نزار باييف: حاكم مستبد يحظى بشعبية واسعة في كازاخستان

فاجأ شعبه بتخليه عن استفتاء يبقيه رئيسا حتى 2020.. ولا يخشى أي مفاجأة في الانتخابات الرئاسية اليوم

TT

عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في هذا البلد الغني بالنفط والواقع في آسيا الوسطى، توافد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب إلى قاعة للمحاضرات لحضور اجتماع، كان حسب المنشورات التي علقت في الرواق، «أمرا إلزاميا». كان الموضوع الذي ستتناوله عميدة الكلية معروفا للجميع، فلا حديث سوى عن نور سلطان نزار باييف، رئيس البلاد البالغ من العمر 70 عاما. بدأت العميدة حديثها بامتداح التفكير الاستراتيجي لنزار باييف وعشقه العميق للآداب، وأشارت إلى أن الكثير من الأشخاص اعتقدوا أن الجامعة لم تكن بحاجة إلى جهاز أنبوب، لكن بفضل الرئيس حصلنا على واحد.

مع مرور الوقت بدأت أنديرا أخميتوفا، الناقدة الفنية الطموحة في الشعور بحماسة بالغة.

وقالت أخيماتوفا، 20 عاما، التي لم تعرف رئيسا آخر: «أنا أرغب في أن يعيش حتى يكمل 100 عام، وإذا كانت هناك استحالة في ذلك، يجب أن يظل رئيسا للبلاد لعشر سنوات أخرى على الأقل، حتى يمكنه أن يعد شخصا آخر».

وعندما سئلت عن اعتقادها عمن يمكن أن يكون هذا الشخص، قالت «بطبيعة الحال لا بد أن يكون شخصا مثله».

لا يزال نزار باييف يقف صامدا، خلال موسم من انهيار الحكومات الشمولية، كدليل على القوات التي تقوم بحماية رجال الجمهوريات السوفياتية السابقة الأقوياء. لكن هناك نخبة مثقفة قلقة ترغب في الإطاحة بالحكومة، وكما كانت مصر تحكم بقيادات عسكرية مستقلة، كانت كازاخستان تحكم من قبل أحد رجال «كي إن بي»، الذي خلف جهاز «كي جي بي» الذي يرتبط بصلة وثيقة بالحكومة. وقد تزايد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان 12 ضعفا منذ عام 1994، وقد ولدت الاضطرابات الأخيرة التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي رغبة كبيرة في الاستقرار.

وقد سمحت الأوضاع التي شهدتها تلك الفترة لنزار باييف بالقضاء على منافسيه بصورة منهجية، لينشئ خلال عقدين نظاما يدور حول شخصية منفردة. ومع اقتراب عيد ميلاده السبعين، أصبح ذلك مصدر قلق كبير بالنسبة له. فالمؤسسات في هذه الدولة من الضعف بحيث يستحيل معها الاستمرار، ولمحة على قيرغيرستان المجاورة - التي شهدت أعمال عنف الصيف الماضي - تشير إلى الأخطار المحيطة بعملية الانتقال في الحكومة. فالخلافة أصبحت هنا هي التيار الكهربائي التي يجري في أستانة.

ويقول أليكسي فلاسوف، أستاذ العلوم السياسية الذي يعمل مستشارا سياسيا للمسؤولين الكازاخستانيين: «هو يدرك أنه لا يوجد شخص سواه قادر على تولي المنصب. وحتى إن قال (لن أترشح للرئاسة)، فلن يكون هناك مرشح للرئاسة، وهذه مشكلة بالنسبة له وبالنسبة للنخبة السياسية في البلاد». ويرى مراقبون أن من المثير للسخرية الترشح في مواجهة نزار باييف في أستانة، المدينة المتلألأة التي أمر ببنائها في التسعينات، في السهول الشمالية الواسعة. في وسط مدينة أستانة يقوم المواطنون بالصعود إلى قبة زجاجية ضخمة ليضعوا أيديهم على قالب يحمل بصمة كف الرئيس، التي يعتقدون أنها قادرة على تحقيق الأمنيات. كما يُبرز متحف المدينة أهم اللحظات في تاريخ نزار باييف، إحداها له وهو ابن ست سنوات مع والده، راعي الأغنام، في الحقل.

كان الطفل يحلم بشأن في قمة الجبل. وهي مرحلة شرحها مرشد المتحف بأنها «ربما تكون إشارة إلى أنه سيكون رئيسا للجمهورية».

كان نزار باييف، أول سكرتير عام للحزب الشيوعي عندما انهار الاتحاد السوفياتي. وخلال فترة رئاسته، لم يبد نزار باييف أي نوع من الشفقة تجاه خصومه، وصلت إلى نزاع قاتل مع أحد أزواج بناته، الذي كان يعتبره البعض الخليفة المتوقع له. قام البرلمان الصوري بإلغاء مدة الرئاسة، ومنحه حصانة مدى الحياة من الملاحقة الجنائية. وفي بداية العام الحالي، وافق البرلمان على إجراء استفتاء يؤجل أي انتخابات رئاسية حتى عام 2020.

كان من الواضح أن الاستفتاء بات أمرا مفروغا منه في فبراير (شباط)، إلى أن أعلن نزار باييف عن تغيير جذري، عندما أعلن أنه سيجدد تفويضه، عبر إقامة انتخابات قبل عامين تقريبا، وهي خطوة تطلبت تعديل الدستور، وكان هذا هو القرار هو الأكثر إثارة للدهشة، لأن نزار باييف لم يكن يواجه أي تهديد حقيقي بوقوع اضطرابات مدنية، بحسب سارة ميتشلز، نائب مدير قسم التحليلات في مؤسسة «أوكسفورد أناليتيكا»، وهي مؤسسة تعنى بتحليل الشؤون الدولية. وتقول ميتشلز: «كان ذلك تغيرا سريعا. فقد تم اتخاذه في الدوائر المقربة منه خلال بضعة أيام. فقد شاهدوا ما حدث في تونس ومصر وأبدوا انزعاجا بالغا. ومن المؤكد أن تستغل هذه الخطوات الجديدة من قبل السلطات لتوسيع نطاق شعبيته».

وبالفعل فإن السلطات في أستانة يبدو أنها تستغل كل فرصة في أن تظهر أبسط ما يقوم به الرئيس على أنه عمل رائع. وعلى الرغم من تعبير 22 فردا عن رغبتهم في الترشح للرئاسة العام الحالي، فإن 18 منهم تراجعوا أو رفضت طلباتهم، والكثيرون منهم فشلوا لأنهم لم يتمكنوا من اجتياز اختبار اللغة الكازاخستانية. وقد طالبت أحزاب المعارضة الرئيسة في كازاخستان مقاطعة الانتخابات قائلة إن الانتخابات المبكرة لم تعط لهم أي فرصة للاستعداد، وإن المنافسين الثلاثة الآخرين للرئيس لا يحظون بشهرة واسعة وقد منعوا بشدة من انتقاده.

ويقول أحد هؤلاء، وهو ميلز يليوسيزوف، في مقابلة أجريت معه مؤخرا: «أنا لا أعتقد حتى بيني وبين نفسي أن هناك إمكانية لأن أصبح رئيسا». أما جامبيل أخميتبيكوف، وهو شيوعي، فقد أقر بالأمر ذاته للمراقبين الدوليين، قائلا: «يكفيني أن أشغل مكانة معينة في هذه الانتخابات».

وعلى أي حال فإن غالبية منتقدي نزار باييف يقرون بأن الرجل يحظى بشعبية واسعة. ويقول سيركباي علي باييف، عضو البرلمان السابق عن حزب «أو إس بي دي آزات» المعارض: «شعبنا مهادن وتنطلي عليه الأكاذيب، سيكون كافيا أن تكون هناك قناة تلفزيونية واحدة، وإذا استطعنا الوصول إلى الناخبين لعدة شهور فسيكون ذلك كافيا». ومع اقتراب موعد الاقتراع (اليوم الأحد)، كانت صور نزار باييف تظهر خلال الأيام القليلة الماضية على لوحات الإعلانات والطلاب يطلقون البالونات على شرفه.

ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأصعب من العمل بعد الانتخابات، عندما تعود قضية خلافة نزار باييف إلى الواجهة مرة أخرى.

ويرى فلاسوف، أستاذ التاريخ في جامعة موسكو، أن الرئيس المقبل سيحاول الحفاظ على النظام الاستبدادي، لكن من دون نزار باييف سيتداعى النظام خلال خمس سنوات. ويؤكد بعض المراقبين السياسيين المطلعين على الأوضاع عن قرب وجود «منافسة محكومة»، مما يسمح لحزب آخر بالحصول على موطئ قدم له في البرلمان، ومن ثم التوسع ببطء، في حال أراد تجنب السخط الشعبي.

ويضيف فلاسوف: «هم يعتقدون أن دعم الاستقرار بحاجة إلى بعض التحرر، وهذا هو التناقض الذي يشوب الفترة الحالية».

* خدمة «نيويورك تايمز»