زهوة المصريين بثورتهم تتراجع مع ظهور السلفيين على السطح

حلم المسيحيين بالهجرة ما زال قائما.. والدولة تبحث عن أئمة لمواجهة التطرف

TT

تراجع زهو الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس المصري، حسني مبارك، أمام ما وصف بـ«الهجمة الشرسة» للسلفيين، ولم تفلح «قُدَّاسات» ميدان التحرير التي شارك فيها مسلمون، ولا تطمينات المستنيرين من مشايخ السلفيين، في تهدئة مخاوف الليبراليين والمسيحيين في البلاد.

ولا يزال عدد من المسيحيين المصريين يبحثون عن فرصة للهجرة خارج مصر بعد ثورة «25 يناير»، قائلين إنه «مع ثورة 25 يناير كدنا نصدق أنه آن الأوان للكف عن التفكير في الفرار من مصر»، على الرغم من أن ناشطين آخرين من المسيحيين يرون أن الصواب هو مواصلة البناء على ما حققته الثورة لتأسيس دولة مدنية، لكن هذا لم يمنع جانبا من المسيحيين من الاستمرار في إجراءات للفوز بحياة جديدة على أطراف المعمورة في أستراليا أو كندا، هربا من أوضاع اجتماعية سيئة، تفاقمت خلال سنوات حكم مبارك الأخيرة، بالإضافة لما يسمونه «حصارا للمسيحيين».

ويحظى غالبية المسيحيين باحترام زملائهم المسلمين في العمل، لكن بعضهم لم يستطع تجاوز مشهد إقامة الحد على المواطن المسيحي أيمن أنور ديمتري، بجنوب البلاد، بقطع أذنه على يد السلفيين قبل أسبوع، كما لا تزال تتردد في ذاكرة البعض، حتى من غير المسيحيين، كلمات الداعية السلفي محمد حسين يعقوب عن «غزوة الصناديق»، حين احتفل يعقوب وسط حشد من أنصاره بنتائج الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت مؤخرا، معلنا أن الإسلام قد انتصر، وأن على من لا يرضى بالشريعة الإسلامية أساسا للحكم أن يرحل من البلاد.

في المقابل يرى آخرون أنه مع تراجع ما يصفونه بـ«الثورة المضادة» التي يتهمون رموزا من النظام السابق بتأجيجها، سوف يستنفر المجتمع المصري الوسطي للتصدي للتطرف السلفي، ويدللون على صحة نظريتهم بقولهم إن «خطاب السلفيين تغير كثيرا بعد الثورة».

ويتفق البعض مع القول بوجود تغير ملموس في خطاب عدد من مشايخ السلفيين، لكن حرب «الأضرحة» التي اشتعلت أخيرا، بين من قرروا تغيير ما يعتبرونه منكرا بيدهم، وصوفيين يشكلون لجانا شعبية لحمايتها، ترمي بظلال كثيفة على مسار التطور الديمقراطي في البلاد.

وقال الداعية محمد حسان، أحد رموز السلفيين في مصر، أمس، إنه والسلف يرفضون هدم أو حرق الأضرحة، ويرفضون المنشورات التي توزع الآن بقتل كل سائح أجنبي يدخل مصر، كما يرفضون تغيير أي منكر باليد من قبل بعض ممن وصفهم بـ«منتسبين للمنهج السلفي».

وعلى وقع تصدر السلفيين للمشهد، تجاوز القلق نطاق الوادي في مصر ليصبح فزعا حقيقيا في المدن الساحلية التي يخشى العاملون بها من تأثير سطوة المتشددين على أرزاقهم، حيث انتشرت شائعات قوية خلال اليومين الماضيين بين العاملين بالمدن الساحلية المطلة على البحر الأحمر شرق البلاد، بشأن تهديدات وصلت لفنادق تحضهم على منع بيع المشروبات الروحية، وتحذرهم من مغبة الإصرار على ذلك.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «التهديدات وصلت بالفعل لفنادق في الخارج لها فروع في مصر، وأنه تم تعميم الإنذار كإجراء احترازي».

وفي وقت تتكشف فيه تباعا حقائق حول حوادث تقع بين الحين والآخر، ويُتهم فيها السلفيون على الفور ودون تدقيق، يبدو أن القلق انتقل بالفعل لمؤسسات الدولة، حيث أكد وزير الأوقاف، الدكتور عبد الله الحسيني، أمس, اهتمام الوزارة البالغ بإصلاح مسيرة الدعوة الإسلامية والخطاب الديني خلال الفترة المقبلة لمواكبة المتغيرات والظروف الدقيقة التي تعيشها مصر.

وأشار الحسيني إلى أن مهمة وزارته التواصل مع نبض الشارع ونشر الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل، والتصدي لمثيري الفتن وأصحاب الفكر المتطرف، والتركيز على مشكلات المجتمع، واقتراح الحلول المناسبة لها في إطار تفاعل الدعاة مع قضايا وطنهم.

وكشف الحسيني عن اختياره والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لخمسين إماما وداعية من أفضل الأئمة بالأوقاف والأزهر لإلقاء خطب الجمعة، والدروس والمحاضرات بمختلف مساجد القاهرة للتصدي لمحاولات البعض اعتلاء المنابر من غير المؤهلين ومواجهة الفكر المتطرف، ومحاولات الاعتداء على الأضرحة ومقابر أولياء الله الصالحين والسلوكيات الخاطئة الخارجة عن النهج الإسلامي المعتدل.

ويعد هؤلاء الأئمة نواة لبرنامج عمل من أجل التصدي للأفكار والسلوكيات الدينية المتطرفة. لكن هذه السلوكيات لا تفزع عددا من النشطاء المصريين بمن فيهم مسيحيون يصرون على مزيد من السعي للحفاظ على مدنية الدولة بعد الثورة، ومن بينهم جورج إسحاق الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «مصر دولة مدنية، هذه حقيقتها، ولن نتراجع عن حلمنا بأن تكون دولة ديمقراطية فتية، لقد قاومنا نظام مبارك لتحقيق هذا الحلم وسوف نستمر في المقاومة في وجه الأفكار المتطرفة».

جماعة الإخوان المسلمين من جهتها اتهمت غلاة الليبراليين بقولها إنهم حاولوا الوقيعة بين أطياف الشعب المصري.. «مستغلين بعض الأخطاء التي وقع فيها المحسوبون على الإسلاميين».

وشددت الجماعة على أن الإخوان يعلنون بكل صراحة وبلا شك أنهم لا يريدون إلا دولة مدنية، مشيرة إلى أن مصر لن تكون أبدا «إيران» أخرى، وقالت إن المعركة التي نشبت بين الليبراليين أو العلمانيين غير مبررة، خاصة في وقت الاستفتاء، مشيرة إلى أن المادة الثانية من الدستور لم تكن قط سببا في هذه المعركة.

وقال الدكتور عصام العريان، عضو مكتب إرشاد الجماعة، إن الجماعة وجهت إلى السلفيين رسالة يوم الأربعاء الماضي، دعت فيها علماء التوجه السلفي المشهود لهم برجاحة العقل ودقة الفهم إلى مراجعة المواقف والفتاوى التي أثارت قلقا وبلبلة داخل الشعب المصري، وأن يعملوا على تهدئة الشارع المصري الذي أصابه الذعر مما طرحه البعض من هدم الأضرحة ورفض السياحة.

وأشار إلى ضرورة احترام الجميع للاجتهادات الفقهية المتنوعة دون إصرار على رأي واحد في المسائل الفقهية التي تحمل الكثير من الآراء والاجتهادات المختلفة، ودعاهم لمراعاة المصلحة الشرعية فيما يتعلق بمصالح الوطن، وبما يقطع الطريق على من سماهم دعاة الفتنة والمتربصين بأمن ووحدة وسلامة الوطن.

وفي غضون ذلك، تعيد الجماعة الإسلامية في مصر ترتيب البيت من الداخل في أعقاب الإفراج عن قياداتها التاريخية من أمثال عبود وطارق الزمر. وترددت أنباء عن قرب الإعلان عن اختيار عبود الزمر رئيسا لمجلس شورى الجماعة، بعد أن تقدم الدكتور كرم زهدي رئيس المجلس باستقالته من المنصب، قائلا إن موقفه جاء لـ«إتاحة الفرصة أمام قيادات جديدة من الشباب عبر آلية الانتخاب الحر بين كوادر الجماعة».