قوات الأمن اللبنانية تقتحم سجن رومية بعد اتساع رقعة الشغب واحتجاز السجناء لحراس

استنفار رسمي للمعالجة ووزير الداخلية يرفض توجيه رسائل سياسية عبر السجناء

أهالي السجناء يشتبكون مع الحراس أمام سجن رومية أمس (أف.ب)
TT

بدأت القوى الأمنية اللبنانية، أمس، عملية اقتحام لسجن رومية شمال شرقي بيروت، حيث يحتجز سجناء يطالبون بالإصلاح القضائي والمعيشي ثلاثة عناصر من الشرطة، بحسب ما أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية.

وكانت الأوضاع في السجن رومية قد تطورت خلال اليومين الماضيين بشكل دراماتيكي، بحيث تفاعلت حركة الاحتجاجات والتمرد بشكل كبير، ووصلت إلى حد احتجاز السجناء المحتجين لأربعة عسكريين من العناصر الأمنية المولجة حماية السجن كرهائن، وإضرام النار في المبنيين «ب» و«د»، بعد أن أشعل عدد من الموقوفين الفرش والأمتعة العائدة لهم. حتى بدا بعد ظهر أمس أن الأمور تتجه نحو مزيد من التأزم، في ظل التحركات التي يجريها أهالي الموقوفين على الأرض، عبر قطع الطرقات الدولية، سواء عند مدخل مطار بيروت الدولي وفي البقاع والشمال وعند مدخل السجن بالإطارات المشتعلة، ورفع مطلب إصدار قانون عفو عام من دون التراجع عنه. وكشفت مصادر متابعة لأحداث رومية لـ«الشرق الأوسط»، أن «سجناء المبنى (د) وأثناء احتجازهم عددا من عناصر قوى الأمن منذ يومين، عمدوا إلى سلبهم ما بحوزتهم من مفاتيح لأقفال عدد من أقسام السجن ومن بينها مفاتيح المستودعات التي تحتوي على عدة الصيانة، مما مكن الموقوفين من الدخول إليها لاحقا ومصادرة معدات وأدوات استخدموها بتكسير أجزاء من الجدران في المبنى (د) بغية الانتقال إلى خارجه». وأكدت أن «بعض السجناء قاموا بتصوير العناصر الأمنية المحتجزين بواسطة الهواتف الجوالة وهم مكبلون ومحاطون بقوارير غاز، وأرسلوا هذه الصور إلى آمر السجن لتأكيد سيطرتهم على المبنى الموجودين فيه».

وكانت حركة التمرد الذي تجددت مساء أول من أمس، بعد خلاف شخصي بين أحد الضباط وسجين، استمر طوال يوم أمس، وامتد الإشكال من المبنى «ب» إلى المبنى «د»، ولم تفلح المفاوضات التي تولاها قائد الدرك بالإنابة العميد صلاح جبران مع المحتجين إلى أي نتيجة، باستثناء هدوء محدود في المبنى الأول سرعان ما عاد واستجد بعد ساعات قليلة، علما أن وحدات قوى الأمن الداخلي آثرت عدم استخدام القوة لتحرير العسكريين والرهائن وإعادة الأمور إلى طبيعتها، تجنبا لوقوع إصابات بين السجناء ومن العسكريين، وكي لا تأخذ الأمور أبعادا أكثر خطورة مما هي عليه الآن. يذكر أن التعزيزات الأمنية موجودة بشكل كبير في باحات السجن وفي محيطه تحسبا لأي طارئ. وما زاد الأمر تعقيدا إقدام أهالي السجناء على قطع الطريق أمام سجن رومية، فتسبب الأمر في مواجهات بين عناصر مكافحة الشغب والأهالي الذين رشقوا العناصر الأمنية بالحجارة.

واستدعت تطورات سجن رومية، عقد جلسة لمجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان في القصر الجمهوري، وجرى خلاله وضع الأطر لمعالجة أسباب هذا التمرد وحل مشكلة السجون بشكل نهائي. كذلك ترأس وزير الداخلية زياد بارود اجتماعا لمجلس الأمن المركزي، وقد رفض بارود في مؤتمر صحافي له «استعمال المساجين كوقود لإرسال أي رسالة سياسية»، مؤكدا تضامنه مع المطالب المحقة للسجناء، وداعيا إلى «عدم الاعتقاد بأن المواجهة بين الدولة والسجناء، تتعاطى بكثير من الدقة لكي لا تسقط دماء». وأشار إلى أن «موضوع السجون مزمن، والمفارقة أن الذي حصل هو في الفترة التي أعطي هذا الموضوع أولوية منذ سنوات، وهو يتحمل كامل المسؤوليات المرتبطة بعمله ولكن السجون تعاني 3 مشاكل مرتبطة بالاكتظاظ والوضعين المعيشي والأمني». واعترف بأن «الدولة لم تعط موضوع السجون أي أولوية، لا على مستوى التمويل ولا على أي مستوى آخر»، ورأى أن «قوى الأمن الداخلي ووزارة الداخلية لا تستطيع أن تحاكم السجناء، ونحن على تواصل مع وزارة العدل، وأقدر ما يعترض وزارة العدل والقضاء من عوائق». وقال بارود إن «مطالب السجناء قسم كبير منها محق وهي تتلخص في أمور قد تساهم في حل الاكتظاظ ومنها الإسراع بالمحاكمات، لكن تحسين الوضع المعيشي لا يتم بالكلام ولا بالوعود ولن نعد بما لا نستطيع تحقيقه، وهذا الموضوع يستوجب خطة ومالا، والكلام عن عدم وجود خطة لا يصرف إلا بالمواقف السياسية»، مؤكدا أنه طرح في مجلس الوزراء «خطة مرحلية لموضوع السجون نتيجة ما يحصل، وهذه الخطة تستند إلى وقائع وأرقام وتعتمد على استكمال إلحاق مسؤولية السجون بوزارة العدل، والسجون يجب أن تكون تحت إدارة وزارة العدل».

إلى ذلك، أوضح مصدر في وزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشكلة سجن رومية لا تعالج بتلبية مطالب مجموعة من المحتجين، إنما تحتاج إلى حل جذري لملف السجون في لبنان»، داعيا الحكومة إلى «تأمين نحو 3 ملايين دولار لتحسين الخدمات الإنسانية في جميع السجون»، وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «أقل الحقوق المعيشية والإنسانية للسجناء غير متوافرة، كما أن الأساليب التي تستخدم معهم لا تنسجم مع المعايير المطلوبة»، لافتا إلى أن «مطالب السجناء محقة، سيما أن قوى الأمن ليست صاحبة اختصاص في إدارة السجون»، وقال المصدر إن «المشكلة القائمة في السجون قديمة ولا يتحمل وزرها وزير الداخلية زياد بارود، ولا المدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، لكونهما نظما عدة تقارير تتضمن حلولا واقعية لموضوع السجون، ورفعت إلى مجلس الوزراء، لكن الحكومة لم تتخذ القرارات اللازمة بشأنها».