تكريت في وجوم بعد مجزرة مبنى المحافظة وسط اتهامات بـ«تواطؤ» من الداخل

الجيش الأميركي ردا على اتهامات بأنه لم يحرك ساكنا: قدمنا مراقبة جوية ومشورة

نيازي ميمور عضو مجلس محافظة صلاح الدين في مكتبه بمبنى المحافظة في تكريت بعد الهجوم (نيويورك تايمز)
TT

كان الموظفون في مكاتبهم يتوقعون الموت بين ثانية وأخرى، مع دخول مسلحين يرتدون ملابس الشرطة وأحزمة ناسفة راحوا يجوبون غرف المبنى، ويلقون بالقنابل اليدوية ويطلقون الرصاص على الجميع. وبعد أيام تحول مقر مجلس المحافظة إلى مقبرة تموج برائحة الدم واللحم المحترق.

يقول نيازي ميمور، عضو المجلس، وهو يقف في مكتب زميل له قتل خلال الهجوم: «قتلوا ثمانية أشخاص هنا». وفي غرفة أخرى، أشار إلى ثقب رصاصة في كرسي والدم متناثر على الحائط. وقال: «وقتلوا واحدا هنا أيضا».

واصل ميمور شرحه ما جرى في المكان المكون من ثلاثة طوابق، والذي شهد مقتل ما يقرب من 60 شخصا وإصابة أكثر من تسعين آخرين في الهجوم الذي شهده المكان يوم الثلاثاء الماضي، والذي تحول إلى أزمة رهائن حتى تمكنت الشرطة من استعادة السيطرة على المبنى. وعلى الرغم من هدوء وتيرة العنف في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاعتداء على مبنى المحافظة في مسقط رأس الرئيس الأسبق صدام حسين تذكير صارخ بما تواجهه الديمقراطية الناشئة في العراق، من تمرد عصي وقوات جيش وشرطة لا تزال تعاني أوجه قصور صارخة وولاءات مشكوك فيها.

كانت القوات العراقية قد تلقت تدريبها على يد قوات الجيش الأميركي التي تغادر البلاد في نهاية العام الحالي، والتي تتركز مهمتها في الوقت الحالي في تقديم المشورة والمساعدة للعراقيين. لكن المسؤولين المحليين في تكريت شكوا من أن الأميركيين لم يقوموا بجهد كاف للمساهمة في إعادة السيطرة على المبنى.

وفي أعقاب ثلاثة أيام من الحداد، التي فرض فيها حظر التجوال وأغلقت المدارس والمتاجر، بدأت طقوس أخرى مألوفة من الحياة السياسية في تكريت من خلال معالجة الحزن عبر السياسة وتبادل الاتهامات. ويقول نور السماري عضو البرلمان عن محافظة صلاح الدين، التي تضم تكريت: «كنا نتوقع حدوث شيء مماثل، لكن ليس بهذا الحجم، فالقوات الأمنية ضعيفة للغاية». وكرر السماري الانتقادات الشديدة التي وجهها الكثير من القادة المحليين للقوات الأميركية، لعدم المشاركة بصورة مباشرة في القتال، وقال: «كانوا قريبين للغاية من مكان الهجوم لكنهم لم يحركوا ساكنا».

ويقول جاسم حسين جبارة، مدير الأمن الوطني في محافظة صلاح الدين، والمعين من قبل الحكومة الفيدرالية، دائما ما أقول إن «القوات الأمنية العراقية يجب أن تعتمد على نفسها في كل أنواع العمليات، لأن الولايات المتحدة لن يطول بقاؤها في العراق. لكننا طلبنا منهم الغاز المسيل للدموع ولم يعطونا إياه. وقالوا إنهم في حاجة إلى أمر من القيادة وكان رد فعلهم بطيئا للغاية».

وكان رئيس مجلس المحافظة يوسف حمود قد نجا من الهجوم عبر الهرب من الباب الخلفي، وتابع تطورات الحصار من مركز القيادة المحلية، حيث طلبت قوات الشرطة والجيش الدعم من القوات الأميركية. وقال حمود: «لم يتحرك الأميركيون. طلبنا منهم الغاز المسيل للدموع لكنهم لم يفعلوا أي شيء».

من جانبه، صرح المتحدث باسم القوات الأميركية في العراق في رسالة بريد إلكتروني، قائلا: «إن القوات العراقية طلبت من الجيش الأميركي طائرة هليكوبتر لشن هجوم من الجو، لكن تبين للقوات أن السطح لن يتمكن من تحمل وزن الطائرة، ومن ثم لم تحاول القيام بهذه المهمة بالغة الخطورة». وأشار المتحدث إلى أن الغاز المسيل للدموع غير متوافر، لكن القوات الأميركية قدمت المراقبة الجوية وقدمت النصائح للشرطة المحلية».

وقال المسؤولون في تكريت، الذين شاهدوا الكاميرات الأمنية التي التقطت المراحل الأولية للهجوم: إن الأدلة تشير إلى أن القوات التي كانت تحمي المبنى ربما تكون قد شاركت في الهجوم. ويقول سبهان جياد، نائب رئيس المجلس المحلي، الذي كان في بغداد لعقد مؤتمر في يوم الاعتداء، إن أحدا لم يعتقل، ولم يستطع أن يقول ما إذا كانت القوات الأمنية المتورطة في الهجوم لا تزال مستمرة في عملها، وقال: «نحن نشك في بعض الأفراد في الداخل، لكننا سننتظر نتيجة التحقيقات».

ولا تزال تفاصيل التحقيق غامضة، فقد قدم الشهود والناجون والمسؤولون روايات متضاربة، ولم يتمكن أحد من تحديد عدد المهاجمين. البعض منهم قال اثنين، وآخرون قالوا أربعة، والبعض قالوا خمسة أو ستة، وآخرون قالوا إنهم زادوا على العشرة. وقد تبنت جماعة دولة العراق الإسلامية في العراق، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن الهجوم.

وأثار الاعتداء قضية مهمة تتمثل في كيفية أن تتمكن ديمقراطية ناشئة مصابة بالعنف من الموازنة بين الأمن والتواصل مع الأفراد الذين ينبغي أن تحاول خدمتهم. وقال حمود إن المبنى «كان مفتوحا للجميع ويدخل المئات من المواطنين إلى المبنى يوميا». بيد أنه قال إن المسؤولين المحليين كانوا قلقين من إمكانية وقوع مثل هذا الهجوم، واتفقوا على ضرورة القيام بإجراءات أمنية جديدة، لكنهم لم يتمكنوا من إيجاد التمويلات اللازمة للقيام بذلك.

أدلى حمود والآخرون بهذه التصريحات من مجمع محصن من المنازل والقصور التي كانت تعود في السابق لصدام حسين وعائلته. وسوف يجتمع المجلس هناك حتى يعاد بناء مقراته التي هدمت في وسط المدينة. وميمور عضو المجلس عن الأقلية التركمانية، كان في الطابق الثاني من المجلس، وقد أغلق مكتبه عليه عندما بدأ الهجوم. وككل السياسيين في العراق كان ميمور يحمل مسدسا، وعندما سمعه أحدهم يقول «سأذهب إلى الكلب التركماني»، لم يجد بدا سوى أن يسحب مسدسه ويفتح الباب ويطلق الرصاص حتى نفدت ذخيرته. وقال: «لم أجد مفرا سوى النجاة بنفسي، عبر القفز من النافذة».

* خدمة «نيويورك تايمز»