اليمن: الخارجية تستدعي سفيرها في الدوحة.. والقربي يقول إن صالح لم يرفض المبادرة الخليجية

مبعوث أممي يجري لقاءات مع الأطراف السياسية في صنعاء.. وتواصل المواجهات في تعز.. وعدن تنفذ عصيانا مدنيا شاملا

جنود من الجيش اليمني يشتبكون مع حشد كبير من المحتجين المطالبين بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح في تعز أمس (إ.ب.أ)
TT

تواصلت في اليمن المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في الوقت الذي يجري فيه مبعوث أممي لقاءات في صنعاء للوقوف على حقيقة الأوضاع في المشهد اليمني. في حين شهدت العلاقات اليمنية - القطرية خطوة تصعيدية جديدة باستدعاء صنعاء لسفيرها في الدوحة.

وقالت مصادر رسمية يمنية إن وزارة الخارجية استدعت، أمس، سفيرها لدى قطر من أجل «التشاور»، وذلك على خلفية رفض اليمن المبادرة الخليجية لحل الأزمة الراهنة في البلاد. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية إن التشاور مع السفير يأتي على خلفية التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والتي أطلقها، أول من أمس، من نيويورك، وأعرب فيها عن أمله في أن تتوصل دول الخليج إلى اتفاق يفضي إلى تنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة.

وأثارت هذه التصريحات حفيظة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي هاجم قطر، واعتبر أنها تتدخل في الشؤون الداخلية لليمن. وقال صالح في كلمة له أمام حشد من أنصاره، أول من أمس بصنعاء، إنه يستمد شرعيته من الشعب اليمني وليس من قطر، على حد قوله. ويعتقد مراقبون أن الخطوة التي أقدمت عليها الخارجية اليمنية ربما تزيد من تأزيم الوضع بين البلدين، خاصة إذا ما قوبلت برد فعل قطري مماثل. وتعد العلاقات اليمنية - القطرية متميزة، وتقوم الدوحة بدور الوسيط بين النظام اليمني والمتمردين الحوثيين في شمال البلاد.

وعلى أثر تصريحات الرئيس اليمني التي فهم منها رفضه للمبادرة الخليجية، تقوم السلطات بما يمكن وصفه بالحملة الدبلوماسية لتوضيح موقف اليمن من المبادرة. وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية اليمني في حكومة تصريف الأعمال الدكتور أبو بكر القربي، أمس، السفراء العرب والأجانب المعتمدين في صنعاء. وقال خلال اللقاء إن الخلاف بين السلطة والمعارضة في اليمن «ليس على انتقال السلطة، لكن على آلية الانتقال التي تضمن الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وبحيث لا تؤدي إلى الفوضى وتشطير البلاد».

وجدد القربي ترحيب بلاده بأي وساطات تهدف إلى تقريب وجهات النظر «ما دامت في إطار الدستور». وقال إن ما جاء في خطاب صالح «لم يكن رفضا للوساطة الخليجية، بل لما جاء في تصريح الشيخ حمد بن جاسم». وأكد القربي أنه سبق له أن قال إن الحكومة اليمنية «تدرس المبادرة الخليجية»، ولم يعلن أي رفض لها. وقال إن الحكومة اليمنية طلبت من المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي «بذل مساعيهم الحميدة لحل الأزمة»، وهو ما انعكس في ترحيب الحكومة اليمنية بما جاء في البيان الصادر من اجتماع وزراء خارجية دول المجلس الأخير في الرياض.

وقال الوزير اليمني إن تصريحات الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني كانت «مفاجئة لليمن، لأنها أعطت انطباعا بأن الأمر قد حسم، وثانيا لأن الأطراف المعنية هي الحكومة اليمنية ودول مجلس التعاون الخليجي وليس الحكومة اليمنية والمعارضة». وشدد على أن حكومة بلاده «لم ولن تغلق باب الحوار، وترحب بكل الجهود لحل الأزمة السياسية وضمان انتقال سلس وآمن للسلطة وفقا للدستور».

وفي وقت لاحق من مساء أمس، قالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ» أن الوزير القربي تسلم عبر سفير قطر في صنعاء، رسالة من نظيره القطري تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأزمة في اليمن. وفي تصريحات للشيخ حمد بن جاسم، نفى أن تكون قطر تقدمت بمبادرة تنص على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، وقال إن ما هو مطروح هو مبادرة خليجية قدمت في ضوء طلب من الحكومة اليمنية.

وفي التطورات السياسية أيضا، يقوم مبعوث أممي بإجراء لقاءات مع أطراف الأزمة اليمنية. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أوفد جمال بن عمر إلى صنعاء ليلتقي الأطراف في الأزمة السياسية في السلطة والمعارضة، والتقى الموفد الأممي، أمس، الشيخ حميد عبد الله الأحمر، أمين عام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، حليفة أحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة. وحسب مصادر في اللجنة، فإن اللقاء بحث «الأوضاع الراهنة والمستجدات الجارية على الساحة اليمنية، وذلك في ضوء المبادرات المقدمة مؤخرا لإيجاد حل للأزمة في اليمن». وقدم الأحمر «استعراضا لطبيعة الأزمة في اليمن والجهود المبذولة من أجل ضمان انتقال سلمي وفوري للسلطة، بما يؤدي إلى تلبية مطالب الشعب اليمني السلمية، وحقهم المشروع في الحياة الحرة والكريمة، وبما يحفظ أمن الوطن واستقراره». وشدد على أهمية «إشراك كل القوى السياسية الفاعلة، وشباب ثورة التغيير السلمية في مختلف مراحل وخطوات الحوار».

وكان المبعوث الأممي التقى، مساء أول أمس، اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي انشق عن نظام الرئيس صالح. وقال العقيد عسكر زعيل، المتحدث باسم الأحمر، لـ«الشرق الأوسط»، إن اللواء الأحمر أكد لمبعوث الأمم المتحدة استمراره في حماية «ثورة الشباب» السلمية، والحرص على الأمن والاستقرار والسلام في اليمن وتجنيبها أي فتنة وبصورة سلمية، إضافة إلى الدور في حماية الأمن ومكافحة الإرهاب.

وأضاف زعيل أنه يعتبر أن مثل هذا اللقاء يعبر عن حرص من الأمم المتحدة على اليمن، وفي الوقت نفسه «حرصنا نحن على نجاح الثورة السلمية»، إضافة إلى «كسب رأي الأمم المتحدة بشأن الوضع في اليمن، لأن رأيها مهم جدا بالنسبة لثورة الشباب السلمية». ونفى المتحدث زعيل أن يكون اللقاء بحث مسألة انتقال السلطة، وقال إن ما بحث هو «مسألة تأييد الثورة الشبابية وحمايتها من أعمال القمع والقتل التي يتعرض لها المعتصمون والمتظاهرون من قبل زبانية النظام وبعض الأجهزة الأمنية والحرس الجمهوري». وقال إن القائد الأحمر أوضح للمبعوث أن «الثورة سلمية وشعبية ويشارك فيها جميع ألوان الطيف السياسي اليمني».

على الصعيد الميداني، واصل مئات الآلاف من اليمنيين اعتصاماتهم ومظاهراتهم في معظم المحافظات اليمنية للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح ورحيله هو وأبنائه وأقربائه عن الحكم. وقد رفع بعض المتظاهرين من سقف مطالبهم، وذهب بعضهم للمطالبة بمحاكمة الرئيس صالح وأركان نظامه، وذلك في ظل استمرار استخدام العنف ضد المتظاهرين سلميا.

وشهدت صنعاء وتعز أكبر الحشود الجماهيرية التي جابت الشوارع وهي تهتف «ارحل يا علي»، وسقط، أمس، العشرات من المتظاهرين جرحى برصاص قوات الأمن وجراء استنشاق الغازات السامة التي استخدمت ضد المتظاهرين، في تعز. وفي جنوب العاصمة صنعاء، قمعت قوات الأمن تظاهرة حاشدة كانت تجوب حي حدة الراقي، في وقت يواصل فيه عشرات الآلاف من المواطنين اليمنيين الانضمام إلى ساحات التغيير وميادين الحرية. وإلى وقت متأخر من مساء أمس، استمرت المواجهات بين قوات الحرس الجمهوري والأمن من جهة، والمتظاهرين في تعز من جهة أخرى، وتضاربت الأنباء بشأن عدد القتلى بين مقتل متظاهر أو 4، غير أن المؤكد هو سقوط عشرات الجرحى.

وفي السياق ذاته، سلمت العشرات من الناشطات اليمنيات بيان إدانة إلى مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، لما يتعرض له المتظاهرون من قمع على يد قوات الأمن في جميع المحافظات اليمنية. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن مجاميع من باتوا يعرفون بــ«البلطجية» حاصروا الناشطات أمام مبنى الأمم المتحدة لعدة ساعات، وإن قوات الأمن اعتقلت عددا من الشبان المرافقين للناشطات. وقال أحد الشباب إن الناشطات المحاصرات خرجن برفقة أفراد الأمن الخاص بمكتب المنظمة الدولية لحمايتهن من اعتداءات البلطجية.

وقالت الرسالة «إننا وفي الوقت الذي نسطر فيه كلمات رسالتنا إليكم، يقوم النظام اليمني بارتكاب مجزرة بشعة في العاصمة الثقافية تعز ضد المتظاهرين سلميا في ساحة الحرية، ويطلق الرصاص الحي المباشر من أسلحته الخفيفة والمتوسطة إلى صدور مدنيين لا يملكون إلا صدورهم العارية، ولم يستثن طفلا أو شابا أو رجلا أو امرأة. وكان قبلها قد ارتكب مجازر مختلفة في كل من صنعاء وعدن وتعز والبيضاء والحديدة وحجة وحضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية، وكل ذلك لأنهم خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم التي كفلها الدستور والقانون، فضلا عن التشريعات والمواثيق العالمية التي كفلت هي الأخرى هذا الأمر». وأضافت «إننا وفي هذا الوقت العصيب من تاريخ أمتنا لا نشك في أنكم ستجرمون كل هذه الأفعال الرعناء التي يرتكبها النظام، ونحب أن نلفت عنايتكم بأننا أيضا ننتظر منكم أفعالا ملموسة وحقيقية على أرض الواقع، وتتضمن: إرسال فريق دولي للتحقيق في كل جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب اليمني، والرفع إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومناقشة الأمر، ووضع لائحة لكل الذين ثبت تورطهم في مثل هكذا جرائم، وإحالتهم لمحكمة الجنايات الدولية ورفع الحصانة الدبلوماسية عنهم».

وفي محافظة عدن، نفذ عصيان مدني شامل بنسبة نجاح كبيرة، وذلك في سياق الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام. وقال شهود عيان إن جميع المحال التجارية والمؤسسات والمصالح الحكومية والخاصة أغلقت أبوابها، إضافة إلى توقف حركة السير بصورة كاملة. وتعد هذه هي المرة الثانية التي ينفذ فيها عصيان مدني شامل في عدن، في غضون الأسبوعين الأخيرين. وقالت مصادر محلية إن محتجين غاضبين أحرقوا سيارتين لشرطة النجدة في عدن.