رياح الاحتجاجات تجتاح جامعة القاهرة.. والفصول الدراسية تخلو من الطلبة

انعكاسا لمطلب شعبي عام لمنظومة جديدة تتردد في المصالح الحكومية

TT

ترفرف اللافتات من سقف كلية الإعلام بجامعة القاهرة حاملة عبارات تصف عميد الكلية بأنه أحد أتباع نظام مبارك السابق. وقد وقعت اشتباكات بالأيدي بين الطلاب المعارضين والمؤيدين للعميد وبدت مثل رياح صيفية عاتية، حيث تسبب الضجيج في خلو الفصول الدراسية في أغلب الأحوال، حيث تدفق الطلاب إلى الرواق الرئيسي إما للمشاركة في الاحتجاجات وإما لمجرد المشاهدة.

وأشار شريف نافع، 30 عاما، المدرس المساعد بقسم الصحافة، قائلا: «ما يحدث في الكلية هو انعكاس لما يحدث في المجتمع في أعقاب الثورة». وأضاف قائلا: «هناك حالة من الغضب وشعور بعدم الرضا في العمل، وبسبب الرواتب، وفي الحياة بشكل عام».

وتعد الاحتجاجات ضد العميد مجرد انعكاس لمطلب شعبي عام لمنظومة جديدة، بعد نحو شهرين من الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. ففي الوزارات الحكومية والمصانع، وعلى وجه الخصوص داخل الجامعات، ركزت الاحتجاجات اليومية على هؤلاء الذين ينظر إليهم باعتبارهم تابعين لمبارك. ويشكو المتظاهرون من أن الشرطة السرية كانت تفحص بدقة كل شخص مرشح لأي وظيفة مهمة تحت حكم مبارك، وأن البلد الآن يستحق فرصة للبدء من جديد».

قال نافع: «الشعب يحتاج إلى تغيير، تغيير حقيقي».

لقد انتشرت ظاهرة الاحتجاجات والمظاهرات في جميع أنحاء الدولة – التي ربما يشير إليها مؤيدو مبارك بوصفها آخر كارثة تحل بأرض مصر – ويعبر المواطنون عن مطالب كانت مكبوتة. ويخشى كثيرون من أنهم إذا لم يستغلوا هذه اللحظة، فإنه قد لا تؤتي الثورة ثمارها. وفي واقع الأمر، يخشى كثيرون من أن يكون الأمر كذلك بالفعل.

وأعرب إيهاب الخراط، الطبيب النفسي الذي يقوم بتنظيم حزب جديد هو الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري قائلا: «يساور الناس القلق من أن تنتهي هذه المرحلة التالية للثورة دون أن يحصلوا على حقوقهم».

وقال: «هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر التي يشارك فيها الشعب في إدارة مؤسسات ومنظمات الدولة بنفسه». وأضاف قائلا: «لا تتعلق الديمقراطية بالانتخابات والسياسات على المستوى القومي وحسب – وإنما تتعلق بالطريقة التي تدير بها مؤسستك والطريقة التي تدير بها الحي الصغير الذي تعيش فيه، إنها تتعلق بالإدلاء برأيك في كل جانب من جوانب حياتك».

وتكمن المشكلة، كما يرى كل من الخراط ونافع، في أن المصريين يفتقرون إلى خبرة الشد والجذب التي يقوم عليها مبدأ الديمقراطية، من ثم فحافزهم للتغيير يميزه بشكل واضح سلوك عدواني وسوء ظن.

لا تبدو أي مؤسسة محصنة ضد المظاهرات والاحتجاجات. وقد نشر الجيش عربات مدرعة خارج مكاتب شيخ الأزهر، أعلى سلطة دينية في مصر، نظرا للاحتجاجات العنيفة من قبل العمال المطالبين بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. وقد هدأ الشيخ أحمد الطيب من حدة التوتر بإجراء مقابلة مع وفد من العمال والموافقة على دراسة مطالبهم.

ويحتشد الموظفون في شركة «مصر للتأمين» بشكل منتظم في تقاطعات الطرق بوسط القاهرة للمطالبة بإقالة رئيس شركة التأمين التي تملكها الدولة لأنه يسعى إلى تنفيذ خطة الخصخصة التي وضعها في عهد مبارك. وفي بعض الأحيان، تقل المظاهرات بسبب كل من التهدئة والتهديدات. وذكر محمد السيد، أحد المشاركين في احتجاجات العمال البالغ عددهم 9,000 عامل بمصنع الألمنيوم في نجع حمادي الذي تديره الدولة في صعيد مصر، أن العمال الذين يزعمون أن المديرين الذين عينوا في عهد مبارك فاسدون فضوا اعتصاماتهم بعد زيادة محدودة في الرواتب وتقديم وعود بالتحقيق – فضلا عن توجيههم تهديدات لهم بمحاكمتهم من قبل محاكم عسكرية.

وفي جامعة القاهرة، يطالب بعض أعضاء الكلية والطلاب بإقالة كل من رئيس الجامعة، حسام كامل، وعميد كلية الإعلام، سامي عبد العزيز. وكان سامي عبد العزيز عضوا بارزا في الحزب الوطني الديمقراطي ووجه انتقادات للثورة. وتوجد مقتطفات من أعمدته في صحيفة «روز اليوسف» اليومية معلقة الآن أمام القسم. وتشمل قصائد مدح للديمقراطية المصرية بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نوفمبر (تشرين الثاني)، والتي تعتبر من بين أكثر الانتخابات المزورة في تاريخ مصر، قائلا إن التصويت اتسم بـ«الشفافية والعدالة والحيادية».

وقد شبه ما وصفه بـ«القيادة الملهمة» لمبارك بقيادة غاندي وتشرشل وديغول وكيندي. وذكر أن الفضل يرجع إلى مبارك في أن أصبح للمصريين الحق في التظاهر، متجاهلا القمع الوحشي من قبل الشرطة. كما أشار إلى انتهاكات الشرطة التي تمت الإشارة إليها على صفحة «فيس بوك» التي ساعدت في إثارة المعارضة ضد نظام مبارك بـ«المستحيل تصديقها». غير أنه في 28 يناير (كانون الثاني)، بعد أن انتشر الثوار بشكل هائل، بدأ يغير موقفه مشيرا إلى أن مصر يمكنها أن تتعلم من شبابها.

وتعتبر هذه الأعمدة الصحافية السبب الأساسي وراء حركة المظاهرات الهادفة إلى الإطاحة به. قال حامد فتحي، طالب في السنة الأخيرة عمره 22 عاما: «نحن نرفض فكرة أن يدير هذه المؤسسة شخص حاول أن يضلل الرأي العام».

وقد بدأت هذه المواجهات في 23 فبراير (شباط)، مع استئناف الدراسة. وفي اجتماع محتدم بالانفعالات العنيفة، قدمت إدارة الكلية والطلاب قائمة مطالب للعميد.

ووافق سامي عبد العزيز على التعاون معهم، ولكن انطلقت احتجاجات الطلاب في 6 مارس (آذار). وقد وقعت أكثر الاحتجاجات عدوانية في 23 مارس، حينما ذكر العميد أنه لا يستطيع مغادرة غرفة الاجتماعات نظرا لأن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الكلية المطالبين بإقالته كانوا «ممددين» على الأرض وفي المصعد وفي بئر السلم.

وبعد نحو 9 ساعات، وصلت الشرطة العسكرية وأخرجت سامي عبد العزيز، ثم قامت بإخلاء المبنى.

ويزعم الطلاب أن الضباط استخدموا القوة المفرطة، من خلال دفعهم بعنف على السلالم واستخدام العصي الكهربية، الأمر الذي يلقون باللوم في الجانب الأكبر منه على عبد العزيز، الذي لم يعد مجددا إلى المبنى منذ ذلك الحين.

ويدافع عبد العزيز، 57 عاما، عن سجله كعميد، مشيرا إلى أنه لم يحاول على الإطلاق اجتذاب أنصار للحزب من داخل الكلية.

وذكر أنه قام بتحديث المناهج وأضاف أجهزة كومبيوتر وحث على أن تنشر جريدة الطلاب بشكل منتظم. وقد تمكن من العثور على رعاة من الشركات لتجديد المبنى الذي ذكر أنه لم يخضع لأي صيانة منذ 16 عاما.

وقال عبد العزيز، الذي أسس وكالة إعلانية: «كنت ضد الثورة، ولا أجد ما يشين في قول إنني كنت عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي». وأضاف قائلا: «يجب أن يدافع أي عضو في أي حزب عما يؤمن به».

* خدمة «نيويورك تايمز»