الصحافيون في سورية يتعرضون للتضييق والاعتقالات.. والسلطات الرسمية: لا تصدقوا إلا التلفزيون السوري

ترحيل مراسل «رويترز» من دمشق واعتقال مراسل آخر ومصور للوكالة

TT

يعاني الصحافيون في سورية من صعوبة بالغة في تغطية الأحداث الجارية، ويعاني الصحافيون إما من الاعتقال وإما من التضييق عليهم ومراقبة نشاطهم وحركاتهم عن كثب. وبعد أن طردت السلطات السورية مراسل وكالة «رويترز» في دمشق خالد عويس، وسحبت منه اعتماده، اعتقلت مراسلا آخر للوكالة هو سلميان الخالدي، أردني الجنسية.

وناشد مركز حماية وحرية الصحافيين في الأردن الرئيس السوري بشار الأسد الإفراج الفوري عن الخالدي، مدير مكتب «رويترز» في عمان. وطالب المركز في بيان صادر عنه الحكومة السورية بضرورة حماية الزميل الخالدي وضمان سلامته وأمنه وإطلاق سراحه دون قيد أو شرط. وقال المركز «إن الخالدي اعتقل في دمشق الثلاثاء الماضي من قبل الأمن السياسي السوري واقتيد إلى مكان غير معروف».

وأعرب الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحافيين نضال منصور «عن أمله بأن تسفر الاتصالات التي تجريها الحكومة الأردنية عن إطلاق سراح الخالدي وعودته إلى عمان».

وأضاف «أن السفير الأردني بدمشق أبلغ منذ مساء الأمس باعتقال الصحافي الأردني الخالدي وهو يتحرك لإجلاء مصيره». وأوضح «أن المعلومات الأولية التي تلقتها السلطات الرسمية الأردنية بعد اتصالات أجرتها مع الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية أكدت أن الخالدي معتقل ويخضع للتحقيق وسيفرج عنه حين ينتهون من التحقيق معه».

ودعا منصور الحكومة السورية إلى احترام حرية الإعلام والالتزام بتعهداتها بحق الإعلاميين في التغطية المستقلة، مؤكدا أن قيام الصحافيين بتغطية الاحتجاجات في سورية حق لهم ولا يجوز مساءلتهم وسجنهم بسبب ذلك. وقال منصور إن «الصحافيين الذين يغطون الأحداث طرف محايد وليسوا جزءا من المحتجين، وهم شهود على ما يحدث ويجري ومن غير المقبول معاقبتهم لأنهم يقومون بواجبهم». وتمنى منصور أن يطلق سراح الخالدي بأسرع وقت ممكن، مؤكدا في الوقت ذاته مطالبة المركز بإطلاق سراح كل الإعلاميين الذين احتجزوا في سورية والتوقف عن فرض القيود عليهم.

وطالب المؤسسات الدولية المدافعة عن حرية الإعلام بإطلاق حملة سريعة لتأمين الإفراج عن الخالدي وسلامته وكذلك دعم مطالبات الصحافيين في سورية بالحرية والاستقلالية.

وكانت السلطات السورية قد أطلقت يوم أول من أمس، سراح المصور التلفزيوني في «رويترز» عزت بلطجي، ومديرة الإنتاج في الوكالة آيات بسمة، بعدما أخضعا لتحقيقات حول طبيعة عملهما في الأراضي السورية. وتم تدارك الأمر سريعا وإطلاقهما، حيث شكرت نقابة المصورين الصحافيين في لبنان في بيان، الرئيسين اللبناني ميشال سليمان والسوري بشار الأسد وكل من أسهم في إطلاق الصحافيين اللذين كانا في مهمة صحافية وعائدين إلى بيروت عندما فقد الاتصال بهما.

وعبرت السلطات السورية عن امتعاضها من طريقة تغطية مراسل «رويترز» في دمشق خالد عويس للأحداث الجارية في سورية ووصفتها بأنها «غير مهنية». وقامت وزارة الإعلام بسحب بطاقته الصحافية وتم ترحيله إلى الأردن على الفور. وبحسب معلومات متداولة على شبكة التواصل الاجتماعي فإن مصورا في مكتب دمشق لوكالة «رويترز» اختفى منذ أيام، وفي معلومات غير مؤكدة أنه محتجز، في حين نقل عن رانيا العبد الله، ملكة الأردن قولها «إنها تنتظر بفارغ الصبر سماع أخبار عن الصحافي الأردني في وكالة (رويترز) سليمان الخالدي المعتقل في سورية»، حيث كتبت يوم أمس (الأربعاء) على صفحتها الشخصية بموقع «تويتر»: «أنتظر بفارغ الصبر هذا الصباح أنباء عن صحافي وكالة (رويترز) الأردني سليمان الخالدي الذي اعتقل أمس في سورية».

ووفق ما يتداول في الأوساط الإعلامية السورية تسعى الجهات السياسية جاهدة لتغيير طريقة التعاطي الأمني مع الإعلاميين دون جدوى، إذ تستمر عملية احتجاز الإعلاميين والمصورين لساعات أو حتى لعدة أيام، ومنهم من يتم تحويله إلى المحاكمة لعدم حصولهم على بطاقة صحافية من وزارة الإعلام السورية، أو لغياب حصولهم على وثيقة تثبت أنهم مكلفون بتغطية عمل معين، أو دخول أماكن غير مرغوب وجودهم فيها.

وتزداد مصاعب الصحافيين في سورية، حين تخرج الأمور عن نطاق المختصين بمتابعة عمل الإعلاميين في سورية والتي هي عادة وزارة الإعلام والمكاتب لدى مؤسسات أخرى، لتصبح بيد رجال أمن الموجودين في الشارع، وإذا كانت الجهات المعنية بالإعلام تعمد إلى أسلوب التحاور والمناورة فإن الجهات الأمنية غير معنية بذلك.

ويرفض الصحافيون الإدلاء بأي معلومات حول التضييق عليهم حرصا على زملائهم وكي لا تحبط جهود إخراجهم من التوقيف بأسرع وقت. كما انكفأ الصحافيون عن تغطية الأحداث على الأرض مع زيادة رفض الجهات الأمنية وصولهم إلى موقع الحدث. ومن الصحافيين من اكتفى بمتابعة ما يصدر رسميا فقط، أو الكتابة بأسماء مستعارة. وفي الأيام الأخيرة أبدت الجهات السورية الرسمية امتعاضها من تغطية بعض الوسائل الإعلامية بزعم «عدم حياديتها» وفي مظاهرات التأييد التي تشهدها الشوارع السورية ترتفع شعارات التنديد بانحياز وسائل الإعلام الخارجية وتحديدا «العربية» و«الجزيرة» و«بي بي سي».

ويوم أمس وجه انتقاد لاذع لجريدة «الشرق الأوسط» لأنها لم تشر إلى المكالمة الهاتفية التي جرت بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الأسد، واعتُبرت «الشرق الأوسط» تابعة لقناة (العربية) «المغرضة»، وفي المقابل فإن المحتجين يطالبون وسائل الإعلام بالحضور إليهم وتصوير الواقع، وفي غالبية الاحتجاجات يوم الجمعة الماضي علت هتافات «وينك يا جزيرة وينك» ومنهم من وضع حضور قنوات التلفزيون ضمن مطالبه الاحتجاجية، وعبروا عن عدم رضاهم لطريقة «الجزيرة» في التعاطي مع ما يجري في سورية، ويتهمونها بالتواطؤ مع السلطات السورية، ومنهم من يرجع ذلك لعلاقات المصالح الاقتصادية بين القطريين والسوريين في السلطة.

وإذا كان المحتجون يعاتبون وسائل الإعلام على غيابها، فإن فريق المؤيدين يدين طريقة تغطيتها ويعتبرها كاذبة وتضخم الأمور، وهو أمر ردت عليه مذيعة في التلفزيون السوري بالقول لمتصل شكا التهويل الإعلامي الخارجي «لا تصدقوا إلا التلفزيون السوري».