في ذكرى تأسيسه.. بيان يتيم للبعث وهدوء في الشارع العراقي

قيادي في حزب الدعوة لـ«الشرق الأوسط»: الحزب المنحل مجرد ظاهرة إعلامية

جنود في الجيش العراقي السابق يحملون مجسما للرئيس الأسبق صدام حسين بالزي الكردي خلال احتفال بذكرى عيد ميلاده في تكريت في 28 أبريل 1999 (أ.ف.ب)
TT

على مدى 35 عاما كان يوم السابع من أبريل (نيسان) في العراق أحد الأيام التي تجري التحضيرات للاحتفال بها قبل أكثر من شهر. فعلى الرغم من كثرة المناسبات التي أضيفت إلى الأيام العراقية بعد عام 1968 بدءا من يوم 17 يوليو (تموز) ومرورا بذكرى الثامن والعشرين من أبريل، الذي يصادف ميلاد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وعشرات الأيام الأخرى التي أضيف معظمها إلى سجل الاحتفالات البروتوكولي بعد الحرب العراقية - الإيرانية، فإن 7 أبريل ظل محفورا بذاكرة البعثيين ليس في العراق فقط، وإنما في دول عربية أخرى، منها سورية التي ولد فيها هذا الحزب في مقهى رشيد الصيفي بجبل قاسيون عام 1947، بوصفه يوما استثنائيا كان السبب في ولادة كل ما تلاه من أيام ومناسبات.

وآخر احتفال رسمي بذكرى ميلاد البعث كان عام 2002 إذ في العام التالي (2003) غاب هذا الاحتفال مثلما غاب الاحتفال بعيد ميلاد صدام بل تحول أبريل إلى شهر لـ«النسيان» بالنسبة لنظام كان يعتقد أنه وحده كان قادرا على صوغ الذاكرة العراقية على وقع مناسباته الكثيرة. ومع أن الحرب الأميركية على العراق التي انتهت بإسقاط النظام اندلعت أواخر شهر مارس (آذار) 2003 فإنه قدر للمهمة الأميركية أن تنتهي يوم التاسع من أبريل من نفس العام، أي بعد يومين من ذكرى ولادة البعث.

وخلال الأشهر الأولى من الاحتلال الأميركي للعراق كان التاسع من أبريل قد دخل ذاكرة قوى المعارضة العراقية التي جاءت مع الأميركيين بوصفه يوما للتحرير ولم يكن يجرؤ أحد على وصفه بالاحتلال. غير أن الأميركان وحلفاءهم البريطانيين فاجأوا الجميع ومنهم أصدقاؤهم قوى المعارضة العراقية عندما طلبوا من مجلس الأمن الدولي أواخر شهر مايو (أيار) تغيير وصفهم إلى «قوة احتلال» لكي يتطابق ذلك مع القانون الدولي. ومع ذلك فإنه عندما تم الإعلان عن مجلس الحكم الانتقالي فإن أحد أعضاء هذا المجلس وهو رجل الدين البارز محمد حسين بحر العلوم اقترح أمام زملائه أعضاء المجلس الـ25 بجعل يوم «التاسع من أبريل بمثابة عيد وطني للعراق». ولم يمض اقتراح بحر العلوم قدما على الرغم من أنه حظي بتصفيق بعضه كان حماسيا وبعضه الآخر كان خجلا من زملائه. فالشارع العراقي كان له رأي آخر لا سيما مع بدء أولى عمليات المقاومة. ومع تفجر الأعمال المسلحة فقد اختلط حابل المقاومة بنابل الإرهاب وتحول الموقف من الاحتلال أو التحرير إلى وجهة نظر معرفية في أوساط النخب والجماهير.

لكن ظل لحزب البعث حضوره، لا سيما أنه ظل طوال السنوات الماضية العدو رقم واحد للسلطة الجديدة والمتهم دائما بكل العمليات المسلحة والإرهابية حتى لو كانت تقف خلفها جهات أخرى. المفارقة أن حزب البعث الذي اختفى قادته وتحولوا إلى جناحين متصارعين في سورية والعراق ظل فرحا بركوب أي موجة يمكن أن تجعله قادرا على البقاء في الصورة. وعلى الرغم من تعثر مفهوم المصالحة فإن مجرد رفع هذه اليافطة كان كافيا لانخراط المزيد من البعثيين في العملية السياسية تحت واجهات مختلفة، بينما البعث الرسمي الذي حظره الدستور العراقي لا يزال يرفض حتى بيانه الأخير الذي أصدره بالمناسبة معتبرا أنه أصبح أقوى.

لكن القيادي البارز في حزب الدعوة خالد الأسدي قال لـ«الشرق الأوسط» إننا «وعلى الرغم من إيماننا بالمصالحة الوطنية ونعتبرها جزءا من بناء الدولة فإن حزب البعث ومثلما هو معروف محظور بموجب الدستور ولا مجال للتعامل معه وهذا أمر ثابت»، مضيفا أن «المصالحة تمت وتتم مع أناس لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين وهو ما اشترطناه في كل عمليات المصالحة التي تمت وهي التي أدت في جوانب كثيرة منها إلى تأمين الاستقرار في البلاد».

وحول البيان الأخير الذي أصدره حزب البعث بذكرى ميلاده، قال الأسدي إن «حزب البعث لا وجود له على أرض الواقع، وهو في الوقت الذي انخرط فيه عبر مجاميع إرهابية مهمتها قتل العراقيين، فإنه تحول إلى ظاهرة إعلامية ليس أكثر، والأهم من هذا أن العراقيين أدركوا حقيقة هذا الحزب، وبالتالي فإنهم لم يعد أمامهم سوى اللجوء إلى تاريخ حزبهم الأسود»، على حد قوله.