الولايات المتحدة تتخلى عن الحليف اليمني

خوف الأميركيين من تدهور الأوضاع الأمنية هو ما يدفعها إلى البحث في رحيل صالح

يمنيون مناهضون للحكومة يتجمعون إثر مواجهات مع الشرطة في مدينة تعز أمس (رويترز)
TT

أكد مسؤولون يمنيون وأميركيون على حدوث تحول في موقف الولايات المتحدة، التي دعمت الرئيس اليمني حتى في وجه المظاهرات الأخيرة التي عمت أرجاء اليمن، حيث خلصت إلى أنه من غير المتوقع أن يتمكن صالح من الوفاء بالإصلاحات التي طالبت بها المعارضة، ومن ثم فإن عليه التنحي عن منصبه.

وكانت إدارة أوباما قد حافظت على دعمها للرئيس اليمني علي عبد الله صالح سرا وعدم انتقاده علانية، على الرغم من إطلاق مناصريه الرصاص على المتظاهرين لأنه يعتبر حليفا استراتيجيا في الحرب ضد فرع «القاعدة» في اليمن. بيد أن هذا الموقف أثار انتقادات واسعة ضد الولايات المتحدة واتهامها بالنفاق لسعيها إلى إقصاء طاغية قمعي في ليبيا، في الوقت الذي لم تحرك ساكنا باتجاه الحلفاء الاستراتيجيين في البحرين واليمن.

لكن مسؤولين في الإدارة أكدوا على التحول في الموقف الأميركي خلال الأيام القليلة الماضية. فرغم عدم الإفصاح بصورة علنية عن ضرورة تنحي صالح، فإنهم أخبروا الدول الحليفة بأنهم يرون أن بقاء صالح في الحكم لم يعد أمرا ممكنا، وعبروا عن اعتقادهم بأن عليه التنحي. وهو ما أكده المسؤولون اليمنيون الذين أشاروا إلى أن الموقف الأميركي الداعم بدأ في التغير مع انطلاق المفاوضات الخاصة بخروج صالح المتوقع قبل أقل من أسبوع.

وقال مسؤول يمني عن المفاوضات: «كان الأميركيون يدفعون من أجل نقل السلطة منذ البداية، لكنهم لم يعلنوا ذلك صراحة لأن المفاوضات كانت لا تزال جارية».

تدور المفاوضات الآن حول مقترح مقدم للرئيس صالح بتسليم السلطة لحكومة مؤقتة يقودها نائبه حتى عقد الانتخابات الجديدة، وهو الأمر الذي لم يلق معارضة، لكن الاختلاف كان بشأن التوقيت وكيفية مغادرة الرئيس. بيد أن المتظاهرين الذين يقودهم الشباب رفضوا أي اقتراح بنقل السلطة إلى أي مسؤول في الحكومة اليمنية.

ولواشنطن شراكة طويلة حذرة مع علي عبد الله صالح، حيث زودته الولايات المتحدة بالأسلحة، فيما سمح صالح للجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية بشن غارات جوية على معاقل «القاعدة». لعل أهم ما يبرز هذه العلاقة مراسلات وزارة الخارجية الأميركية التي نشرها «ويكيليكس» التي ألقت نظرة عن كثب لهذه العلاقة الثنائية غير المستقرة. فتفصل إحدى الوثائق ما دار خلال لقاء جمع بين صالح والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط حينذاك، التي أشار فيها الرئيس اليمني إلى أن الولايات المتحدة قادرة على مواصلة الضربات الصاروخية ضد «القاعدة» طالما تواصلت الأنباء عن أن هذه الضربات تشنها القوات اليمنية.

وبحسب الوثيقة التي أرسلها السفير الأميركي قال صالح: «سنواصل القول إن القذائف تعود إلينا طالما أنكم لم تعلنوا ذلك»، بيد أن صالح رفض في بعض الأوقات الأخرى بعض المطالب الأميركية، ففي تقييم حذر للولايات المتحدة قال صالح لدانييل بنجامين رئيس إدارة مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية، إن الأميركيين متحفزون ومتسرعون عندما يكونون في حاجة إلينا، لكنهم متكاسلون ومتراخون عندما نحتاج نحن إليهم».

بدأت مفاوضات التنحي في أعقاب إطلاق مسلحين تابعين للحكومة النار على متظاهرين أدى إلى مقتل أكثر من 50 متظاهرا، خلال المسيرات المناوئة للحكومة في 18 مارس (آذار) التي أدت إلى موجة من الاستقالات داخل المسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة خلال الأسبوع التالي. وقد طلب المسؤولون الأميركيون واليمنيون الذين تحدثوا عدم ذكر أسمائهم بسبب سرية المحادثات وتواصلها.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة تجري مفاوضات لخروج آمن لصالح وعائلته إلى دولة أخرى، لكن يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي تسير فيه المفاوضات في العاصمة صنعاء.

وما يهم واشنطن لدى رحيل صالح أن تتمكن من استمرار عمليات مكافحة الإرهاب. فأشار مسؤولو الإدارة إلى هذه المخاوف الأسبوع الماضي، مؤكدين على أن الفتور بين الرئيس والمتظاهرين سيكون له تأثير عكسي مباشر على الموقف الأمني في البلاد.

ويقول مسؤول بالإدارة: «تحاول الجماعات من مختلف الانتماءات - «القاعدة» والحوثيون وأفراد القبائل والانفصاليون - تأزم الموقف السياسي الراهن والخلافات الواضحة داخل الجيش والمؤسسات الأمنية لصالحها، وحتى يتمكن الرئيس علي عبد الله صالح من الخروج من المأزق السياسي الراهن عبر الإعلان عن توقيت وكيفية الوفاء المبكر بالتزامه بانتهاج خطوات ملموسة لتنفيذ مطالب المعارضة، لا يزال الموقف الأمني في اليمن على المحك عرضة لمزيد من التدهور».

وكان المسؤولون الأميركيون قد لمحوا خلال الأيام القليلة الماضية في واشنطن على التغير في مواقفهم.

يقول مسؤول آخر: «هذه الخطوات العملية الملموسة يمكن أن تشمل المطالب بالتخلي عن السلطة».

وفي بيانه المقتضب الأسبوع الماضي، سئل المتحدث باسم وزارة الخارجية، مارك تونر، عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد وضعت خططا لما بعد علي عبد الله صالح. وعلى الرغم من عدم إجابته بصورة مباشرة، فإنه أكد ضمن رده أن مكافحة الإرهاب في اليمن لن تتوقف على شخص بعينه.

ومع تزايد وتيرة المظاهرات الحاشدة التي هزت البلاد خلال الشهرين الماضيين، تدهور الوضع الأمني في البلاد بدءا من التمرد الحوثي في الشمال إلى الحركة الانفصالية في الجنوب وعمليات «القاعدة» النشطة في جنوب شرقي البلاد.. حيث سيطر الحوثيون على محافظة صعدة الأسبوع الماضي، وفرض مسلحون سيطرتهم على محافظة أبين في الجنوب حيث تؤسس «القاعدة» قاعدة لها هناك.

ويسود شعور بين اليمنيين بأن هناك سباقا مع الزمن لمحاولة الوصول إلى حل للأزمة قبل انهيار البلاد التي تقف على حافة الهاوية. فإلى جانب المخاوف الأمنية تواجه البلاد أزمة اقتصادية. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية، كما تهاوت أسعار الريال اليمني، واختفى الدولار من محلات الصرافة. وتشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى ارتفاع أسعار دقيق القمح بنسبة 45 في المائة والأرز بنسبة 22 في المائة في منتصف مارس.

كما عبر المحللون أيضا عن مخاوفهم من استنزاف صالح للاحتياطي القومي في محاولة يائسة منه للاحتفاظ بالسلطة. فقد دفع صالح بسخاء لآلاف من مناصريه للقدوم إلى العاصمة للقيام بمظاهرات موالية للحكومة وأعطى الأموال لزعماء القبائل لضمان ولائهم. وفي فبراير (شباط) وعد صالح بخفض ضريبة الدخل ورفع مرتبات الموظفين في الأعمال المدنية والجيش في محاولة لتهدئة حالة الاحتقان.

ويقول محمد أبو لاحوم، القيادي البارز في حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم) وعضو البرلمان اليمني، الذي تحول إلى تأييد المظاهرات: «هذا ليس تنازلا، إنه حزن وكآبة. الحقيقة أن مشاركة الأميركيين بجدية في المفاوضات بشأن كيفية انتقال السلطة تبرز إلى أي مدى استعدادهم للخروج بطريقة لنقل السلطة».

وأضاف أن الأميركيين يقومون بما ينبغي عليهم القيام به، وسنشهد المزيد من الضغوط خلال المرحلة المقبلة.

من ناحية أخرى، كانت الانتقادات التي وجهت إلى الولايات المتحدة على فشلها في دعم المظاهرات بصورة علنية عالية الصوت هنا أيضا حيث أكد المتظاهرون على أن الولايات المتحدة لا تكترث إلا بمكافحة الإرهاب.

وتقول توكل كرمان، القيادية في حركة الشباب المناوئة للحكومة: «نحن غاضبون للغاية لأن الولايات المتحدة لم تساعدنا كما فعل أوباما مع مبارك عندما قال بأن عليه أن يرحل. لقد قال أوباما إنه يثمن شجاعة وكرامة الشعب التونسي ولم يتحدث عن الشعب اليمني. ولذا فنحن نشعر بأننا تعرضنا للخيانة».

ويقول حمزة العلقمي، 23 عاما، القيادي البارز في حركة الطلاب: «لقد فقدنا الثقة نحن الطلاب في الولايات المتحدة. كنا نعتقد أن الولايات المتحدة ستساعدنا في المرة الأولى لأننا كنا نطالب بالحرية».

كان تحالف المعارضة، أحزاب «اللقاء المشترك»، قد اقترح ليلة السبت الماضي خطة لنقل السلطة التي أصبحت مصب تركيز المحادثات الجديدة. وتقترح الخطة الجديدة نقل السلطة في الحال إلى نائب الرئيس عبد الرب منصور الهادي حتى إقامة الانتخابات الرئاسية القادمة.

وكان المحتجون الشباب قد أعلنوا رفضهم للمقترح، أو أي مقترح يأتي بأحد قياديي حكومة صالح السابقة إلى السلطة.

وكان مجلس التعاون الخليجي قد أعلن عن دعمه للمحادثات، وأصدر بيانا قال فيه إن المجلس سيضغط على الحكومة اليمنية والمعارضة للعمل معا للتوصل إلى اتفاق لتسوية الأزمة الراهنة، وطالبت المجموعة بالعودة إلى طاولة المفاوضات لـ«تحقيق طموحات الشعب اليمني عبر وسائل الإصلاح». غير أن المجلس، الذي يضم السعودية أكبر مانح مساعدات لليمن، لم يشارك حتى الوقت الراهن في المفاوضات.

كما شهدت البلاد أيضا مصادمات بين القوات الأمنية والمتظاهرين يومي الأحد والاثنين في مدينة تعز، نجم عنها إصابة المئات نتيجة استخدام قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والحجارة والذخيرة الحية. وقال شهود عيان إن قوات الأمن أطلقت الرصاص على المتظاهرين وفي الهواء.

وقال أحد العاملين في «مستشفى تعز»، رفض الإفصاح عن اسمه، في مقابلة مع مراسل وكالة «رويترز»، إن ما لا يقل عن 10 أشخاص قتلوا وجرح ما لا يقل عن 30 جراء إطلاق الرصاص.

وفي صباح يوم الاثنين الماضي استخدمت القوات الأمنية في مدينة الحديدة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين أمام القصر الرئاسي هناك.

وتشير تقديرات منظمة العفو الدولية إلى أن ما لا يقل عن 95 شخصا لقوا مصرعهم خلال المظاهرات المتواصلة منذ شهرين.

* خدمة «نيويورك تايمز»