درعا: عشرات القتلى والجرحى.. وإمام الجامع لـ «الشرق الأوسط»: مستمرون في التظاهر ولكن نخشى الأسوأ

المستشفيات ترفض استقبال المصابين

متظاهرون اكراد خلال م-ظاهرة في مدينة القامشلي السورية أمس (رويترز)
TT

شهدت سورية، أمس، في يوم «جمعة الصمود»، يوما من أكثر الأيام دموية منذ بدء المظاهرات ضد نظام بشار الأسد منتصف الشهر الماضي. ووقع عشرات القتلى والجرحى في درعا وحدها، بحسب ما أكد أمام الجامع العمري الشيخ أحمد الصياصنة لـ«الشرق الأوسط» أمس، بعد أن فتحت القوى الأمنية النيران على المدنيين العزل، ومنعت السلطات المستشفيات من استقبال الجرحى.

وخرج أمس آلاف السوريين في مدن سورية كثيرة، وانضم إليهم الأكراد في القامشلي، إلا أن أضخم المظاهرات سجلت في مدينة درعا، حيث خرج المصلون في مسيرات سلمية بعد صلاة الجمعة، استمرت حتى الليل، بحسب ما أكد الصياصنة، ومصادر سورية أخرى تحدثت لـ«الشرق الأوسط». وواجهت القوى الأمنية المتظاهرين في درعا بقنابل مسيلة للدموع في البداية أدت إلى اختناق الكثير منهم، ثم بدأت بإطلاق الرصاص الحي عليهم، فقتل 8 أشخاص على الأقل في وسط درعا، بينما قتل عدد أكبر في منطقة المحطة. ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر في مستشفى وعن ناشط، أن عدد القتلى في درعا وصل إلى 17 قتيلا.

وحاولت السلطات السورية، أمس، إلقاء اللوم في وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في درعا، على «مسلحين ملثمين»، فبث التلفزيون الرسمي صورا لمسلحين يطلقون النيران من مسدسات حربية. ولكن الشيخ الصياصنة أكد أن المسلحين الذين بدوا في الشريط هم من قوات الأمن. وقال: «المسلحون هم من قوات الأمن، ليس هناك مسلحون من الخارج في درعا».

وأكد الصياصنة أن المستشفيات ترفض استقبال الجرحى، بتعميم رسمي عليها. وقال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «هناك جرحى داخل الجامع تتم معالجتهم، لأن المستشفيات لا تستقبل أحدا، هناك تعميم عليها ألا تستقبل الجرحى». وأضاف: «لأطباء والممرضون يتبرعون من أنفسهم بأن يأتوا ويعالجوا الجرحى في البيوت أو في المسجد بعد أن ينقلهم السكان إلى المسجد أو البيوت». واتهم إمام الجامع العمري القوات الأمنية بتأجيج الأمور والاعتداء على المدنيين. وقال ردا على سؤال حول ما إذا كان يشجع الأهالي على المشاركة في التظاهر: «نحن نأمل أن تكون المظاهرات سلمية ولكن الأمن يؤجج الأمور ويطلق النار على الناس، الناس ليس لديهم أسلحة».

وأشار الصياصنة إلى أن محافظ درعا الجديد محمد خالد الهنوس الذي تسلم مهامه قبل أيام معدودة بعد إقالة سلفه، لم يحرك ساكنا لوقف اعتداء قوات الأمن على المدنيين رغم إبلاغه مسبقا بنية التظاهر. وقال: «تكلمنا مع المحافظ الجديد أول من أمس وقلنا له إن الناس قد تخرج في مظاهرات، أبق قوات الأمن بعيدا.. ولكن لم يبعدها، وتطورت الأمور بشكل سيء». وأشار إلى أن مسيرات خرجت في نحو السابعة مساء باتجاه منزل المحافظ، إلا أن قوات الأمن أطلقت النيران على المشاركين فيها، ووقع عدد من القتلى والجرحى لم يكن قد أحصي عددهم بعد.

ورغم الخسائر البشرية الكبيرة في درعا، فقد أكد الشيخ الصياصنة أن السكان مستمرون في التظاهر حتى تلبية المطالب. وعدد أبرزها في: إلغاء قانون الطوارئ والحريات والسماح بحرية الصحافة. وقال: «اجتمعنا مع عدد من المسؤولين في السابق، ولكن ليست هناك نتائج، يقولون أن شاء الله مطالبكم كلها ستتم تلبيتها، واصبروا قليلا...».

إلا أنه رغم إصرار أهالي حوران على الاستمرار بتحركاتهم السلمية، فإن مخاوفهم تتزايد من تطور الأمور إلى ما هو أسوأ بكثير. ومن المتوقع أن تشهد درعا اليوم مسيرات جديدة ضد النظام خلال تشييع ضحاياها الذين سقطوا في مظاهرة الجمعة. وقال الصياصنة: «غدا (اليوم) هناك شهداء علينا دفنهم.. ولكننا نخاف من أن تتطور الأمور أكثر من ذلك». ويخيم على ذاكرة السوريين شبح مجزرة حماه التي وقعت في عام 1982 والتي قتل فيها عشرات الآلاف، في محاولة الرئيس الراحل حافظ الأسد القضاء على معارضة الإخوان المسلمين.

من جهته، قال التلفزيون الرسمي إن «مسلحين يطلقون النار على جموع المواطنين وقوات الأمن والشرطة في مدينة درعا، وإن ذلك جرى عقب خروج المصلين من صلاة الجمعة وتوجههم للتجمع وسط المدينة، ما أدى إلى استشهاد عنصر أمن وجرح العشرات من المواطنين وقوات الأمن والشرطة».

وأضاف التلفزيون السوري الذي بث صورا، أن «المسلحين أطلقوا النار على سيارة إسعاف أثناء قيامها بمهمتها في نقل المصابين إلى المستشفى، ما أدى إلى استشهاد سائق السيارة». كما أهابت وزارة الداخلية بالمواطنين في درعا «عدم إيواء المجموعات المسلحة التي أطلقت النار على المواطنين والشرطة، والمسارعة بإبلاغ السلطات عن أي معلومات تتوافر عنهم». إلا أن نوعية الشريط الذي بثه التلفزيون الرسمي بدت عالية جدا، مقارنة بالأشرطة الأخرى للمظاهرات التي تلتقط من هواتف جوالة ويتم تحمليها على موقعي «يوتيوب» و«فيس بوك». وبدا أيضا أن المسلحين موجودون في أحد الأحراش النائية، ولم يظهر أحد في الجهة المقابلة، حيث كانوا يصوبون.

وكان سكان القرى المجاورة قد بدأوا بالتوافد إلى مدينة درعا قبل حلول فجر الجمعة، خشية أن تمنعهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان التظاهر في ساحة السرايا بالمدينة الجديدة، من أجل التوجه إلى درعا البلد، حيث الجامع العمري لفك الحصار عنه. وما إن انطلقت المظاهرة من الجامع العمري وتحرك المتظاهرون من ساحة السرايا باتجاه درعا البلد، حاول رجال الأمن منع وصولهم. وجرى إطلاق قنابل مسيلة للدموع بشكل كثيف، ثم أطلقت عيارات نارية، فسقط على الأقل 8 قتلى وعشرات الجرحى. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن المتظاهرين ردوا على الرصاص برمي رجال الأمن بالحجارة.

وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن المتظاهرين هاجموا سيارات الشرطة والأمن، والتي انسحبت من درعا البلد، ليتجهوا نحو مداخل المدينة لمنع وصول المتظاهرين من المدن والبلدات المحيطة، بعد توجيه الأهالي نداء مؤازرة. وبحسب معلومات من مصادر محلية أخرى، كان هناك أكثر من ألفي دراجة نارية كل واحدة تحمل ثلاثة متظاهرين، دخلوا مدينة درعا من الجهة الشرقية لكسر الطوق الأمني المفروض عليها. وقام المتظاهرون بإحراق شعبة فرع حزب البعث في المدينة وإحراق صور الرئيس. ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود، أن المحتجين احرقوا حطموا تمثالا حجريا لباسل الأسد، الشقيق الراحل للرئيس السوري. وأضاف شاهد: «تمثال باسل الأسد مجرد كومة من الأحجار».

وكان ناشطون قد نادوا مساء الخميس عبر الـ«فيس بوك»، لجعل يوم الجمعة يوما لإزالة صور الرئيس من المدينة وإحراق مقرات الحزب الحاكم. واعتبروا يوم أمس يوم «جمعة الصمود». وذكر ناشطون على الموقع الاجتماعي أن «قوات الأمن والجيش التي انسحبت من درعا البلد قامت بإطلاق الرصاص الحي على الأهالي الذين قدموا من قرى ومدن حوران لنصرة درعا عند درعا المحطة».

وفي مدينة جاسم التابعة لمحافظة درعا، احتشد الآلاف في ساحة المدينة وجرى إلقاء خطب. وفي تطور جديد برزت مشاركة المفكر الإسلامي التنويري جودت سعيد في مظاهرة جاسم، حيث جرى استقباله بأغصان الزيتون. وجودت سعيد شركسي من مواليد قرية بئر عجم التابعة للجولان، ويتمتع بمكانة علمية ودينية مرموقة على المستويين المحلي والعربي، وحضوره إلى جانب المتظاهرين في درعا يحمل دلالات كثيرة. وكان قد اعتقل اثنان من أبنائه على خلفية اعتصام أهالي المعتقلين أمام وزارة الداخلية في دمشق في 16 مارس (آذار) الماضي، وجرى إطلاق سراحهما بعد أسبوعين. ورفعت لافتات في جاسم كتب عليها «لا للقتل» وهتافات «الشعب يريد إسقاط النظام».