قبل عام من انتخابات الرئاسة.. ساركوزي يعاني داخليا وخارجيا

تضعضع الحزب الحاكم وانهيار شعبيته أضيفت لهما أزمتا ليبيا وساحل العاج

TT

توجه الرئيس نيكولا ساركوزي وزوجته كارلا إلى منطقة كاب نيغر، إحدى أجمل مناطق الريفييرا الفرنسية، حيث تقيم عائلة زوجته، ليرتاح بضعة أيام قبل أن يعود إلى باريس ويواجه وضعا معقدا في الداخل والخارج.

ففي الخارج، يتعين على ساركوزي متابعة الحرب في ليبيا والبحث عن مخرج لما يبدو أكثر فأكثر أنه «طريق مسدود» وصل إليه التحالف الدولي والحلف الأطلسي بسبب عجز المعارضة المسلحة الليبية عن الإطاحة بالعقيد القذافي. وتستبعد المصادر العسكرية الفرنسية أن ينجح المناوئون للقذافي في تنظيم صفوفهم على المدى القريب لاجتياح المناطق الغربية، مما يعني أن الحرب مرشحة لأن تدوم أسابيع وشهورا. وبما أن الرئيس ساركوزي لعب دورا محوريا في الدفع إلى استصدار قرار من مجلس الأمن وتشكيل التحالف الدولي مع بعض العرب (قطر، الإمارات العربية المتحدة)، فإن الطريق المسدود يعني فشلا لساركوزي.

وتراهن باريس على اجتماع مجموعة المتابعة في الدوحة، يوم الأربعاء الماضي، للبحث عن «مخرج سياسي» يسمح بخروج القذافي من السلطة والولوج إلى «مرحلة انتقالية» لا يملك أحد تصورا دقيقا لها في الوقت الحاضر. وأخذت المصادر العسكرية الفرنسية تتيقن أن التخلص من القذافي يستدعي تدخلا عسكريا «أرضيا» لا يتيحه القرار 1973 كما لا تريده أي جهة مشاركة في العمليات العسكرية الجوية.

أما المعضلة الثانية التي يتعين على ساركوزي مواجهتها فهي ساحل العاج؛ حيث يتمسك الرئيس لوران غباغبو بالسلطة وحيث فشلت قوات وميليشيات منافسه الحسن وتارا من إخراجه من الملجأ المحصن الذي يختبئ فيه على الرغم من تدخل الطوافات الفرنسية وقوة الأمم المتحدة من أجل «تدمير الأسلحة الثقيلة وحماية المدنيين» مثلما ينص عليه القرار الدولي رقم 1975 وتؤكده فرنسا التي تحتفظ في مستعمراتها السابقة بحماية عسكرية مهمة وبقوة جوية وأرضية. والأسوأ من ذلك، أن ساركوزي دعا غباغبو إلى «ترك السلطة فورا». والحال أن الأخير على الرغم من التدخل الدولي استعاد بعض المواقع الاستراتيجية في أبيدجان ويبدو أنه أقل استعدادا من أي وقت مضى للتخلي عن موقعه ومغادرة البلاد بعد فشل محاولات الوساطة بين الرئيسين المتنازعين.

أما في الداخل السياسي، فليس وضع ساركوزي أحسن حالا. وآخر معاناته انشقاق الجناح المعتدل من حزب التجمع من أجل حركة شعبية، المتمثل بالوزير السابق جان لوي بورلو الذي قلب الطاولة وأعلن استعداده للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

والحال أن استطلاعات الرأي تفيد بتهافت شعبية ساركوزي؛ حيث إنه يحل في الدورة الأولى في المرتبة الثالثة بعد المرشح الاشتراكي، خصوصا وراء مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، مما يعني خروجه من السباق؛ لذا فإن ساركوزي جنح بسياسته الداخلية نحو اليمين المتشدد في محاولة واضحة لسحب البساط من تحت رجلي اليمين المتطرف الذي حقق اختراقا جليا في الانتخابات المحلية قبل أسبوعين.

ويركب ساركوزي، معتمدا على كلود غيان، وزير الداخلية وأقرب مساعديه السابقين في قصر الإليزيه، موجة محاربة الهجرة غير المشروعة والدفاع عن العلمنة بوجه الإسلام المتشدد وتقييد حركته. ومن هذه الزاوية، يتعين فهم النقاش الذي طلبه رئيس الجمهورية رسميا من أمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه لإظهار أن الدفاع عن قيم الجمهورية بوجه الإسلام ليس حكرا على اليمين المتطرف ولدغدغة مشاعر محازبيه والعودة إلى الاستراتيجية التي ساعدته عام 2007 في الفوز بالرئاسة.

إضافة إلى ذلك، يعاني ساركوزي تراخي قبضته على الحزب اليميني الذي أوصله إلى السلطة بسبب تراجع شعبيته إلى درجة أنه أصبح عاجزا عن حسم خلافاته الداخلية، بينما يبدو رئيس الحكومة فرنسوا فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه مرشحين بديلين في حال تبين أنه ليس في وضعية تمكنه من الفوز في الانتخابات المقبلة.

وحتى الآن، لم يحصد ساركوزي شيئا من ترؤسه لمجموعتي العشرين والثماني الاقتصاديتين ولا من الدور الريادي الذي لعبه في الموضوع الليبي بعد البلبلة التي أحاطت بالسياسة الفرنسية إبان الثورتين التونسية والمصرية. وما بين صعوباته في الخارج ومعاناته في الداخل، ربما تكون نهاية الأسبوع المطولة التي يمضيها ساركوزي وعقيلته في أحضان الطبيعة المتوسطية معينا له على التفكير بمخارج من وضعيات معقدة للغاية.