اليمن: 15 قتيلا ومئات الجرحى في صفوف المتظاهرين.. ومجلس التعاون يدعو السلطة والمعارضة إلى اجتماع في الرياض

السلطات اعترفت بسقوط 10 قتلى وقالت إنها مواجهات بين موالين ومعارضين

TT

عاش اليمن، أمس، يوما داميا جديدا سقط فيه عشرات القتلى ومئات الجرحى في محافظتي تعز والحديدة وأمانة العاصمة صنعاء، في وقت شهدت فيه الكثير من المحافظات اليمنية مظاهرات منددة بما يتعرض له المتظاهرون المطالبون برحيل نظام الرئيس علي عبد الله صالح.

ولقي 15 شخصا مصرعهم في مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن وأخرى من الحرس الجمهوري في مدينة تعز، وذلك عندما جرى قمع مظاهرة حاشدة مطالبة بإسقاط النظام، وقال شهود عيان: إن مسلحين في زي مدني، إلى جانب قوات الأمن، أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، إضافة إلى قيام قناصة بإطلاق النار من فوق أسطح المباني.

وأفادت مصادر طبية في المستشفى الميداني بــ«ساحة الحرية» في تعز بأنه تم رصد سقوط مئات الجرحى في قمع السلطات للمتظاهرين وأن حالات القتل التي وصلت إليهم كانت مصابة بالرصاص في مناطق الرأس والرقبة والصدر والبطن، وأشارت إلى أن معظم حالات الإصابة كانت جرَّاء اختناقات بسبب استخدام قوات الأمن للقنابل المسيلة للدموع، لكن المصادر الطبية الميدانية تقول إن ما استخدمته قوات الأمن هو «غازات سامة» و«غازات أعصاب».

وتعددت الروايات بشأن ما جرى في تعز؛ ففي الوقت الذي قال فيه نشطاء في الثورة الشبابية إن المظاهرة كانت تجوب شوارع المدينة وهي تهتف: «سلمية.. سلمية»، وإنها تعرضت للقمع عندما اقتربت من مبنى المحافظة، فإن السلطة اتهمت المتظاهرين بأنهم حاولوا اقتحام مبنى المحافظة، والقصر الجمهوري، الأمر الذي استدعى صدهم، حسب السلطات التي اعترفت بسقوط 10 قتلى وعشرات الجرحى، بينما قالت إنها مواجهات بين عناصر معارضة للنظام وأخرى مؤيدة، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الحكومية «سبأ» عن مصادر خاصة بها في تعز قولها: إن المتظاهرين «قاموا بتشكيل ميليشيات مسلحة انتشرت في مدينة تعز هاجمت خلالها مركز المحافظ والقصر الجمهوري، بالإضافة إلى قطع الطرقات وإجبار المواطنين على إغلاق محلاتهم»، وإن «قوات مكافحة الشغب قامت بإطلاق النار الحي في الهواء لتفريق المتظاهرين بقصد فتح الطرقات أمام حركة السير، ومنع وقوع اشتباكات بين المعارضين والموالين».

وفي محافظة الحديدة، الواقعة على البحر الأحمر في غرب اليمن، سقط أكثر من 400 شخص جرحى بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع وقنابل «الغاز السام»، وذلك عندما تجمهر الآلاف أمام مبنى المحافظة للتنديد بما يتعرض له المعتصمون في مدينة تعز.

جاءت تطورات تعز والحديدة في إطار تصعيد من اليوم السابق، أول من أمس؛ حيث سقط قتيلان وقرابة 1700 جريح في تعز في قمع مظاهرة مماثلة لمظاهرة يوم أمس، وفي ليل أول من أمس، قامت قوات من الأمن ومجاميع ممن يسمون «البلطجية» بمهاجمة «ساحة التغيير» الواقعة في «حديقة الشعب» بمدينة الحديدة، وهي الحديقة المجاورة لمبنى محافظة الحديدة. وتوفي 3 من الجرحى في تعز، أمس، متأثرين بجراحهم التي أصيبوا بها في قمع مظاهرة تعز، ليصبح عدد القتلى 5 أشخاص، أول من أمس، يضافون إلى قتلى الأمس، وبذلك يكون عدد القتلى قرابة 20 شخصا في غضون 24 ساعة، في حين يعتقد أن العدد مرشح للارتفاع.

وشهدت الكثير من المناطق اليمنية مظاهرات غاضبة جرَّاء ما حدث في تعز والحديدة، منها الضالع والبيضاء والمكلا في محافظة حضرموت، إضافة إلى العاصمة صنعاء التي خرج فيها الآلاف في مسيرة تضامنية واحتجاجية، جابت شارع «الزبيري» الرئيسي بالعاصمة، وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن معظم المشاركين في المسيرة من طلاب الجامعة وإنهم فوجئوا بخروج مجاميع من «البلطجية» من معسكر للحرس الجمهوري في الشارع ذاته، قاموا على الفور بتحطيم اللوحات الإعلانية وبعض السيارات، قبل أن يتم قمع المتظاهرين وملاحقتهم من قبل تلك المجاميع، وقد منع الجيش ممثلا في قوات «الفرقة الأولى مدرع» التابعة للواء علي محسن الأحمر، الذي انشق عن النظام وأعلن تأييده لـ«ثورة الشباب»، قوات الأمن المركزي من الوصول إلى «ساحة التغيير» أثناء ملاحقتها لفلول المتظاهرين.

كما خرجت في صنعاء، أيضا، مظاهرة أخرى في حي الصافية بجنوب صنعاء وثالثة في شارع مأرب، وهتف جميع المشاركين بسقوط النظام ونددوا بما سموه «مجزرة» النظام بحق المعتصمين في تعز والحديدة، وأشارت المصادر إلى سقوط الكثير من الجرحى في أوساط المتظاهرين، قال شهود عيان إن قوات الحرس الجمهوري بصحبة تلك المجاميع المسلحة قامت بسحب الكثير من الجرحى إلى داخل المعسكر، من دون أن تتوافر أي معلومات عن عدد المحتجزين أو مصيرهم حتى اللحظة.

إلى ذلك، وجهت أحزاب المعارضة اليمنية في تكتل «اللقاء المشترك»، مع شركائها في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، نداء إلى «الأسرة الدولية ممثلة بجميع أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية غير الحكومية، بسرعة التدخل لإيقاف الرئيس صالح وحاشيته من سفك المزيد من دماء اليمنيين وقتل المجتمع المدني اليمني لمجرد خروجه للتعبير سلميا عن آرائه ومطالبه في التغيير. ونطالب تلك الأجهزة والمنظمات باستخدام جميع الآليات الدولية التي يعول عليها إيقاف الخطر ضد السلم العالمي وإيقاف إراقة الدماء والجرائم ضد الإنسانية وعدم تمكين مرتكبي هذه الجرائم من الإفلات من العقاب».

وقال بيان صادر عن المعارضة، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه: «إنه منذ 12 فبراير (شباط) الماضي وحتى هذه اللحظة الحرجة التي يتعرض فيها المجتمع المدني في مدينة تعز للقتل والقمع والبطش بقوة السلاح والرصاص الحي صار اليمنيون يفتقدون حماية القانون بصورة شاملة وواسعة»، ووجه البيان الاتهام بصورة مباشرة إلى «سلطات اليمن، ممثلة بالرئيس وأبنائه وإخوته وأبناء شقيقه والأجهزة الأمنية والعسكرية التي يقودونها، إضافة إلى بعض المحافظين الذين رهنوا أنفسهم للمصالح الضيقة وغير المشروعة»، بالقيام بـ«تنظيم هجمات مخططة وممنهجة ضد التجمعات والمظاهرات السلمية وبقصد القتل العمد والإضرار بهم، ولقد نتج عن ذلك سقوط أكثر من 120 شهيدا وأكثر من 5 آلاف جريح، وهي جرائم ضد الإنسانية ولم تعد تتوافر أي إمكانية وطنية لحماية الحق في الحياة».

وأضاف أنه «أمام هذا الوضع الخطير ومن أجل إيقاف سفك الدماء ومن أجل حق اليمنيين في الحياة، فإن (اللقاء المشترك) وشركاءه يتوجهون بهذا النداء العاجل إلى أشقائهم في دول مجلس التعاون الخليجي، الذين ينتظر منهم الشعب اليمني في مثل هذا الوقت العصيب موقفا يعبر عن معنى الأخوة والجوار والمصير المشترك الواحد».

وفي موضوع ذي علاقة، قال وزير الخارجية الكويتي، أمس الاثنين: إن دول الخليج العربية دعت ممثلين عن الحكومة اليمنية والمعارضة إلى محادثات في السعودية في محاولة لإنهاء الأزمة بعد أسابيع من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقال الشيخ محمد السالم الصباح لـ«رويترز»: إن العرض طُرح بعد اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض أول من أمس. وأضاف الصباح أن المجلس قرر بعد محادثات الرياض دعوة كل من الحكومة اليمنية وممثلين للمعارضة إلى العاصمة السعودية للخروج من المأزق. لكنه رفض إعطاء مزيد من التفاصيل. وتابع الصباح أن مجلس التعاون الخليجي يتحدث إلى كلا الجانبين لكن لم يحدد بعد أي موعد للمحادثات. وفتحت الشرطة ورجال مسلحون يرتدون ملابس مدنية النار على المتظاهرين المناهضين للحكومة في مدينتي تعز والحديدة، أمس، بينما تسارعت جهود المعارضة لإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح المستمر منذ 32 عاما. ويضم مجلس التعاون الخليجي: السعودية والكويت والإمارات وعمان وقطر والبحرين. وعبر وزراء المجلس أمس عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني والانقسام في اليمن ودعوا إلى الحوار.