المبادرة التركية.. قبول من نظام القذافي.. ورفض الثوار لبقاء العقيد وأسرته

تقترح هدنة وفصلا للقوات وحكومة انتقالية برئاسة سيف الإسلام وحزمة من الإصلاحات

مقاتل ليبي يحمل قاذفة صواريخ بينما يؤدي رفاقه صلاة الجمعة في أجدابيا أمس (أ.ب)
TT

بينما تسعى أنقرة لإقناع الثوار الليبيين بالقبول بخارطة طريق تتضمن حلا للأزمة السياسية والعسكرية المحتدمة في ليبيا، تبدو الدبلوماسية التركية في اختبار قاس للغاية نظرا للتحفظات الكثيرة للثوار. وقالت مصادر ليبية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط»، إن الخطة التي يطرحها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان هي نتاج اتصالاته الهاتفية مع كل من العقيد القذافي ونجله الثاني سيف الإسلام، إضافة لمحادثات أجراها مؤخرا عبد العاطي العبيدي، وزير الخارجية الليبي الجديد، في أنقرة.

وكشفت المصادر النقاب عن أن الخطة التركية تتضمن توقيع هدنة، وفصلا بين قوات العقيد معمر القذافي وقوات جيش تحرير ليبيا (الثوار). وبحسب المصادر سعت تركيا لإقناع القذافي بالقبول بإشراف لجنة من الأمم المتحدة ودول التحالف الغربي على هذه الهدنة، لكن القذافي رفض على اعتبار أن قوات التحالف مشاركة في العمليات العسكرية ضده، كما أنه معترض على تبني مجلس الأمن الدولي للقرار الخاص بفرض حظر جوي على ليبيا الذي تقول طرابلس، إنه مهد الطريق نحو بدء الضربات الصاروخية والجوية ضد نظامها.

في المقابل، بدت الخطة التركية أكثر ميلا للاستجابة لمطالب القذافي بتعيين مراقبين دوليين مستقلين يجري اختيارهم من دول لم تشارك في العمليات العسكرية الراهنة ضده، وهو ما يعني إمكانية الاستعانة بدول من الاتحاد الأفريقي أو الجامعة العربية أو أميركا اللاتينية.

وتتضمن المبادرة التأكيد على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، ورفض أي محاولة لتقسيمها، والتزام طرفي النزاع بالحدود الجغرافية المتعارف عليها للدولة الليبية.

وتنص المبادرة أيضا على وقف إطلاق نار فعلي وفوري، ورفع قوات القذافي حصارها عن المدن التي تحاصرها، وتوفير مناطق وممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع الليبيين المتضررين من الوضع العسكري الراهن في البلاد من دون تمييز.

وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها، إن الخطة تعتبر أنه من المهم أن يستجيب النظام الليبي لحزمة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية العاجلة وإجراء تحولات جذرية تتعلق بشكل وهيكلة الدولة، مشيرة إلى أن الخطة تتضمن أيضا وجود عناصر من المجلس الانتقالي المعارض للقذافي ضمن تركيبة حكومة انتقالية يقودها سيف الإسلام القذافي لنقل ليبيا من نظام شمولي إلى نظام سياسي أكثر انفتاحا على مطالب ورغبات الشعب الليبي. كما تنص على اتخاذ الإجراءات اللازمة فورا لإنجاز مرحلة تحول ديمقراطي نوعي تلبي مطالب الشعب الليبي وتهدف إلى تأسيس نظام ديمقراطي دستوري ينتخب بإرادة الشعب الحرة.

وتتماشى الخطة التركية مع رغبة القذافي الأب في عدم التخلي عن السلطة التي يقودها منذ نحو 42 عاما، إذ أشارت المصادر الليبية الرسمية إلى أن أنقرة تدرك تماما أنه ليس لدى القذافي أي استعداد للتخلي عن سلطة لا يقودها رسميا.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن المطروح هو بقاء القذافي بشكل رمزي في السلطة من دون أن يتولى أي صلاحيات دستورية أو تنفيذية، وفي المقابل يتم تصعيد سيف الإسلام لتولي الحكم على اعتبار أنه واجهة شبه مقبولة للثوار.

وقال خالد الكعيم، نائب وزير الخارجية الليبي، إن بلاده ترحب بالمبادرة التركية، موضحا أن أنقرة حاولت منذ بداية الأزمة الليبية أن تلعب دور شريك إيجابي مع جميع الليبيين. ولفت الكعيم الذي اعتبر أن لتركيا علاقات تاريخية واستراتيجية مع ليبيا، إلى أنها تعتبر وسيطا مقبولا بالنسبة للنظام الليبي. لكن الخطة التركية سرعان ما اصطدمت برفض الثوار لفكرة بقاء القذافي وأسرته في الحكم.

وقال المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي «نرحب بالخطة، لكن على القذافي أن يتنحى فورا عن السلطة لحقن المزيد من دماء الشعب الليبي». وقالت مصادر مقربة من عبد الجليل لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس يعترض على بعض بنود الخطة بما في ذلك بقاء القذافي أو أسرته في الحكم بأي شكل من الأشكال، مشيرة إلى أن المجلس مستعد لإعطاء وعد رسمي بعدم ملاحقته أو أي من أفراد أسرته إذا ما قبل بالتخلي عن السلطة واستسلم للأمر الواقع. ورغم أن الثوار انتقدوا مواقف تركيا المترددة تجاه حسم أمورها حيال نظام القذافي، سعت تركيا إلى الدفاع عن سمعتها ونفى انحيازها إليه.

واضطر أردوغان إلى عقد أكثر من مؤتمر صحافي وإصدار أكثر من بيان في محاولة لإقناع الثوار بسلامة النية التركية. وأكد في بيان أصدره مكتبه، أمس، أن بلاده لم تتبع سياسة «انتظر لترى» لما يجري في ليبيا، مشيرا إلى أن الأهداف الرئيسية لسياسة تركيا في ليبيا تمثلت في الوصول إلى الظروف التي تتيح الانتقال الديمقراطي الدستوري الذي يمثل تطلعات الشعب المشروعة والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسيادتها. وأضاف أنه من هذا المنطلق فقد كان في أولويات اهتمامنا إيقاف الهجمات التي تستهدف المدنيين وتحقيق المرحلة الانتقالية بشكل يتلاءم مع تطلعات الشعب. وتحقيقا لذلك «فقد عملنا كل ما هو ضروري لتحقيق هذه الأهداف. إنني أؤكد مرة أخرى أنه لم تكن هناك أي أجندات خفية عندما بدأنا في السير في هذا الاتجاه، وكان غرضنا الأساسي والوحيد هو تأمين وحدة ليبيا وسعادتها».

ولخص أردوغان الموقف التركي قائلا: «إننا لا نرضى بمصادرة الحقوق الأساسية، ولا نتحمل ذلك، ولكننا لا نرضى في الوقت نفسه بإراقة الدماء وإزهاق الأرواح. إن جهودنا تنصب على أن تسفر المرحلة الحالية عن سلامة الشعب الليبي وفلاحه وخدمة تطلعاته».

وقال مسؤول ليبي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن المبادرة التركية تبدو من أفضل المبادرات المطروحة لحل الأزمة وإيجاد أرضية مشتركة بين نظام القذافي ومعارضيه، مشيرا إلى أن استمرا الوضع العسكري الراهن ليس في مصلحة أحد.