أحزاب المعارضة في الأردن تعطي المظاهرات الأسبوعية فرصة لتقييم المرحلة

الصحافيون ورجال الأمن أخذوها إجازة وخرجوا في نزهات للطبيعة

TT

أجلت أحزاب المعارضة في الأردن وعلى رأسها حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن) المسيرة الأسبوعية التي اعتادت تنظيمها كل يوم «جمعة» منذ قرابة أربعة أشهر تقريبا للمطالبة بتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد إلى يوم «الجمعة» المقبل، لتكون فرصة لتقييم المرحلة الراهنة بمجملها واستحقاقاتها الضرورية في إطار انخراطها الشامل في مشروع الإصلاح الوطني في الأردن.

إلا أن الصحافيين والإعلاميين ورجال الأمن العام وقوات الدرك اعتبروا هذا اليوم بمثابة إجازة وانتهزها العدد الأكبر منهم لا سيما الصحافيون والإعلاميون الذين اعتادوا تغطية فعاليات المسيرات والاعتصامات، للخروج في نزهات مع أسرهم إلى مناطق شمال الأردن والأغوار الشمالية والوسطى للتمتع بالأجواء الربيعية المعتدلة ومناظر الطبيعة التي ترافق فصل الربيع.

واعتادت أحزاب المعارضة الأردنية والحركة الإسلامية وقوى المعارضة منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تنظيم مسيرات احتجاجية تنطلق من أمام المسجد الحسيني في وسط عمان إلى منطقة رأس العين للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية مما أثار اعتراض أصحاب المحال التجارية والبسطات، بسبب إغلاق الطرق المؤدية إلى المنطقة ومخاوف المتسوقين من القدوم إليها. ونتيجة لهذا الهدوء شهدت وسط عمان أمس حركة اقتصادية نشطة.

ويقول يحيى العوامرة صاحب محل إكسسوارات، لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت الأسواق اليوم (أمس) حركة نشطة لم نشهدها منذ أربعة أشهر بسبب عدم إقبال المغتربين على وسط المدينة للتسوق». وأضاف «نرجو من الحكومة وأحزاب المعارضة إعادة النظر في المواقع والتعبير عن آرائهم في مناطق بعيدة عن الأسواق لأن قوات الأمن تقوم بإغلاق المنطقة لتأمين وحماية المسيرات وهذا يضر بمصالحنا».

ولعل تصريحات عدد من كبار المسؤولين الأردنيين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء معروف البخيت ووزير الداخلية سعد السرور، تصب في هذا الاتجاه حيث حرصا على التأكيد في أكثر من مناسبة على احترام حق المواطنين الأردنيين في التعبير عن رأيهم بحرية تامة وبطريقة حضارية لكن مع ضرورة أن تراعي المظاهرات والاعتصامات والمسيرات السلمية في الوقت نفسه حماية المواطنين ومصالحهم واختيار الأماكن المناسبة لذلك بشكل لا يؤثر على حرية ومصالح المواطنين.

وكانت قد تزايدت شكاوى المواطنين الأردنيين في وسائل الإعلام خاصة في وسط عمان وهي منطقة تجارية وحيوية وتشهد حركة كبيرة للمغتربين خاصة أيام «الجمعة»، التي اختارتها أحزاب المعارضة لإطلاق المسيرات السلمية المطالبة بالإصلاحات في الأردن. وجاءت هذه المسيرات منذ 4 أشهر لتشل الحياة التجارية وتلحق خسائر كبيرة لأصحاب المحال.

وتبلورت شكاوى المواطنين الأردنيين على منظومة حياتهم المعيشية، على نحو إقدام مواطن يوم الاثنين الماضي على اقتحام مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في حي العبدلي مرتديا حزاما ناسفا اكتشف الأمن الأردني بعد ذلك أنه كان مزيفا، مهددا بنسف المقر وأمينه العام احتجاجا على ما سببته المظاهرات من قطع رزقه ووقف مصدر عيشه الوحيد.

إلا أن مراقبين يرون في تأجيل مظاهرات هذه الجمعة أبعد من أن يكون سببه العبء والخسائر التي سببتها تلك المظاهرات للحركة وتعطيل حركة السير وعرقلة حياة المواطنين. وحسب هؤلاء ترى المعارضة ضرورة التوقف قليلا لتقييم المرحلة الراهنة بإيجابياتها وسلبياتها والتخطيط لاستحقاقات المرحلة المقبلة خاصة بعد أن عدلت عن موقفها، باستثناء الحركة الإسلامية، بالعودة مرة أخرى للانضمام إلى لجنة الحوار الوطني الأردنية التي شكلتها الحكومة لمناقشة الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الأردن بعد أن قاطعتها عقب أحداث فض اعتصام حركة «شباب 24 آذار» بميدان عبد الناصر (دوار الداخلية) يوم 25 مارس (آذار) الماضي مما تسبب في وفاة أحد المواطنين وإصابة ما يزيد على 100 آخرين.

وأحيل ملف القضية إلى محكمة الجنايات الكبرى التي من المنتظر أن يباشر مدعي عام المحكمة القاضي طارق الشقيرات التحقيق مع 80 شخصا متهمين ممن شاركوا في الاعتصام بتهمة مقاومة رجال الأمن العام الأردني.

وكانت الحكومة قد حددت مهام اللجنة، 52 عضوا، بإدارة حوار وطني مكثف حول مختلف التشريعات التي تتعلق بمنظومة العمل السياسي ومراجعتها للتوصل إلى الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها، وهي إيجاد حياة حزبية وديمقراطية متقدمة، وتشكيل حكومات برلمانية عمادها الأحزاب، وتقديم مشروع قانونين توافقيين للانتخابات العامة والأحزاب، يلبيان هذه الأهداف، كما أن للجنة حرية البحث المعمق في مختلف التشريعات ذات الصلة وتقديم توصياتها في هذا الإطار.

إلا أن الحركة الإسلامية وعددا من أحزاب المعارضة، أعلنت انسحابها من لجنة الحوار الوطني على خلفية المطالبة بضرورة أن تكون اللجنة منبثقة عن القصر الملكي وليس تحت مظلة الحكومة لضمان جدية وتسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات، وذلك رغم تعهدات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ومطالباته للحكومة بضرورة الإسراع بالإصلاحات، وأنه سيكون الضامن لتنفيذ ما تخرج به اللجنة من توصيات وهو ما أكده خلال لقاءاته بممثلين من جميع أطياف وقوى المجتمع الأردني في الأسابيع القليلة الماضية للتأكيد على أنه لا رجوع عن مسيرة الإصلاح الشاملة في البلاد. ولم يكن الشباب الأردني بعيدا عن المطالبة بالإصلاحات في الأردن بل كان في صلبها على غرار البلاد العربية التي تشهد حراكا كبيرا بدأته تونس ومر ولا يزال بمصر، إلى ليبيا واليمن وسورية وغيرها.. حيث أعلنت حركة «شباب 24 آذار» على «فيس بوك» تبنيها لسبعة مطالب هي برلمان يمثل الشعب، وحكومة وطنية منتخبة، وإصلاحات دستورية حقيقية، ومحاكمة الفاسدين، وإصلاح النظام الضريبي، إضافة إلى الدعوة إلى رفع يد الأجهزة الأمنية عن الحياة السياسية في البلاد، وتحقيق الوحدة الوطنية.

ونفذت الحركة اعتصاما يوم 25 مارس الماضي بـ«دوار الداخلية»، قبل أن تفضه قوات الأمن الأردنية بالقوة، بمشاركة قوى شبابية وسياسية أخرى، من بينها حركة «15 نيسان» و«ثورة الغضب» و«الحراك الشبابي»، و«الحملة الأردنية للتغيير.. جايين»، إضافة إلى أعضاء من أحزاب معارضة، والحركة الإسلامية بصورة شخصية منها. ولعل حجم المظاهرات والمسيرات السلمية والاعتصامات التي شهدها الأردن بجميع محافظاته تقريبا على مدى الشهور القليلة الماضية يعكس الحراك الكبير الذي تشهده البلاد نحو تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية، حيث جرى خلال الشهور الثلاثة الماضية تنظيم 147 فعالية تحت عنوان التعبير عن الرأي كالمظاهرات والمسيرات والاعتصامات منها 86 فعالية في عمان وحدها وجميعها كانت تحت حماية رجال الأمن الأردني.

وتحرص الحكومة الأردنية على التأكيد على أن ما يجري من فعاليات سياسية يحظى باهتمامها ورعايتها ومن خلال إرادة سياسية عليا ممثلة في الملك عبد الله الثاني بجدية تحقيق الإصلاحات في البلاد والسير فيها بخطوات متسارعة مع وجود آليات لمعالجة الممارسات الخاطئة من خلال التوافق على ماهية التعديلات، وهذا لا يتأتى إلا بالحوار سواء بالإصلاح الدستوري أو السياسي بشكل عام.

ويرى المراقبون أن الرهان الرئيسي في الأردن يبقى على قيادته التي تؤمن بأن الإصلاح ضرورة وليس بالشعارات، وأنه لا يوجد ما تخشاه لتحقيق تلك الإصلاحات مع المطالبة بأن تنهي اللجنة المكلفة بالحوار الوطني عملها بأسرع ما يمكن وقبل الوقت الممنوح لها، والمحدد بثلاثة أشهر، لإنجاز قانوني الانتخاب والأحزاب، وأن تخرج بتشريعات تكون صفحة جديدة بالنسبة إلى مستقبل الأردن والأردنيين.