكسندر لوكاشينكو يعتقد أنه بحاجة إلى إحكام قبضته على الدولة في وجه المعارضة الشعبية؛ فبعد الانتخابات التي قال عنها مراقبون مستقلون إنها مزورة، ارتفعت الأسعار وأصبح الحراك الاجتماعي محدودا وزاد إحباط الناس بسبب سيطرة الحكومة على كل جوانب المجتمع.

وقالت إنا كيولي، رئيسة منظمة «التضامن» الحقوقية في بيلاروسيا: «لقد أدرك النظام أنه يمكنه البقاء حاليا من خلال الأعمال الاستفزازية والقمع والظلم». وتم فصل عدد كبير من الذين شاركوا في الاحتجاجات من وظائفهم أو طردوا من الجامعات، على حد قول الجماعات الحقوقية. وقد شطبت الحكومة أسماء 5 من المحامين من النقابة لدفاعهم عن قادة من المعارضة المعتقلين ويعتزم البعض أن يحل محلهم في الدفاع عن أولئك القادة.

وتقول إنا كيولي: إن النظام يستمد جانبا كبيرا من سيطرته من احتكاره للوظائف والتعليم. ويطلب الرئيس الولاء له مقابل توفير الوظائف والتعليم المجاني. وليس لدى الكثيرين الاختيار؛ فوظائف القطاع الخاص والجامعات المستقلة في بيلاروسيا التي لا تزال تتبنى النظام الاقتصادي السوفياتي نادرة. وتسهم الأحداث الجارية في الخارج في التنكيل. فقد أوضح الرئيس لوكاشينكو، الذي كثيرا ما يشار إليه بأنه آخر ديكتاتور في أوروبا، أنه سيتصدى إلى أي محاولات للقيام بأي ثورة مثل التي شهدتها دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط مؤخرا. وقال، خلال زيارته لقاعدة عسكرية الشهر الماضي: «إذا ظهر تهديد حقيقي في دولتنا، لن أتردد في الاستعانة بالقوات المسلحة».

وبعد خروج أسرة فيلكين من السجن وجدوا حياتهم قد انتهت؛ فقد اعتُبر تأثير فيلكين وزوجته اللذين كانا يعملان مدرسين للفنون القتالية في جامعة مينسك سلبيا على الشباب ومن ثم تمت إقالتهما. وفضلا عن ذلك تم منعهما من الدخول إلى المركز الرياضي الخاص بهما في الجامعة ولم يجدا أي مكان يعطيان فيه دروسا خاصة.

وقال فيلكين، البالغ من العمر 52 عاما، إنه قلق من احتمال طرد ابنه من الجامعة وتجنيده في الجيش. فبحسب المنظمات الحقوقية تم طرد عدد كبير من المشاركين في الاحتجاج. وأضاف، وأمامه كوب من الشاي على طاولة مطبخه: «عليك أن تحافظ على ولائك. لقد خرقنا هذه القاعدة ونحن الآن خارج اللعبة». وقد نعت الرئيس من هم أمثال أفراد أسرة فيلكين بالخونة وأدوات لتنفيذ مؤامرة غربية لخلعه.

كان عشرات الآلاف قد تجمعوا مؤخرا في ميدان الاستقلال هنا في العاصمة في ديسمبر الماضي مدفوعين بغضب مما بدا تزويرا للانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس بـ80% من الأصوات. وتم إلقاء القبض على أكثر من 700 شخص في تلك الليلة والزج بهم في سيارات الشرطة ومنها إلى زنازين مزدحمة. واحتفل فيلكين بأعياد الكريسماس وعيد ميلاده في سجن عليه حراسة مشددة بمدينة جودزينا؛ حيث قال إنه كان يضرب أحيانا ويتلقى إهانات لفظية من الحراس في أحيان أخرى. وكانت درجة الحرارة في الزنزانة منخفضة جدا وممتلئة بدخان السجائر. وقال إن سلواه هو ورفقائه في الزنزانة من الذين تم القبض عليهم لمشاركتهم في الاحتجاجات كانت لعب الشطرنج المصنوع من لقيمات الخبز الأسمر والأبيض قبل أن يكتشف الحراس ويأخذوها. وأطلق فيلكين تنهيدة طويلة عند سؤاله عن آرائه الآن قبل أن يجيب قائلا: «من الأفضل عدم مناقشة ذلك الأمر الآن؛ فأنا لم أتمكن بعدُ من الحصول على وظيفة لائقة في بيلاروسيا». وقد بدأ فيلكين العمل في جامعة بيلاروسيا الفنية القومية كمعلم للكاراتيه عام 1988. وفاز فريقه ببطولة الجمهورية للكاراتيه على مدار الـ12 عاما الماضية. ويقول، وهو يغطي وجهه وشاربه بيديه: «ضاع كل ما فعلناه على مدار تلك السنوات الماضية.. سوف تمحى ذكرياتنا كلها».

وقال فيودور بانتيلينكو، مساعد رئيس الجامعة، إنه لا يعرف الكثير عن القضية، لكنه أشار إلى حق فيلكين في الاستقالة إذا أراد ذلك. ومثله مثل الكثيرين ممن شاركوا في تظاهرات ديسمبر، لم يشارك هو أو أي فرد من أسرته في أي احتجاجات من قبل. وكذلك لم يكن لديه أي صلة بالمعارضة ولم يؤيد أيا من مرشحي المعارضة التسعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»