واشنطن استهانت بتحذيرات مسبقة تلقتها عن خطة سرية للثورة في اليمن

زعماء قبليون وسياسيون بينهم مقربون من صالح أبلغوا مسؤولين أميركيين بخطط الاحتجاجات

يمنيات يهتفن برحيل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مظاهرة بصنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

كشفت وثائق مسربة في موقع «ويكيليكس» أن الولايات المتحدة تلقت تحذيرات مسبقة من سياسيين وزعماء قبليين يمنيين بوجود خطة للإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، إلا أنها استهانت بها واعتبرتها غير ممكنة، وقد تمثل مجرد إزعاج للرئيس. ووفقا لهذه البرقيات، حسب تقرير لـ«واشنطن بوست»، فقد كشف الشيخ حميد الأحمر، الزعيم القبلي البارز، خلال اجتماع مع مسؤول في السفارة الأميركية داخل العاصمة اليمنية صنعاء قبل أقل من عامين، عن خطة سرية للإطاحة بالرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، الذي تولى مقاليد الأمور داخل اليمن منذ وقت طويل.

وتعهد حميد الأحمر، الزعيم الحزبي المعارض ورجل الأعمال البارز، بأن يشعل فتيل ثورة إذا لم يضمن صالح نزاهة الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في عام 2011، بحسب ما أفادت به وثيقة دبلوماسية أميركية سرية تلخص ما حدث خلال ذلك الاجتماع.

وقال الشيخ إنه سينظم مظاهرات حاشدة، على غرار الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الإندونيسي سوهارتو قبل عشرة أعوام. وقال الأحمر إلى المسؤول بالسفارة، لم يذكر اسمه: «لا يمكن أن ننسخ ما قام به الإندونيسيون بالضبط، ولكن تكمن الفكرة في فوضى تحت السيطرة»، ولكن السفارة عبرت عن رفضها لما ذكره الشيخ، ورأت أن تحديه لا يمثل أكثر من مجرد خطوة ستثير غضب صالح.

وفي الوقت الحالي، نجد صالح يتمسك بالكاد بالسلطة في مواجهة انتفاضة شعبية داخل اليمن تقترب في أشياء وتختلف في أشياء عن التصور الذي تنبأ به الأحمر. وتظهر الكثير من الوثائق الدبلوماسية الأميركية لم يتم الكشف عنها في السابق، وأتاحها موقع «ويكيليكس»، أن يمنيين بارزين وحلفاء للولايات المتحدة حذروا أكثر من مرة دبلوماسيين أميركيين من ضعف صالح المتنامي خلال 2009 و2010. ولكن على الرغم من هذه التحذيرات استمرت إدارة أوباما في استغلال صالح، وأصبحت معتمدة عليه بصورة متزايدة في مكافحة فرع تنظيم «القاعدة» الذي خطط لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة من شبه الجزيرة العربية.

وقال الأحمر، وهو الرئيس الفعلي لأكبر تجمع قبلي داخل اليمن، للمسؤول الأميركي في أغسطس (آب) 2009، إن خطته تعتمد على إقناع اللواء اليمني علي محسن الأحمر (لا توجد صلة قرابة مباشرة بينهما) بأن يتخلى عن صالح وينضم إلى صفوف المعارضة. وفي الشهر الماضي قام اللواء بهذا الأمر، ويقوم حميد الأحمد، الذي يعتبر حاليا مرشحا رئاسيا محتملا، بلعب دور مهم في الخفاء. وأوضحت الوثائق السرية التي أرسلت بها السفارة داخل صنعاء أن الثورة اليمنية مختلفة، وأنه تم التخطيط لها منذ وقت طويل، وكانت متوقعة.

وتكشف نفس الوثائق أن مسؤولين أميركيين كانوا منتبهين بدرجة كبيرة إلى المشكلات الاقتصادية والسياسية داخل اليمن، ولكن كانت هناك شكوك كثيرة في إمكانية الإطاحة بصالح من سدة الحكم، على الرغم من التقييمات الكئيبة لموقفه من جانب نظرائه الأوروبيين والعرب ومن أعضاء في المعارضة السياسية اليمنية، وحتى من الدائرة المحيطة بصالح. وقالت «واشنطن بوست» إن وزارة الخارجية الأميركية رفضت التعليق على مدى صحة هذه الوثائق أو ما جاء فيها. وقال مايك هامر، القائم بأعمال المتحدث الرئيسي باسم الوزارة: «تدين الولايات المتحدة بشدة الكشف غير القانوني عن معلومات سرية، حيث إنها تضع أمن أفراد في خطر وتهدد أمننا القومي وتقوض من جهودنا للعمل مع دول من أجل حل المشكلات المشتركة، وتلحق ضررا كبيرا بجهودنا الدبلوماسية».

ووفقا لما ورد في الوثائق، فإن دبلوماسيين سعوديين وخليجيين أبدوا قلقهم من الأوضاع في اليمن ومن أنه قد يتحول إلى «أفغانستان أو صومال آخر», وأن الأوضاع هناك مخيفة, ونقل مسؤول عماني عن الرئيس اليمني قوله إن حكم اليمن أشبه بالوقوف على حافة حفرة ممتلئة بالثعابين. ورد المسؤول عليه: «إذن، اقتل الثعابين».

وحسب الوثائق، فإن دولا عربية حثت إدارة أوباما على دعم صالح، وقالت إنه لا يوجد شخص آخر داخل اليمن قادر على إدارة الدولة، بينما نصحت دول أوروبية واشنطن بأن تبقى بعيدة نوعا ما. وقال دبلوماسي هولندي لمسؤولين أميركيين في هولندا إن صالح «يضعف أكثر وأكثر»، ولكنهم قالوا إنه ربما يكون من الخطأ «دعمه»، أو إعطاؤه «شيكا مفتوحا». وخلال مأدبة غداء يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2009 داخل صنعاء مع مسؤول زائر من وزارة الخارجية الأميركية، قال سفراء أوروبيون إن واشنطن عليها أن تضغط أكثر على صالح من أجل إصلاح حكومته التي تعاني من عزلة وفساد متزايدين. وقال السفير البريطاني لدى اليمن: «لن يفهم صالح شيئا إذا صيغ بصورة دبلوماسية».

وتعد اليمن الدولة الأفقر في العالم العربي، ولكن هذه ليست إلا مجرد مشكلة واحدة من المشكلات التي لديها. وتعاني الدولة من حكومة مركزية ضعيفة، وحرب متكررة مع القبائل الشيعية في الشمال، وتهديدات بالانفصال في الجنوب. وعلى رأس ذلك كله، أصبح اليمن بصورة متزايدة ملاذا جذابا لتنظيم القاعدة.

وجدير بالذكر أن إدارة أوباما قامت عقب توليها مهامها بمراجعة السياسة الأميركية تجاه اليمن، وتعهدت بأن تعطي قدرا أكبر من الأموال لبرامج مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية. وبعد ذلك سمحت للجيش الأميركي وفرق الاستخبارات بالمشاركة في عمليات سرية مشتركة مع القوات اليمنية تستهدف فرع تنظيم القاعدة في المنطقة. ولكن بعض المحللين المستقلين أكدوا أن الولايات المتحدة لا تولي حتى الآن مقدارا كافيا من الاهتمام بالوضع الراهن الكئيب داخل اليمن، وأنها غير مستعدة لثورة ضد صالح. وقالوا إن إدارة أوباما كان يمكنها الضغط على صالح بدرجة أكبر ليقدم تنازلات ديمقراطية، وكان يمكنها حماية رهاناتها على رئاسته بالتواصل بقدر أكبر مع الثوار.

ويقول كريستوفر بوسيك، وهو خبير في الشأن اليمني بمنحة كارنيغي للسلام الدولي: «تحدث حلفاء آخرون عن ذلك بإلحاحية أكبر ولوقت أطول بالمقارنة مع ما قام به الأميركيون. وحتى أسابيع قليلة مضت، كان معظم الحديث من إدارة أوباما يدور حول أنه لا يوجد بديل لصالح، وأننا (لا نعلم شيئا أخرى يمكن القيام به)».

وقالت «واشنطن بوست» إن مسؤولا بارزا في إدارة أوباما طلب عدم ذكر اسمه دافعه عن المنحى الذي اتبعته الولايات المتحدة. وقال المسؤول: «اليمن من الأماكن التي لا توجد لدينا فيها خيارات سياسية جيدة كثيرة. ولدينا هذا التأكيد خلال سعينا من أجل الإصلاح». وإلى جانب سيل من الانتقادات الموجهة ضد صالح من جانب منافسيه ومعارضيه السياسيين، أظهرت برقيات وزارة الخارجية أنه حتى أعضاء في الدائرة المحيطة بالرئيس اشتكوا إلى السفارة الأميركية داخل صنعاء.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2009، قال عضو في البرلمان قريب له علاقات قوية مع صالح لمسؤول في السفارة إن الرئيس «منشغل ومجهد بسبب الحرب، وأصبح قليل الاحتمال للنقد الداخلي بدرجة أكبر». وحسب ما جاء في وثيقة تلخص الاجتماع، وصف المشرع «التهديدات التي تواجه صالح بأنها مختلفة وتطرح تهديدا لاستقرار النظام الحاكم أكبر من أي تهديدات ظهرت خلال تاريخ اليمن». وقبل أربعة أشهر، أشار عضو بحزب صالح، وهو قريب من الرئيس، إلى أنه حان وقت رحيل الرئيس اليمني. وقال القريب إلى مسؤول بالسفارة: «لم يعد ينصت إلى أحد»، مشيرا إلى أنه تعاون مع الشيخ حميد الأحمر من أجل تنظيم احتجاجات شعبية. وأشار القريب إلى أنه «إذا لم تنجح المظاهرات السلمية في تحقيق تغيير جذري (فسنستخدم وسائل أخرى)»، بحسب ما جاء في الوثيقة. أشارت السفارة إلى تزايد الشعور بالغضب تجاه صالح، وذلك في وثائق بعث بها إلى واشنطن، ولكن رفضوا أيضا الكثير من الشكاوى بأنه غير ذات قيمة. «ليس مفاجئا في دولة يحكمها رجل قوي أن يلقي غير الراضين عن وضعهم باللائمة على هذا الشخص»، بحسب ما جاء في وثيقة تعود إلى 30 مايو (أيار) 2009 وقع عليها ستيفن سيش، السفير الأميركي في ذلك الوقت. ورفض سيش التعليق على ذلك الأمر. وفي برقية منفصلة قبل شهرين من ذلك، استهان السفير بتوقع من سياسي يميني آخر قال إن نهاية صالح وشيكة. وكتب سيش: «لقد حكم صالح اليمن على مدار 30 عاما، ويتوقع مراقبون حدوث كوارث هناك من ذلك الوقت تقريبا».