عملية فرنسية خاصة بطائرة هليكوبتر لإنقاذ السفير الياباني من قوات غباغبو

تدهور الوضع الإنساني في أبيدجان.. ووصول دفعة جديدة من لبنانيي ساحل العاج إلى بلادهم

لبنانيون أثناء استقبال أقارب لهم فروا من ساحل العاج في مطار بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي أكدت فيه فرنسا أمس أن سقوط رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو سيحصل «حتما»، فإن هذا الأخير بقي أمس متحصنا في مقره في أبيدجان، في حين تتسارع وتيرة تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في العاصمة الاقتصادية، حيث تعرض مقر السفير الياباني لهجوم، مما اضطر القوة الفرنسية للتدخل لإنقاذه.

وبعد المأزق السياسي والعسكري، بات الوضع الإنساني ملحا، إذ أصبحت العاصمة الاقتصادية التي كانت مزدهرة عرضة للنهب، ولم ترفع الجثث من شوارعها، وانهار النظام الصحي فيها، وغالبا ما تكون المياه والكهرباء مقطوعة عنها ومخزون المواد الغذائية يشح بسرعة. وسمع إطلاق نار متقطع بالأسلحة الثقيلة والخفيفة صباح أمس في محيط القصر ومقر إقامة غباغبو الذي استهدفه الجيش الفرنسي مساء أول من أمس، حسبما أفاد سكان وصحافيون.

وكانت القوات الفرنسية أصابت مركبات عسكرية تابعة للقوات الموالية لغباغبو أثناء مهمة بطائرة هليكوبتر لإنقاذ السفير الياباني أمس. وقال تيري بوركار، المتحدث باسم القوات المسلحة الفرنسية، إن القوات الفرنسية تدخلت بعد أن اقتحم جنود غباغبو مقر إقامة السفير يوشيفومي أوكامورا الذي كان السفير وسبعة من العاملين معه يختبئون في غرفة آمنة فيه. وضربت أيضا القوات الفرنسية التي كانت قد انضمت بالفعل لغارات بطائرات هليكوبتر لتدمير أسلحة غباغبو الثقيلة سيارتين «بيك أب» تابعتين لمسلحين حاولوا اقتحام مقر إقامة السفير الفرنسي في البلاد.

وقال السفير الياباني إن مرتزقة اقتحموا مقر إقامته، مضيفا أنه حوصر داخل غرفته، واستولى المسلحون على مقر إقامته. وبدوره، أوضح بوركار أن موالين لغباغبو نصبوا قاذفات صواريخ على سطح المبنى، واستعان الجنود الفرنسيون بحبل من طائرتهم الهليكوبتر قبل هبوطها، ونقلوا السفير على متنها.

كذلك، أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، أمس، أن الحكومة الإسرائيلية طلبت من القوة الفرنسية المنتشرة في ساحل العاج (ليكورن) التدخل لإخراج الدبلوماسيين الإسرائيليين من أبيدجان. كما صرح جوبيه بأن سقوط رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته سيحصل «حتما»، من دون أن يجازف بتحديد مهلة زمنية لذلك. لكن تدخل فرنسا في ساحل العاج يثير جدلا، إذ اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن القوات الفرنسية والأمم المتحدة تدخلتا في «نزاع داخلي» لساحل العاج من خلال دعم معسكر واتارا.

من جهته، قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه، أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في المجلس، إن غباغبو ما زال يتمتع بدعم «نحو ألف» رجل في أبيدجان، بينهم مائتان في مقر إقامته. وأوضح أن قوة الأمم المتحدة في أبيدجان «تضم نحو 2250 رجلا من أصل عشرة آلاف في كل ساحل العاج، بينما رفعت فرنسا عدد قواتها في إطار عملية ليكورن إلى 1700». وتابع أن «المجموعات التكتيكية التابعة للحسن واتارا تتألف من ألفي رجل». وأضاف لونغيه أن «القوات الموالية لغباغبو حاليا تتألف من نحو ألف رجل بينهم مائتان في مقر إقامته الشخصي». وأوضح أن هذا المقر «يقع في قلب حي السفارات»، والمباني المحيطة به مباشرة «تشكل رهانات تكتيكية كبيرة بما أنها مواقع لإطلاق النار تسمح لهذا الطرف أو ذاك بإزالة أي عقبة».

وإجلاء السفير الياباني يسلط الضوء على التدهور الكبير للوضع الأمني في أبيدجان التي كان يقيم فيها قبل الأزمة خمسة ملايين نسمة، وباتت مسرحا لمعارك بالأسلحة الثقيلة وعمليات نهب وتصفية حسابات. وبحسب قوة ليكورن فإن أكثر من 800 من الرعايا الأجانب بينهم فرنسيون غادروا أبيدجان خلال اليومين الماضيين. ويتم نقل الرعايا الأجانب إلى لومي (توغو) ودكار (السنغال) وأكرا (غانا).

وفي هذا السياق، نقلت طائرة جديدة أمس عشرات اللبنانيين الفارين من ساحل العاج، حيث يعيش نحو ثمانين ألف لبناني، إلى بيروت. وحطت في مطار رفيق الحريري الدولي طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية آتية من أكرا في غانا، وعلى متنها 176 لبنانيا فروا من ساحل العاج. وكانت طائرة أخرى وصلت أول من أمس إلى مطار بيروت وعلى متنها 123 لبنانيا. واستقبل رجال ونساء وأطفال أقرباءهم في المطار بالدموع والصراخ والعناق، فيما بدا التعب واضحا على وجوه العائدين. وقال علي حلاق، 38 عاما، الذي يعمل في تجارة السيارات في أبيدجان، إن «الوضع مأساوي هناك. الكهرباء مقطوعة وكذلك المياه والغذاء، والشوارع لا تجوبها إلا العصابات». وتابع «تدخل العصابات إلى البيوت وتسرق كل شيء منها، حتى الأبواب والنوافذ».

وقالت بالوما (ثمانية أعوام) التي عادت مع شقيقتها إلى لبنان من دون والديها بعدما عجزا عن القدوم لأنهما كانا في منطقة أخرى «خفنا كثيرا، وعشنا في رعب كبير». وأضافت «آمل أن يعود أهلي قريبا، وأتمنى أن أرجع إلى ساحل العاج حين تهدأ الأمور».

وغادر أمس وفد رسمي لبناني يضم مدير عام وزارة الخارجية هيثم جمعة وعددا من السفراء والمستشارين في الوزارة إلى أكرا، بهدف المساعدة في إجلاء اللبنانيين. وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان أعلن الثلاثاء أنه يبحث في وضع «خطة عملية» لتأمين الحماية للأعداد الكبيرة من اللبنانيين المقيمين في ساحل العاج وإجلاء من يرغب منهم من هناك. وأصدر رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أمس قرارا قضى بتشكيل لجنة لدعم وإغاثة أفراد الجالية اللبنانية في ساحل العاج بناء على توصيات المجلس الأعلى للدفاع. وتشمل مهمة اللجنة «نقل المحتاجين وغير المقتدرين الراغبين في العودة على متن خطوط طيران الشرق الأوسط، وفي حال تعذر وصولهم إلى ساحل العاج التعاقد مع شركات طيران أخرى، مع إمكانية استعمال جميع أنواع النقل البري والبحري والجوي». كما تشمل مهماتها «نقل المصابين إلى المستشفيات ومعالجتهم، وشراء ونقل معونات إنسانية وطبية وغذائية وتخزينها وتوزيعها، وتشكيل وإرسال فريق دعم وإغاثة إداري وعسكري وفني وطبي إلى ساحل العاج».