«ويكيليكس» تحرج «السياسي النظيف» في الهند

دعوات لسينغ بالتنحي بسبب شراء أصوات في البرلمان لتمرير اتفاق نووي مع أميركا

مانموهان سينغ
TT

السياسة الهندية فوق صفيح ساخن منذ نشر موقع «ويكيليكس» برقيات دبلوماسية تشير إلى إنفاق الحكومة الهندية التي يترأسها مانموهان سينغ، ملايين الدولارات على شراء أصوات نواب في البرلمان لدعم اتفاق التعاون النووي المدني مع الولايات المتحدة عام 2008. ووضعت المعلومات المحرجة الحكومة التي يقودها البرلمان في موقف حرج في ظل مطالبة المعارضة بطرد رئيس الوزراء.

ويعد الاتفاق النووي حجر الزاوية في العلاقات الأميركية - الهندية وحظي بدعم حكومة سينغ، لكنه لقي معارضة كبيرة من عدة أطراف في الهند، وبخاصة الحزب الشيوعي الذي سحب دعمه للحكومة الائتلافية في أعقاب إتمام الاتفاق عام 2008. والجدير بالذكر أن المماطلة من الجانب الهندي أثارت حنق الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، الذي أراد أن يتم الاتفاق خلال فترة رئاسته.

وجاء في مجموعة البرقيات الدبلوماسية التي تم تسريبها، أن أحد السياسيين الهنود الذي تربطه علاقة وثيقة بسونيا غاندي، رئيسة البرلمان الهندي، قد عرض أمام دبلوماسي أميركي، دفعة من المال كجزء من مبلغ إجمالي قدره 25 مليون دولار ليدفع للنواب المعارضين لجمع أصوات داعمة لاتفاق التعاون النووي. وقد مهد الاتفاق التاريخي الطريق للدول الأجنبية باستثمار 150 مليار دولار في سوق الطاقة النووية المدنية الهندية ووضع نهاية لعزلة الهند في المجال النووي عقب الاختبار النووي الذي أجرته عام 1974. وقبل اقتراع الثقة الخاص باتفاق التعاون النووي عام 2008، عرض نواب حزب بهارتيه جنتا، الذي يعد أكبر أحزاب المعارضة، نقودا في البرلمان وزعموا أن هذه الأموال دفعت لشراء الأصوات. لكن لم يسفر التحقيق في الواقعة عن أي نتائج، حيث لم يتم العثور على أي أدلة ملموسة. وقد سلطت هذه البرقيات الضوء على القضية مرة أخرى ولم تفعل سوى أن زادت من المشكلات التي تواجهها بالفعل حكومة سينغ على خلفية سلسلة من وقائع الفساد التي تورطت في ها حكومته العام الماضي. وقد أعرب الكثير من المحللين عن قلقهم البالغ من تقديم الحكومة لتنازلات لاسترضاء الولايات المتحدة.

وتشير البرقيات بوضوح إلى علم الولايات المتحدة، التي من مصلحتها بقاء حكومة سينغ، بالوسائل المخادعة التي استخدمتها الحكومة الائتلافية لضمان فوزها في اقتراع الثقة. وصرحت سوشما سواراج، زعيمة المعارضة في البرلمان الهندي، لصحيفة «الشرق الأوسط» بأن الحكومة «فقدت شرعيتها. وعلى مانموهان سينغ أن يستقيل بعد الفضيحة التي كشفتها برقيات (ويكيليكس)». ودعت الأحزاب اليسارية التي انسحبت من الحكومة عام 2008 على خلفية اتفاق التعاون النووي إلى التحقيق في الأمر.

لكن على الرغم من ذلك ما زال كثيرون يعتبرون مانموهان سينغ من أكثر السياسيين الهنود احتراما في العالم. ويعد الاقتصادي البارز من أكثر قادة العالم ثقافة. وخلال فترة توليه منصب وزير المالية قام بتحرير الاقتصاد الهندي. ويعد أول رئيس وزراء منذ جواهرلال نهرو يتم إعادة انتخابه بعد إكمال مدته التي تبلغ 5 سنوات. وينظر إليه باعتباره رجلا وقورا يتبع نمط حياة بسيطة ولم تغيره المناصب الرفيعة التي تقلدها. أما من ناحية الفساد السياسي في الهند، فهو نادرا ما يكون بمنأى عنه.

وفي الوقت الذي تكثر فيه حركة نواب البرلمان الهندي، يجلس سينغ هادئا وعلى وجهه ابتسامة. في آخر جلسة للبرلمان وجه حزب بهارتيه جنتا الذي عادة ما يتحالف مع الشيوعيين اتهامات إلى رئيس الوزراء بالكذب على البرلمان والإدارة السيئة للأمور. ووجهوا دعوات متكررة إلى سينغ بالاستقالة.

وعلى الرغم من ذلك، أوضح مانموهان سينغ متحدثا في البرلمان: «ليس لدي أي علم بأي من مثل هذه الأشكال من صفقات الشراء، وأنا بالطبع غير مقيد على الإطلاق بها، فلم أفوض أي أحد بشراء أي أصوات. وإنني لا أعلم عن أي عمليات شراء أصوات تم القيام بها».

وسعى سينغ إلى تجاهل البرقيات الدبلوماسية باعتبارها «تخمينية وغير مؤكدة». كما أشار إلى فوز حزبه في انتخابات 2009 باعتباره «دليلا» على أن الشعب قد رفض الادعاءات.

ومع ذلك، فإن البرقية الدبلوماسية التي نشرت على موقع «ويكيليكس» قد أثارت الحزب المعارض الأساسي، أي حزب بهارتيه جنتا، نظرا لأن البرقيات قد كشفت عن ازدواجية قادتها. وقد كشفت البرقيات عن أن نائب رئيس الوزراء الهندي السابق، إل كي أدفاني، الذي يشغل الآن منصب رئيس التحالف الوطني الذي يقوده حزب بهارتيه جنتا، أكد لأحد الدبلوماسيين الأميركيين أن الحديث المحتدم المضاد لاتفاق التعاون النووي كان يهدف لإحراز مكاسب على المستوى السياسي محليا. ولم تكن لدى الحزب نية لإعادة فتح باب النقاش بشأن هذا الاتفاق إذا صعد إلى السلطة في عام 2009.

وعلى الرغم من ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه مباشرة هو ما إذا كانت الحكومة التي يقودها البرلمان ستستمر أم لا. وقد أشار كثير من الملاحظين إلى أن هذه الفضيحة - كغيرها من الفضائح الكثيرة الأخرى - ستختفي، خصوصا أن الادعاءات قديمة وأن الاتفاق قد مضى قدما منذ ذلك الحين. وقد أفاد موقع «ويكيليكس» بأنه سوف يكشف عن المزيد من البرقيات الدبلوماسية المتعلقة بالهند، التي يمكن أن تشغل اهتمام الجمهور ووسائل الإعلام بفضيحة أخرى. ويمكن لحكومة مانموهان أن تكسب فرصة جديدة للاستمرار، على الأقل لحين إماطة اللثام عن فضيحة أخرى مرتقبة.