وثائق «ويكيليكس»: طنطاوي عرقل جهود منع السلاح عن حماس و«الشاباك» رأى في سيطرتها على غزة مصلحة

تؤكد وثاقة العلاقة بين «الموساد» ودول عربية.. وتتحدث عن اقتراح ليبرمان للأميركيين إسقاط أبو مازن واستبدال خالد سلام به

TT

بعد خمسة شهور من التحفظ عليها، بدأ موقع «ويكيليكس» بالاشتراك مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أمس، النشر التدريجي لستة آلاف وثيقة تتعلق بإسرائيل وسياستها. واستهلت «أحرونوت» نشر الوثائق بلقاء مع صاحب «ويكيليكس»، جوليان أسانج، نفى فيه أن يكون تأخير النشر ناجما عن ضغوط إسرائيلية أو أنه نابع من علاقات مميزة مع إسرائيل.

وبينت هذه الوثائق عددا من الأسرار. وتوقع المراقبون الإسرائيليون أن يؤدي نشرها إلى تعقيدات في السياسات الإقليمية والمحلية في الشرق الأوسط. ومن أبرز ما كشف في هذه المرحلة، الادعاء بوجود علاقات بين جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي وبين عدد من الدول العربية. وأن رئيس المجلس العسكري في مصر، محمد حسين طنطاوي، عرقل الجهود الأمنية خلال حكم الرئيس حسني مبارك لمنع تدفق الأسلحة إلى حماس على عكس وزير المخابرات، عمر سليمان، الذي رأى في منع السلاح عن حركة حماس مصلحة أمنية مصرية. وأن إسرائيل تحمست للانقلاب الذي نفذته حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وحاولت من خلال إجراءاتها أحادية الجانب أن تشحن حكم حماس بالقوة، حتى تتمكن من فرض سيطرتها على التنظيمات الفلسطينية المسلحة وتضمن منعها من اطلاق الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية.

وكانت إحدى الوثائق، عبارة عن بروتوكول لجلسة بين الملحق العسكري في السفارة الأميركية في إسرائيل وبين رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي «أمان»، الجنرال عاموس يدلين، تتعلق بالسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وكيف تناور بين قطاع غزة تحت سيطرة حماس وبين الضفة الغربية تحت سيطرة الرئيس محمود عباس (أبو مازن). فقال فيها المسؤول الإسرائيلي إن من مصلحة إسرائيل أن يكون هناك انقسام كهذا وأن تكون حماس قوية في غزة.

كما جاء في هذه الوثائق أن الولايات المتحدة كانت شريكة في عملية عسكرية كبيرة نفذتها إسرائيل في إحدى الدول العربية. ولمحت صحيفة «يديعوات أحرونوت» إلى أن الحديث في هذه الحالة يجري حول قصف المفاعل النووي الذي يعتقد أن خبراء كوريين بنوه في دور الزور شمال شرقي سورية. وفي الوثائق المتعلقة بإيران يتضح أن رئيس «الموساد»، مئير دغان، كان قد عرض على الأميركيين وثائق تفيد بأن العقوبات الدولية ضدها مجدية وتترك أثرا بالغا على القيادة الإيرانية، ونصح بناء على ذلك بتشديدها أكثر. ومن هنا نجم موقف إسرائيلي يقول إن الخيار العسكري ينبغي أن يكون في نطاق التهديد لا أكثر. وأعجب الأميركيون بتقارير دغان، مما حفزه على إرسال المزيد منها وتوسيع نطاقها.

ومن ضمن هذه الوثائق أن إسرائيل أحدثت تحولا متطرفا في موقفها من إقامة مفاعل نووي في الأردن. وبعد أن كانت تعارض ذلك بشدة، أصبحت عنصر تشجيع لإقامته وأبلغت موافقتها للولايات المتحدة.

وتشير الوثائق إلى أن الإدارة الأميركية تتخذ موقفا معاديا من البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس أكثر بكثير مما يظهر في الإعلام. وأن هذا الموقف أدى إلى وضع علامة في إسرائيل على القنصلية الأميركية في القدس، التي تتابع هذا الموضوع، فاعتبروها «الجسم الأميركي الأشد عداء لإسرائيل».

وتقول الوثائق أن اغتيال عماد مغنية، قائد الجناح العسكري في حزب الله، تقرر بعد أن تلقت إسرائيل معلومات تفيد بأن الإيرانيين طلبوا من حسن نصر الله أمين عام حزب الله أن يعينه نائبا له. ويتبين من عدة وثائق أن إسرائيل لم تضع خلال عامي 2008 و2009 سياسة واضحة تجاه قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ منتصف 2007. وأن رئيس جهاز المخابرات العامة في إسرائيل «الشاباك»، يوفال ديسكين، تكلم في منتصف 2008 عن أن عملية عسكرية برية في غزة هي «أمر لا يمكن منعه» وهو ما حدث فعلا في نهاية العام نفسه، وأنه سيتعين على إسرائيل احتلال الشريط الحدودي الجنوبي للقطاع مع مصر لفترة معينة لمنع استمرار نقل الأسلحة وهو ما لم يحدث.

وفي المقابل، قال القائد السابق للجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي اللواء يوآف غالانت في نهاية 2009 إن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ قرارا بشأن مستقبل غزة وإنه يجب تقوية حماس إلى حد يمكن معه ضبط بقية الفصائل الفلسطينية ومنع إطلاق صواريخ لكن دون أن تصل قوتها حد تشكيل خطر على إسرائيل. وكان ديسكين قد التقى وزير المخابرات المصرية السابق عمر سليمان في 12 مايو (أيار) 2008 وتباحثا في سبل التوصل إلى تهدئة في القطاع، وفي اليوم التالي التقى مع السفير الأميركي في تل أبيب في حينه، ريتشارد جونز. وفي 22 مايو بعث جونز ببرقية لواشنطن قال فيها إن ديسكين وصف لقاءه مع سليمان بالمثير وأنه «جرى في أجواء حسنة ومغلفة بالأكاذيب مثلما هو الحال في الشرق الأوسط تماما». ووفقا للبرقية الأميركية فإن ديسكين اعتبر أن الحكومة المصرية تريد كسب الوقت رغم أنهم يتفهمون احتياجات إسرائيل للتهدئة، وأن سليمان فوجئ عندما سمع من ديسكين أن إسرائيل مستعدة للتوصل إلى تهدئة. وعدد ديسكين شروط إسرائيل للتهدئة التي شملت وقفا كاملا للأعمال المسلحة ووقف تهريب الأسلحة. وشدد على أن «إسرائيل لن تقبل بأي تعليمات تصدر من غزة لتنفيذ عمليات بالضفة». وكتب جونز في البرقية أن «ديسكين وكثيرين يعتقدون أن إسرائيل ستضطر إلى الدخول بقوة إلى غزة وضرب تعاظم قوة قواعد الإرهاب هناك ومن الأفضل أن يحدث ذلك عاجلا»، وأن ديسكين أوضح أن الخيار المفضل لإسرائيل هو القيام بعملية عسكرية برية وأنه «سيتعين عليها ممارسة ضغوط على حماس طوال أشهر أو سنين». وفي 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 بعث السفير الأميركي في تل أبيب برقية لواشنطن قال فيها إن «الإسرائيليين يتمتعون بوضع أمني هو الأفضل منذ بداية الانتفاضة الثانية وذلك نتيجة لنجاح الاستخبارات الإسرائيلية في إلحاق الهزيمة بشبكات الانتحاريين في الضفة».

وأضاف أن «المسؤول عن غزة (يقصد غالانت، الذي كان مرشحا لرئاسة أركان الجيش واضطر للاستقالة بسبب فضيحة فساد) قال لنا إن القيادة السياسية في إسرائيل لم تقرر طبيعة السياسة التي تعتزم انتهاجها»، موضحا أن «إسرائيل مهتمة على المدى القريب بأن تكون حماس قوية بما يكفي من أجل بسط سلطتها ومنع إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل». وتابع: «رغم ذلك فإنه في الأمد المتوسط تفضل إسرائيل منع حماس من ترسيخ سيطرتها في غزة رغم أنها في الأمد البعيد تطمح إلى الامتناع عن نشوء وضع تضطر فيه إلى إعادة السيطرة على القطاع وتحمل مسؤولية رفاه السكان المدنيين».

وتدل وثائق أخرى على أن السفارة الأميركية تقيم علاقات وثيقة ودائمة مع حركة «السلام الآن» الإسرائيلية المناهضة للاحتلال والاستيطان، وأوصى الدبلوماسيون الأميركيون بضرورة الحفاظ على سرية شخص واحد من الحركة الإسرائيلية بسبب المعلومات النوعية والصادقة التي يمررها للأميركيين. ويظهر من الوثائق أن سكرتير «السلام الآن»، ياريف أوبنهايمر، حاول تجنيد الأميركيين لممارسة ضغوط على إسرائيل بشأن تطبيق قرارات اتخذتها حكومة إسرائيل الحالية في منتصف 2009 تتعلق بإخلاء بؤر استيطانية عشوائية.

وتطرقت الوثائق المسربة إلى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان ويظهر منها أن ما لفت نظر الأميركيين بشكل خاص هو أنه «شخصية مهمة لكن قيمته تدنت عقب تعيينه وزيرا للخارجية». وكتب السفير الأميركي جيمس كنينغهام في برقية بعثها لواشنطن في 3 فبراير (شباط) 2009 «لا يوجد لوزارة الخارجية وزن كبير في الجيش وأجهزة الاستخبارات، ومنذ تعيين ليبرمان وزيرا للخارجية انخفض تأثير الوزارة بسبب ليبرمان وتعزيز مكانة رئيس مجلس الأمن القومي عوزي أراد». وإحدى الوثائق المثيرة هي تلك التي أرسلها السفير الأميركي السابق ريتشارد جونز إلى واشنطن وتحدث فيها عن لقاء مع ليبرمان كرئيس لـ«إسرائيل بيتنا»، في مكتب الأخير في الكنيست في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2006 وقبل يوم واحد من انضمام ليبرمان إلى حكومة ايهود أولمرت.

وكتب جونز في البرقية ما سمعه من ليبرمان ووصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بأنه «ضعيف وفاسد وليس ذا صلة بالواقع». واقترح ليبرمان أن تجد الولايات المتحدة وإسرائيل شريكا ملائما أكثر ليتولى رئاسة السلطة واقترح اسم محمد رشيد، الذي كان المستشار المالي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ويعرف أيضا باسم خالد سلام.