مراقبون لـ «الشرق الأوسط»: الانفتاح الإقليمي على الأكراد يثير احتمال أن يرفعوا سقف مطالبهم

استشهدوا بزيارة أردوغان لكردستان وتوجه سورية لتجنيس أكرادها ودعوة طهران لطالباني وبارزاني إلى احتفال «نوروز»

مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان مستقبلا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أربيل الثلاثاء الماضي (رويترز)
TT

توافقت آراء عدد من القيادات السياسية والأكاديمية في كردستان على وصف زيارة رئيس الوزراء التركي إلى إقليم كردستان قبل يومين بأنها زيارة «تاريخية»، وهي بالفعل زيارة تاريخية وخطوة شجاعة من أردوغان، كما وصفها الزعيم الكردي مسعود بارزاني في خطابه عند افتتاح مطار أربيل الدولي، لكنها زيارة لم تخل أيضا من دلالات أخرى.

وحاولت «الشرق الأوسط» أن تقرأ ما بين السطور في ما كتب عن تلك الزيارة التي اعتبرها الكثيرون تشكل تحولا كبيرا في العلاقات التركية مع إقليم كردستان بالذات، خاصة أن أردوغان لم يتحرج في خطابه في مراسم افتتاح مطار أربيل الدولي من أن يخاطب بارزاني بـ«الرئيس»، وهذه هي المرة الأولى التي يخاطب فيها مسؤول تركي رفيع المستوى بالحكومة التركية الزعيم بارزاني الذي كان هو والرئيس العراقي جلال طالباني يوصفان خلال فترة طويلة في وسائل الإعلام الرسمية وتصريحات مسؤولي تركيا بأنهما «زعيمان قبليان»، قبل أن يتطور الوصف إلى «زعيمي حزبين».

ويقول الدكتور يوسف كوران، المختص في الشؤون التركية في مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية، إن «مجرد قدوم أردوغان إلى أربيل يعد في حد ذاته اعترافا من الحكومة والقيادة التركية بواقع وجود إقليم كردستان، فطوال السنوات السابقة كان مسؤولو الحكومة التركية يتجنبون زيارة كردستان أثناء زياراتهم المتكررة إلى العراق، وكانت هناك سجالات واسعة داخل تركيا حول كيفية التعاطي مع الأمر الواقع بإقليم كردستان، لكن حزب العدالة والتنمية وبالأخص رجب طيب أردوغان نجح في كسر هذا الحاجز بخطوة شجاعة، واستطاع أن يوصل الكثير من الرسائل إلى الأتراك والأكراد معا من خلال زيارته الحالية إلى كردستان، بل إن مخاطبته للزعيم الكردي بـ(الرئيس) تعد في حد ذاتها تحولا كبيرا جدا في السياسة التركية في التعاطي مع الكرد وقضيتهم القومية، وفي اعتقادي أن مجمل هذه التحولات الكبيرة سيعزز من علاقة تركيا مع إقليم كردستان، وأعتقد أن ذلك في النهاية سيعود بالمنفعة والخير لصالح الطرفين، وسينعكس خاصة على النواحي الاقتصادية والتجارية والتعاون الثنائي».

وبسؤاله عما إذا هذه الزيارة تأتي لجر قيادة الإقليم إلى حرب مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، قال كوران «لا أعتقد ذلك، فحتى أردوغان بات يعرف استحالة جر القيادة الكردية إلى حربها مع (الكردستاني)، خصوصا في ظل الظروف الحالية من تصاعد الاحتجاجات الشعبية داخل كردستان، فلا الوضع السياسي في الإقليم يساعد على ذلك، ولا أردوغان ذاته جاد في محاربة العمال في هذا الظرف وهو مقبل على الانتخابات في تركيا، والتصريحات سواء التي تصدر عن أردوغان أو حتى من القيادات التركية حول مخاوفهم من نشاطات الكردستاني أصبحت في اعتقادي مادة للاستهلاك المحلي أكثر مما هي تعبير عن مخاوف أو هواجس أمنية». ويشاطره الرأي قيادي يساري كردي في الإقليم بهذا الجانب، ويقول «فعلا الزيارة لها علاقة وطيدة بالانتخابات القادمة في تركيا، وتعتبر جزءا من حملة إعلامية مبكرة من أردوغان لكسب الصوت الكردي لصالح حزبه»، لكنه استدرك قائلا «أعتقد أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو جر قيادة الإقليم إلى أتون حرب كردية - كردية». وكان المتحدث الرسمي باسم قيادة العمال الكردستاني أحمد دنيز قد دعا في وقت سابق، في تصريح نشرته وسائل الإعلام الكردية التابعة لحزبه، قيادة إقليم كردستان إلى «بحث القضية الكردية» مع أردوغان. ويعتقد المراقبون السياسيون في كردستان أن «مجرد توجيه هذه الدعوة إلى بارزاني من قبل الكردستاني، يعد تفويضا منه للزعيم الكردي واعتباره مرجعا أساسيا لحل القضية الكردية في المنطقة».

من جهته، شدد برهم صالح، رئيس حكومة إقليم كردستان، في لقاء له مع جريدة «أكشام» التركية، على أن «حكومة الإقليم لن تسمح مطلقا لأي طرف أو جهة بأن تستخدم أراضي الإقليم للهجوم على الدول المجاورة، وسنصر على هذه السياسة لأننا لا نريد أن نتسبب في تخريب أوضاع دول الجوار». وأضاف «لم يكن أحد يحلم يوما بأن يزور رئيس وزراء تركي إقليم كردستان، لكن ذلك تحقق، نحن لسنا أعداء، بل نعتبر أنفسنا جزءا من عائلة كبيرة واحدة، ولن نكون مصدرا لتهديد أي كان». ورغم هذه التصريحات المطمئنة من قادة الإقليم لدول الجوار فإن ذلك لا ينفي أن تكون للأحداث والتطورات الهائلة التي تشهدها المنطقة هذه الأيام تأثير مباشر على تشجيع الروح الانفصالية لدى أكراد المنطقة. ويرى البعض من المراقبين السياسيين أن الفرصة باتت أقرب إلى تحقيق الحلم الكردي بتشكيل الدولة الكردية المستقلة، خصوصا مع الانفتاح الكبير على القضية الكردية من قبل الدول التي تحكم أكرادا، مثل تركيا وإيران وسورية، وهذا بالطبع تحت ضغط الأحداث الراهنة في المنطقة.

فعلى الجانب التركي «أعلن أردوغان وبكل صراحة أنه سيسعى لإنهاء سياسة تنكر الدولة للوجود القومي الكردي في تركيا. وفي إيران سارع رئيسها محمود أحمدي نجاد إلى استضافة الرئيسين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني الذي أرسل نائبه نيجيرفان بارزاني مندوبا عنه لحضور احتفالات نوروز إلى جانب الكثير من رؤساء الدول المحتفلة بعيد نوروز. وفي الجانب السوري وجهت بثينة شعبان مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد تهنئة لرئيسها والحكومة السورية لأول مرة في تاريخ أكراد سورية بمناسبة عيد نوروز، بل إن الحكومة السورية تعمل حاليا على منح حق الجنسية السورية للأكراد هناك. هذه التطورات في مجملها تدفع ببعض المراقبين السياسيين إلى توقع حدوث تغييرات وتحولات كبيرة في الشأن الكردي بالمنطقة، بل هناك من يتوقع من الكرد أن يستغلوا هذه التطورات لرفع سقف مطالبهم مثل الشعوب الأخرى إلى حد المطالبة بالاستقلال ما دامت هناك مطالبات شعبية بإسقاط بعض الأنظمة.

لكن سردار قادر، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة السليمانية، يحاول أن يهدئ من المخاوف الإقليمية بهذا الشأن، ويقول إن «الشعب الكردي وقيادته السياسية باتت أكثر وعيا من الناحية السياسية في صيغة التعامل والتعاطي مع قضية تشكيل الدولة الكردية، رغم أن جميع مقومات إعلان هذه الدولة باتت متوافرة حاليا، فالنموذج الكردي الحالي في إقليم كردستان هو نموذج فريد لا مثيل له في أي دولة في العالم، وإقليم كردستان يدار حاليا بشكل مستقل تماما عن المركز، وهناك رئيس يعامل على الصعيدين الإقليمي والدولي بصفة رئيس دولة.. أضف إلى ذلك المقومات الاقتصادية التي باتت بدورها متوافرة من خلال اكتشاف الثروات الطبيعية وتدفق الاستثمارات وتحرر الاقتصاد الكردي من الهيمنة المركزية. وعلى الصعيد الداخلي هناك أيضا الكثير من الأسباب للتوجه نحو هذا الاتجاه، خاصة من الشارع الكردي، فالواقع السياسي الراهن في العراق بات أقرب إلى التقسيم منه إلى الاتحاد. لكن كل ذلك لا يغري بحسب اعتقادي قادة الإقليم على الإقدام على مغامرة غير محسوبة النتائج سلفا». وأضاف أن «التطورات الحاصلة في المنطقة حاليا هي تطورات هائلة، وستؤثر بطبيعة الحال على الوضع الكردي، ولمسنا مؤخرا الكثير من الإشارات من دول الإقليم باتجاه التخفيف من القيود على الشعب الكردي، لكننا نحتاج في اعتقادي إلى تغييرات كبيرة أخرى على المستوى الإقليمي والمحيط العربي لكي نتمكن من تحقيق ذلك الحلم العتيد، وعلينا أن ننتظر ذلك». وحول تأثيرات زيارة أردوغان إلى كردستان على مستقبل القضية الكردية بالمنطقة، قال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة السليمانية إن «زيارة أردوغان لم تكن متوقعة لا من شعب كردستان العراق وقيادته ولا حتى من الساسة الأتراك أنفسهم، لكن الرجل خاطر بشجاعة واستطاع أن يكسر الحاجز النفسي في هذا الجانب، فرغم أن العلاقات التركية مع إقليم كردستان شهدت طفرات نوعية في السنوات الأخيرة سواء من خلال فتح القنصلية التركية في أربيل، أو إنشاء جمعية الصداقة التركية الكردية في كردستان، أو من خلال التبادل التجاري والاقتصادي، فإن تركيا تفوقت في هذا الجانب على منافستها إيران، فمن مجموع 1200 شركة أجنبية تعمل في مختلف مجالات الاستثمار الاقتصادي بكردستان هناك 600 شركة تركية، وهذا رجح كفة تركيا في تلك المنافسة الشرسة، وتركيا، التي فشلت سابقا في إيجاد موطئ قدم لها بالعراق أثناء إعادة بناء نظامه السياسي الجديد من خلال دعمها للطائفة السنية، تحاول قيادتها حاليا أن تجد لها ذلك الموقع من خلال تعاون أكبر مع الإقليم الكردستاني. أما بشأن تأثيرات الموقف الإقليمي الجديد والانفتاح الرسمي من أنظمته السياسية على القضية الكردية فيجب أن ننتظر قادم الأيام وما ستحمله من تغييرات وتطورات سياسية بالمنطقة، عندها يمكن للقادة الكرد أن يخطوا خطواتهم القادمة لرسم مستقبل شعبهم في المنطقة».