نجلان للقذافي يقدمان حلا للصراع في ليبيا يتضمن تنحية والدهما جانبا

تمهيدا لمرحلة انتقالية تمهد لتأسيس دولة دستورية ديمقراطية بقيادة سيف الإسلام

صورة ضوئية للخبر الذي نشرته «الشرق الأوسط» أمس حول سعي القذافي لإقناع الغرب بخطة انتقالية تبقيه رمزا مؤقتا ويتولى أحد ابنائه السلطة
TT

اقترح اثنان من أبناء العقيد معمر القذافي، على الأقل، حلا للصراع الدائر في ليبيا يتضمن تنحية والدهما جانبا، تمهيدا لمرحلة انتقالية نحو تأسيس دولة دستورية ديمقراطية بقيادة ابنه سيف الإسلام القذافي، بحسب ما أفاد دبلوماسي ومسؤول ليبي عن تلك الخطة يوم الأحد. وفي غضون ذلك، ما زال الثوار الذين يتحدون القذافي، مدعومين بأميركا والدول الأوروبية من خلال الضربات الجوية، يصرون حتى هذه اللحظة على التخلص تماما من حكمه، الذي دام أكثر من 40 عاما.

ولم يتضح بعدُ ما إذا كان القذافي، الذي يبلغ من العمر 68 عاما، قد صادق على الاقتراح المذكور، الذي يؤيده ابناه سيف الإسلام والساعدي، على الرغم من قول أحد المقربين من ولديه إن الأب مستعد للاستمرار في المعركة.

بيد أن العرض يفتح نافذة جديدة على تحركات أسرة القذافي، في الوقت الذي يعتمد فيه القذافي على أبنائه السبعة بشدة؛ فهو يعول على أبنائه ويوليهم ثقته كمساعدين وقادة عسكريين بعد أن فقد موسى كوسا، وزير الخارجية وأقرب مساعد له.

وتقوم الفكرة على الخلافات الطويلة بين أبنائه.. وبينما يتجه سيف الإسلام والساعدي إلى الانفتاح على الاقتصاد الغربي والسياسة الغربية، يعتبر ابنا القذافي خميس والمعتصم أكثر تشددا. ويقود خميس جماعة مسلحة مخيفة تعمل على قمع الاضطرابات الداخلية. وطالما اعتبر المعتصم، مستشار الأمن القومي، الذي يقود جماعته المسلحة، منافسا لسيف الإسلام على خلافة الأب. لكن الساعدي الذي تنقل بين احتراف كرة القدم والعمل كضابط في الجيش ورجل أعمال، يؤيد العرض، على حد قول أحد المساعدين. وقال أحد المقربين من سيف الإسلام والساعدي، رفض ذكر اسمه خوفا من التنكيل به، يوم الأحد: إن الابنين يريدان «القيام بتغيير في البلاد» بعيدا عن والدهما. وأضاف: «إنها كانا مختلفين مع الحرس القديم، وإذا سمح لهما بالانطلاق سوف ينهضان بالبلاد سريعا». وقال ذلك الشخص نقلا عن أحد أبنائه «إنه تمنى الثورة» كثيرا.

ويعتبر هذا العرض هو آخر تطور في الأحداث الدرامية التي تشهدها الساحة السياسية الليبية منذ سنوات بين سيف الإسلام ووالده؛ حيث دعا ابنه إلى القيام بإصلاحات سياسية ثم تراجع. وبدا سيف الإسلام متوافقا مع أبيه في الدعوة إلى القضاء على الثوار خلال الثورة الأخيرة؛ حيث هتف أمامه حشد من المؤيدين: «ادهس الفئران يا سيف الإسلام»، «نحن مقبلون».

وتعتبر هذه العروض آخر مؤشرات على شعور النظام الليبي بالضغط بسبب التعرض لضربات قوات التحالف الجوية منذ أسبوعين، التي أسهمت بشكل كبير في الحد من تفوق قوات القذافي. ووصل أحد المسؤولين الليبيين إلى أثينا من أجل إجراء محادثات ربما بشأن الحل الممكن للصراع كما أوردت وكالة «رويترز» للأنباء.

ومن المقرر أن يعود محمد إسماعيل، أحد كبار مساعدي سيف الإسلام، من رحلته إلى لندن، التي قدم فيها عرض سيف الإسلام الخاص بخلافة والده، على حد قول مسؤول ليبي. وقد يكون المعتصم معارضا لهذا العرض بسبب منافسته الشديدة الطويلة لسيف الإسلام.

وبحسب إحدى برقيات «ويكيليكس»، بعد قيام سيف الإسلام بزيارة رفيعة المستوى إلى واشنطن عام 2008 لمقابلة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، زاد الانتباه الذي حظي به توتر العلاقة بين ابني القذافي.

وعندما زار المعتصم واشنطن العام التالي، كتب السفير الأميركي لدى ليبيا قائلا: «إن الدافع وراء رغبة المعتصم في زيارة واشنطن خلال الربيع الحالي وإصراره المتعجرف على الاجتماع مع كبار مسؤولي الحكومة الأميركية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات، هو التنافس القوي بينه وبين سيف الإسلام».

وفي مقابلة أخيرة مع قناة «العربية»، أشار الساعدي إلى أن سيف الإسلام كان بالفعل «الشخص الذي اعتاد على إدارة شؤون الحكم في ليبيا» قبل الثورة.

وأدى انشقاق كوسا الأسبوع الماضي إلى فقدان القذافي شخصا كان يعتبر قائدا من قادة الحرس القديم، كان لا يثق في سيف الإسلام ومعارضا للإصلاح.

لكن أحد الدبلوماسيين المطلعين على العرض قال إن المناقشات ما زالت في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من وجود أدلة تشير إلى خلاف داخلي عميق، يبدو أن القذافي يعتقد أن هناك مؤامرة خارجية من إسلاميين متشددين وقوى غربية تسعى للحصول على النفط، وتحاول احتلال ليبيا، وراء الثورة ضده، على حد قول الدبلوماسي. وما زال الثوار الذين شكلوا حكومتهم يصرون على تنحي القذافي وأبنائه. وأوضح الدبلوماسي قائلا: «هذه هي أول مطالب المعارضة، وتلك أول مطالب النظام الليبي، لكن ما زالت الصفقة في بدايتها».

من الناحية العسكرية، بدت الثورة تراوح مكانها يوم الأحد؛ فعلى الجبهة الشرقية بالقرب من مدينة البريقة النفطية، أخذ الجانبان يتبادلان إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية للسيطرة على المدخل الشمالي للمدينة، لكن لم تتغير خطوط القتال كثيرا ولم يتغلب طرف على آخر.

وزادت حدة القتال في فترة بعد الظهيرة والمساء، وتم تبادل إطلاق النار خلال 3 ساعات قام فيها الثوار بإطلاق صاروخ تلو الآخر باتجاه المدينة بينما ردت القوات الموالية للقذافي بالمدفعية أو قذائف الهاون. وسقطت القذائف على الصحراء شمال المدينة.

وقُتل على الأقل اثنان من الثوار وأصيب آخرون. واستمر القتال من أجل السيطرة على البريقة، وطال الجامعة التي انسحب نحوها الثوار الذين تمكنوا أحيانا من الحصول على موطئ قدم منذ يوم الجمعة الماضي، لكنهم اقتربوا إلى المدينة وسيطروا على منطقتين مرتفعتين استطاعوا من خلالهما توجيه النيران ضد قوات القذافي التي تسيطر على المدينة.

وهرع فريق من الأطباء إلى مستشفى أجدابيا الذي استقبل أولى الحالات المصابة لمساعدة جندي من قوات القذافي أصيب بطلق ناري في ساقه اليسرى وذراعه اليمنى واخترق طلقان ناريان الجانب الأيمن من صدره.

وتوفي الجندي الذي تشير السجلات إلى أن اسمه أحمد عواد عمر، وهو من مدينة سرت، على طاولة العمليات، وسال دمه على الأرض، وتمت تغطيته بالقماش. وقال الدكتور حبيب محمد العبيدي، قبل نقل جثة الجندي إلى المشرحة: «إنه ليبي ونحن نشعر بالأسف من أجله. إن القذافي يستخدم الليبيين ضد الليبيين».

وفي طرابلس، ساد التوتر بسبب انتشار نقاط تفتيش عليها مسلحون في الشوارع ولم تظهر أي إشارة تدل على تجدد الانتفاضة منذ اندلاع الثورة في المدينة منذ 6 أسابيع. وقال الدبلوماسي المطلع على العرض، في إشارة إلى أن قرار الأمم المتحدة، الذي سمح بشن هجمات جوية، يمهد لنشر قوات برية، إنه تساءل عن نهاية الصراع في حال عدم التوصل إلى حل من خلال التفاوض. وقال الدبلوماسي: «إنهم سيستمرون حتى تنفد الذخيرة، هذا الصراع الغبي سيستمر».

ويبدو أن العروض والعروض المقابلة الخاصة بوقف إطلاق النار بين الثوار وقوات القذافي وصلت إلى طريق مسدود، كما أشار الدبلوماسي، الذي أوضح قائلا: «وقف إطلاق النار بالنسبة إلى القذافي يعني أنه على الجميع وقف إطلاق النار لكن من دون انسحاب القوات الموالية له، أما بالنسبة إلى الثوار فيعني انسحابها».

وقال الثوار، يوم الأحد الماضي: إن الضربات الجوية الغربية بدأت في استهداف الأسلحة الثقيلة لقوات القذافي حتى داخل المدن. وقال أحد المتحدثين باسم الثوار الذين يسيطرون على مدينة مصراتة المحاصرة: إن الطائرات استهدفت ليلة الجمعة دبابتين و3 عربات مصفحة تابعة لقوات القذافي بعد دخولها المدينة.

لكن، حسب ما أفاد به محمد، أحد المتحدثين باسم الثوار، الذي رفض ذكر اسمه كاملا خوفا على أسرته، استكملت قوات القذافي المتمركزة خارج المدينة صباح يوم الأحد قصف المنطقة القريبة من الميناء، بينما احتل رجال مسلحون موالون للقذافي أسطح البنايات التي تصطف بطول شارع طرابلس الرئيسي.

وفي مقابلة في طرابلس، قال لونت شاهين قايا، السفير التركي لدى ليبيا: إن سفينة إسعاف تركية غادرت ميناء مصراتة محملة بـ250 مصابا في حالة خطيرة. وأضاف السفير قايا أن نظام القذافي سعى إلى توجيه السفينة أولا نحو طرابلس لتعطيل رحلتها، لكن الحكومة التركية أرسلتها مباشرة إلى مصراتة في حماية طائرات «إف 16» وسفينة حربية. وقال السفير: «الجانب الإنساني في غاية الأهمية بالنسبة لنا». وزاد قائلا في إشارة إلى الثوار ونظام القذافي: «نحن الدولة الوحيدة التي تستطيع التحدث مع الطرفين».

وأوضح: «نعتقد أنه ينبغي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وبعده تمكن مناقشة حل سياسي. إن هذا هو الموقف التركي»، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل المحادثات الخاصة بوقف إطلاق النار. وما زالت 50 سفارة تفتح أبوابها، منها: سفارات تركيا وروسيا وبلغاريا وأوكرانيا والصين، إضافة إلى سفارات الدول الأفريقية بجنوب الصحراء الكبرى.

* شارك في إعداد التقرير من البريقة بليبيا سي جيه شيفرز

* خدمة «نيويورك تايمز»