أبيدجان: استمرار المعارك يرجئ الحسم.. و800 قتيل في يوم واحد

غباغبو يستعيد التلفزيون الرسمي.. ومصالح الجالية اللبنانية تتعرض للنهب

مسلحون موالون لوتارا يأخذون قسطا من الراحة على بعد 20 كلم شمال أبيدجان أمس (رويترز)
TT

استمرت أمس معركة أبيدجان للسيطرة على آخر معاقل الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو، في حين أفادت معلومات مقلقة في غرب ساحل العاج عن مقتل 800 شخص في يوم واحد بمدينة واحدة وعن وجود مقابر جماعية. في غضون ذلك، يحاول لبنان إجلاء رعاياه من ساحل العاج وطلب مساندة فرنسا والأمم المتحدة في ذلك، فيما أفيد عن تعرض «مصالح غالبية اللبنانيين في أبيدجان إلى السرقة والنهب من قبل اللصوص الذين استفادوا من الفوضى، وفضّل بعض اللبنانيين البقاء في منازلهم خوفا من التنقل للوصول إلى المطار».

وسمع أمس في أبيدجان، دوي إطلاق نار متفرق، لكنه لم يكن مرتبطا بالمواجهات العنيفة التي وقعت أول من أمس بين أنصار غباغبو وخصمه الحسن وتارا، الرئيس المعترف به دوليا. وقال الكابتن ليون كواكو المتحدث باسم وزارة دفاع حكومة الحسن وتارا إن «الهجوم لم يبدأ بعد، لكنه لن يتأخر». وفيما سيطرت القوات الموالية لوتارا على معظم مناطق البلاد تقريبا، أضاف المتحدث: «نتخذ إجراءات لإضعاف العدو قبل أن نشن الهجوم».

وكان معسكر غباغبو أكد أول من أمس أنه صد هجوما لقوات منافسه على القصر الرئاسي ومقر إقامة غباغبو في أبيدجان، موضحا أنه استعاد أيضا السيطرة على التلفزيون الرسمي «آر تي آي». وأعيدت الإشارة منذ يوم الجمعة، وبثت الشبكة برامج قديمة وشرائط مصورة من حملة غباغبو لانتخابات الرئاسة التي نظمت في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وأدت نتائجها إلى اندلاع الأزمة.

ودعا جنود موالون للرئيس المنتهية ولايته صباح أمس، عبر التلفزيون الرسمي إلى استنفار القوات «لحماية مؤسسات الجمهورية». وفي «البلاغ رقم 1» الذي تلاه عسكري وأرفق بعشرة بلاغات أخرى، طلبوا من رفقائهم الانضمام إلى الوحدات الخمس المتمركزة في أبيدجان. أما الرئيس المنتهية ولايته، فيؤكد المحيطون به أنه موجود مع عائلته في مقر إقامته في حي كوكودي (شمال العاصمة الاقتصادية) وهو لا ينوي «التنحي»، فيما كررت المجموعة الدولية دعواتها له للتخلي عن السلطة لوتارا. وفي عدد كبير من أحياء العاصمة، تواصلت أعمال السلب والنهب، واستولى الذعر على بعض السكان. وحتى صباح أمس، كان نحو 1400 أجنبي قد لجأوا إلى معسكر بور - بويه الفرنسي في أبيدجان، كما ذكر الجيش الفرنسي.

وحول وضع اللبنانيين في أبيدجان، تابع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان هذا الملف، وأجرى اتصالات مع الدول الفاعلة والمؤثرة، وفي طليعتها فرنسا من أجل المساعدة في حماية اللبنانيين وتأمين سلامة خروج من يرغب منهم. كما أجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري اتصالين هاتفيين بكل من رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون ووزير الخارجية ألان جوبيه، شكرهما على الجهود التي تبذلها فرنسا من خلال قواتها المتمركزة في ساحل العاج لحماية أفراد الجالية اللبنانية الموجودين هناك. وبحث الحريري سبل المساعدة الفرنسية المتاحة لتسهيل سفر اللبنانيين الراغبين بمغادرة ساحل العاج بعدما أصبح عدد الموجودين في حماية القوات الفرنسية يناهز الـ900 لبناني. وتم الاتفاق على القيام بكل الترتيبات المطلوبة لتسريع سفر هؤلاء عبر تنظيم رحلة لطائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط «ميدل إيست» اليوم في حال سمحت الظروف بإعادة فتح مطار أبيدجان أمام حركة الطيران لإجلاء الرعايا الأجانب. كما أجرى اتصالا برئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت لاتخاذ الإجراءات المطلوبة بهذا الخصوص.

وكانت وزارة الخارجية اللبنانية أشارت إلى «محاولات جارية للتواصل مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لحماية الجالية اللبنانية في أبيدجان عبر القوات الدولية». وأكد مدير عام الوزارة هيثم جمعة أن «المطلوب من الأمم المتحدة أن لا تسيّر دوريات فقط في أبيدجان بل أن تضع مراكز لحماية المدنيين من لبنانيين وغير لبنانيين». وخصصت «الخارجية» أرقام طوارئ لأبناء الجالية في ساحل العاج يمكن الاتصال بها وهي عائدة للسفارة الفرنسية والقوات الدولية.

وتكشفت أمس أنباء مقلقة عن وقوع مجازر واسعة النطاق حصلت مؤخرا في جنوب ساحل العاج الذي تعصف به خلافات قبلية حادة، والمتاخم لليبيريا التي تخرج بصعوبة من حرب أهلية طويلة (1989 - 2003). ونقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف عن معلومات جمعت في أبيدجان، أن «800 شخص على الأقل» قتلوا الثلاثاء الماضي خلال أعمال عنف ومواجهات في ديوكويه غرب ساحل العاج. وقال رئيس وفد اللجنة الدولية للصليب الأحمر في ساحل العاج دومينيك لينغمي إن «هذا الحدث بالغ الخطورة نظرا إلى حجمه ووحشيته». وتسيطر على ديوكويه التقاطع الاستراتيجي المهم في الغرب، القوات الموالية لوتارا منذ الثلاثاء بعد يومين من المعارك الضارية مع جنود وعناصر الميليشيات الموالية لغباغبو.

كذلك، أكدت قوة الأمم المتحدة في ساحل العاج أمس أن 330 شخصا قتلوا في مدينة دويكويه في غرب ساحل العاج بين الاثنين والأربعاء الماضيين، وأن القسم الأكبر منهم قتلهم عناصر موالون لوتارا. وقال غيوم نقيفا، مساعد المسؤول عن قسم شؤون الإنسان في قوة الأمم المتحدة نقلا عن تقارير أولية «قتل 330 شخصا في دويكويه من الاثنين إلى الأربعاء في معارك». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد سقط معظم هؤلاء القتلى بأيدي الدوزو في القوات الجمهورية» الموالية لوتارا. والدوزو هم الصيادون التقليديون. لكن حكومة وتارا أكدت من ناحيتها أيضا أنها عثرت على مقابر جماعية في الغرب، وحملت أنصار غباغبو المسؤولية عنها. وتحدثت أمس عن «العثور على عدد كبير من المقابر الجماعية في غرب البلاد وخصوصا في توليبلو وبلوليكين وغيلو، لم يكن منفذوها سوى القوات الموالية ومرتزقة لوران غباغبو وميليشياته».

من جهة أخرى، رفضت حكومة وتارا اتهامات الأمم المتحدة التي قالت إنها تتخوف من «انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان» ارتكبتها قواته «خصوصا في منطقتي غيلو ودالوا في الغرب». وأضافت حكومة وتارا أنها «تنفي تورط القوات الجمهورية في ساحل العاج (الموالية لوتارا) في تجاوزات محتملة».

وكان معسكر غباغبو اتهم في السابق منافسيه بارتكاب عدد كبير من التجاوزات ضد المدنيين. وذكرت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية أن على وتارا أن يصدر أمرا واضحا إلى قواته ينهيها عن القيام بأعمال انتقامية تستهدف عناصر قوات خصمه غباغبو.