ألمانيا تعيش زلزالا سياسيا بفعل الأزمة النووية في اليابان

ميركل منيت بهزيمة انتخابية.. والخضر يحققون معجزة وينتزعون مقاطعة غنية

TT

مُني ائتلاف المحافظين الليبراليين في ألمانيا بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل أمس بهزيمة قاسية في انتخابات إقليمية أمام الخضر الذين حققوا فوزا تاريخيا على خلفية ارتفاع حدة المعارضة للمحطات النووية بسبب المخاوف الناجمة عن الكارثة اليابانية. وأحدث الخضر زلزالا سياسيا بانتزاعهم نصرا انتخابيا غير مسبوق، حيث إنهم وللمرة الأولى في تاريخهم سيقودون «لاند»، أي مقاطعة تتمتع بحكومة محلية، هي بادن - فورتمبرغ (جنوب غرب)، المقاطعة الغنية والمركز الصناعي البارز الذي يحتضن بعضا من أكبر المصانع في البلاد مثل شركات دايملر وبورش وبوش، فضلا عن أنه معقل لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل من 58 عاما.

وأدى تأييد ميركل للطاقة النووية رغم المخاوف الناجمة عن خطر حصول كارثة نووية بسبب المحطة النووية المتضررة في اليابان إلى إثارة مخاوف الناخبين. وحقق الخضر المعارضون للطاقة النووية تقدما كبيرا في الانتخابات التي تمت أول من أمس، إذ حصلوا، حسب النتائج الرسمية المؤقتة، على 24.2%، أي أعلى بـ12 نقطة مما نالوه في عام 2006، ما يتيح لهم المطالبة وللمرة الأولى منذ تأسيس حزبهم في عام 1980 بمنصب رئيس حكومة المقاطعة بالتحالف، كما هو متوقع، مع الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي حصل على 23.5% من الأصوات وفقا للنتائج الرسمية المؤقتة.

وأجمعت الصحف في تعليقاتها على اعتبار ما حصل انتصارا تاريخيا للخضر، فبينما اعتبره بعض المعلقين «زلزالا» سياسيا وصفه آخرون بـ«المعجزة الخضراء» التي ستمكن الخضر من حكم إحدى أغنى مناطق الاتحاد الأوروبي على الإطلاق. ورغم تصدره الانتخابات مع 38% من الأصوات فإن الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل لم يحصل على الأصوات الكافية للاحتفاظ مع شريكه الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، بحكم المقاطعة.

وعند إعلان النتائج عمت الفرحة في مقر حزب الخضر. وقال أحد المتحدثين باسمه فرانز أوترستلر: «إنه حلم تحول إلى حقيقة، لم نكن لنحلم أبدا بمثل هذه النتيجة قبل بضعة أيام». ومنذ الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما النووية في اليابان هيمنت المعارضة لسياسة ميركل النووية على حملة الانتخابات في هذه المقاطعة الألمانية التي تضم 4 من المفاعلات النووية الـ17 في البلاد. والسبت الماضي، ضمت مظاهرات احتجاج على السياسة النووية لحكومة ميركل 250 ألف شخص في أربع مدن كبرى في البلاد، بينهم 120 ألفا في برلين.

وأقر وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلي ورئيس الحزب الديمقراطي الحر بأن النتائج مخيبة للآمال، وقال: «إن سياسة الطاقة كانت موضوعا حاسما في هذه الحملة. كان الأمر بمثابة اقتراع على مستقبل الطاقة النووية، وقد أدركنا الأمر وسنناقشه في برلين».

وبعد حادث فوكوشيما قررت أنجيلا ميركل في منتصف مارس (آذار) الحالي الإقفال المؤقت للمفاعلات القديمة مع وضع كل المفاعلات في البلاد تحت رقابة لمدة ثلاثة أشهر. وجاء هذا الموقف لميركل بعد خمسة أشهر على إعلانها تمديد العمل لـ17 مفاعلا نوويا مدة 12 عاما كمعدل وسطي، الأمر الذي اعتبرته غالبية من الألمان مناورة سياسية. ورأى راينر بروديرل وزير الاقتصاد الفيدرالي ورئيس الحزب الديمقراطي الحر في مقاطعة بادن - فورتمبرغ أن «الأزمة في ليبيا والمناقشات حول اليورو» ألقت بثقلها أيضا على الحملة.

وحصل الخضر على 17% من الأصوات في مقاطعة رينانيا - بالاتينا المجاورة (غرب)، حيث حصل الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي يحكم المقاطعة وحده على 35.5% من الأصوات، وهي النسبة التي تتيح له الاحتفاظ بالحكم بالتحالف مع أنصار البيئة.

وحصل حزب ميركل، الاتحاد المسيحي الديمقراطي، على 34% من الأصوات ليبقى في المعارضة وفقا لاستطلاع أجري عند خروج الناخبين من مراكز الاقتراع. وبذلك سيدخل الخضر بقوة برلمان رينانيا بالاتينا بعد أن فشلوا عام 2006 في جمع نسبة الـ5% اللازمة لدخوله. في المقابل طرد حزب وزير الخارجية فسيترفيلي الليبرالي من هذا البرلمان حيث لم يجمع سوى 4% من الأصوات، كما أفاد هذا الاستطلاع.

لكنّ محللين يرون أن تحالف ميركل سيستمر لأن المعارضة لا تزال ضعيفة جدا على المستوى الوطني، ولعدم وجود منافس قوي لها داخل حزبها. وكتبت مجلة «دير شبيغل» على موقعها على الإنترنت أن «الاتحاد المسيحي الديمقراطي ليس لديه أحد، سيبقى متمسكا بميركل على الأقل إلى حين موعد الانتخابات الفيدرالية المقبلة في عام 2013». وقالت صحيفة «ميونيخ» إن الاتحاد المسيحي الديمقراطي «غرق في أزمة هوية حادة»، معتبرة أن ميركل، التي لا يزال يتعين على حزبها خوض ثلاثة استحقاقات انتخابية محلية في عام 2011، لن يكون بمقدورها تجاهل الرسالة الانتخابية حول الملف النووي.

وبحسب دراسات أجرتها معاهد متخصصة بالانتخابات فإن الخضر قاموا بحملة تعبئة لا سابق لها، مكنتهم من انتزاع أصوات لا يستهان بها من الاتحاد المسيحي الديمقراطي، ذلك أن 16% ممن اقترع لصالحهم هم من ناخبي هذا الحزب، كما أن 11% من ناخبيهم هم ممن كانوا يمتنعون في السابق عن الاقتراع. وقال المحلل السياسي غيرد لانغوث إن «الائتلاف الفيدرالي لن يسقط، ولن تكون هناك انتخابات مبكرة»، مؤكدا أن ميركل «ليست في خطر»، والسبب في هذا يعود في قسمه الأكبر إلى انعدام وجود منافس جدي لها في معسكرها، على حد قوله.