في الذكرى الثامنة لسقوط صدام كتل كونكريتية وفساد مالي وديمقراطية

استمرار الخلاف حول اعتبار 9 أبريل يوما لـ «التحرير» أم «الاحتلال»

TT

ربما يكون التاسع من أبريل (نيسان) هذا العام هو الأخير في العراق الذي توجد فيه قوات أميركية بوصفها «قوات احتلال»، رغم تغيير تسميتها إلى القوات الصديقة منذ التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن أواخر عام 2008.

وعلى الرغم من الشكوك التي تحوم حول إمكانية التمديد لهذه القوات طبقا للضرورات الأمنية، ومنها عدم جاهزية القوات العراقية لسنوات أخرى، فإن رئيس الوزراء نوري المالكي حرص خلال لقائه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أول من أمس على إبداء عدم الرغبة في التجديد. وبذلك فإن المالكي أراد من خلال هذا التأكيد، الذي بدا صارما من خلال اللهجة التي صاغت بها الحكومة ردها الضمني على تصريحات لغيتس بهذا الخصوص، سحب البساط من تحت أقدام معارضيه، ليس داخل الحكومة والكتل السياسية فقط بل من داخل الكتلة التي ينتمي إليها (التحالف الوطني) والتي تضم ائتلافه «دولة القانون» مع «الائتلاف الوطني» الذي يضم التيار الصدري والمجلس الأعلى. فالتيار الصدري اعتاد منذ سنوات، وبالذات منذ أن بدأ خلافه مع المالكي يطغى على سطح الأحداث، أن ينظم مظاهرة يطلق عليها عادة «مظاهرة مليونية» ضد الاحتلال الأميركي للعراق، واليوم ليس استثناء. ومع أن الصدريين مشاركون في البرلمان والحكومة السابقة التي أقرت الاتفاقية الأمنية، مثلما هم مشاركون في البرلمان والحكومة الحالية بثقل أكبر، فإنهم كانوا وما زالوا يستندون في رفضهم للاتفاقية الأمنية إلى عدم تصويتهم لصالحها داخل البرلمان.

وإذا كان المالكي برفضه الصارم التمديد للقوات الأميركية يسعى لمصادرة حق الخصوم في حرية الرفض سواء من خارج العملية السياسية، مثلما تطالب جماعات ترفض المشاركة في العملية السياسية لأنها - من وجهة نظرهم - تجري في ظل الاحتلال، أو من داخلها مثلما يفعل الصدريون، فإن الرئيس العراقي جلال طالباني كان ولا يزال له رأي آخر في الحكاية كلها. فالرئيس طالباني أبلغ الوزير الأميركي الزائر، طبقا لبيان صادر عن مكتبه، شكره على ما قدمته الولايات المتحدة الأميركية من دعم للعراق، لا سيما على صعيد المسيرة الديمقراطية في البلاد والتعاون الأمني والعسكري بين الجانبين، فضلا عن الدعم الذي يقدمه الجيش الأميركي للقوات المسلحة العراقية في مجال التدريب والتجهيز وتأهيل بنيتها التحتية لكي تضطلع تلك القوات بالمهام الملقاة على عاتقها في الدفاع عن المنجزات المتحققة وتوفير الاستقرار ومحاربة الإرهاب. وبالنسبة للمراقبين السياسيين فإن هذا التناقض بين موقفي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وهو تناقض يصل حد التصادم، يأتي في وقت كانت فيه الحكومة العراقية ذاتها قد دعت قبل يومين الأطراف المشاركة فيها إلى نوع من ضبط التصريحات الرسمية حتى تبدو وجهات النظر متطابقة ولكي تؤخذ آراء الدولة العراقية بشكل محترم من قبل وسائل الإعلام.

لكن وعلى ما يبدو فإنه وعلى الرغم من مرور ثمانية أعوام على إسقاط النظام العراقي السابق، فإن هناك ليس فقط فوضى تصريحات تسعى الحكومة إلى ضبطها، بل هناك فوضى تسميات وألقاب تعكس سلوكا متناقضا بين ما تريده الطبقة السياسية أو بعضها في الأقل وما يريده الشارع. وبالعودة إلى السنوات الأولى للاحتلال الأميركي للعراق فإن سلوك الطبقة السياسية كان مختلفا حيال الوجود الأميركي في العراق، والذي لا تزال تختلف تسمياته عند العراقيين على الرغم من أنه حمل تسمية موحدة عند الأميركيين والبريطانيين بعد شهر واحد من دخول قواتهم الأراضي العراقية، وهي «الاحتلال». ففي الوقت الذي يكاد يتفق فيه العراقيون على أن يوم التاسع من أبريل يمثل في النهاية يوما للخلاص من نظام صدام حسين، فإن رؤية الخلاص تحولت عند القوميات والمكونات العراقية إلى وجهات نظر غير متطابقة. ففي الوقت الذي لا يجد فيه الأكراد حرجا في تسمية هذا اليوم بوصفه «يوم تحرير» للعراق، وهو ما عبر عنه طالباني في بيانه عقب لقائه مع غيتس وما عبر عنه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي استقبل غيتس في مطار أربيل أمس، فإن غالبية سنة العراق تتعامل معه بوصفه يوم «احتلال»، بينما غالبية شيعة العراق يجمعون بين كونه «احتلالا» وفي الوقت نفسه سقوطا لـ«الصنم»، ويقصدون به رئيس النظام السابق صدام حسين. ولكل طرف من هذه الأطراف حججه التي يحاول تسويقها في تبرير رؤيته، فالأكراد يختزلون الحكاية كلها باستعادتهم حريتهم وحقوقهم القومية من خلال الفيدرالية. بينما غالبية العرب السنة ينطلقون في رفض هذا اليوم من خلال فشل الطبقة السياسية في تحقيق الوعود التي ما زالت تطلقها منذ ثمانية أعوام. وفي وقت لا تزال فيه الطبقة السياسية تعتقد أن الديمقراطية هي أهم إنجازاتها، فإن العراقيين، سنة أو شيعة، يرون أن الديمقراطية رغم أهميتها فإنها لا تطعم الجياع وسط هذه الفوضى من الخراب والفساد المالي والإداري، فضلا عن الأسوار العالية من الكتل الكونكريتية التي تجثم على صدور الناس والمدن في كل العراق.